الجمعة ، ٢٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:٤٤ صباحاً

في يوم حِسابَهْ .. مُرسي للشعب "يقرأ كتابَهْ"!

حبيب العزي
الثلاثاء ، ٠٩ اكتوبر ٢٠١٢ الساعة ١١:٤٠ صباحاً
"اقرأ كتابك .. كفي بنفسك اليوم عليك حسيباً"..
بتلقائية متناهية ، وبعفوية غير مسبوقة في تاريخ خطابات الرؤساء في عالمنا العربي ، ظهر الرئيس مرسي ليحاسب نفسه وجهاً لوجه أمام حشود هائلة من جماهير شعبه ، في ما يشبه "محاضرة" مطولة استغرقت أكثر من ساعتين، بمناسبة عيد 6 أكتوبر، تحدى فيها خصومه والمتربصون به أن يثبتوا أن فلساً واحداً قد دخل جيبه من بدلات السفر كما يزعمون ، أو أنه يمتلك سيارة واحدة بصفته الشخصية بعد وصوله للرئاسة ، إذ قال بالنص:" أسكن في شقة بالإيجار ولا أمتلك سيارة حتى الآن" ، وأضاف أن السيارة التي يستقلها في موكبه الرئاسي هي ملك للدولة ، وسيتركها للرئيس الذي سيأتي بعده عندما تنتهي فترة رئاسته، وهي الذكرى التي تصادفت مع قُبيل انتهاء فترة الـ 100 يوم التي كان قد حددها لنفسه في برنامجه الانتخابي قبل أن يصبح رئيساً ، ووعد حينها شعبه بأنه سيلتزم خلالها - في حال فوزه بمنصب الرئيس - بتحقيق خمسة إنجازات أساسية وهامة ، تمس حياة المواطن المصري البسيط بشكل مباشر وهي : الأمن ، الوقود ، رغيف الخبز، النظافة ، والمرور ، وقد ذكر في كلمته المطولة بأنه استطاع أن يفي بما يقارب الـ 70% من تلك الوعود التي قطعها على نفسه ، مدعماً كلامه بالأرقام التي شدد على أنها أتت على أساس مهني وموضوعي من قبل جهات متخصصة ، كما أسهب في ذكر الأسباب التي أعاقته عن استكمال الـ 30% المتبقية من خطة المائة يوم ، وجدد وعده للجماهير المحتشدة باستكمال بقية الخطة ، بل واستكمال مشروع النهضة لمصر الجديدة.

بالطبع لن يُعجب ذاك الخطاب الكثير من "البروتوكوليين" ، أصحاب ثقافة الـ "إتيكيت"، والـ "بروباجاندا" السياسية والإعلامية ، فالتصرفات الشخصية لفخامة الرئيس – من وجهة نظر هؤلاء - يجب أن تكون على رأس قائمة الأولويات التي ينبغي على "فخامته" أن يركز عليها أثناء حديثه أو سيره على السجاد الأحمر أو طريقته في الجلوس وتحية الجماهير أو ... أو.... الخ من تلك الشكليات ، التي خلفتها لنا ثقافة النُظم البائدة ، نُظم ما قبل الربيع العربي ، والتي كان لا يرى فيها المواطن العربي البسيط – ولايزال- إلاَ تعبيراً حقيقياً عن مدى "الخُواء" العقلي وهشاشة وسطحية التفكير الذهني لتلك الزعامات الجوفاء ، التي عودتنا على الإغراق في الشكليات على حساب الأوطان طوال عقود ، والتي هي في حقيقة الأمر ثقافة اللصوص الذين احترفوا سرقة الأوطان لعقود طوال وشرَّعوا لأنفسهم بروتوكولات تحميهم من مغبة الاقتراب من الشعوب أو التحدث إليها مباشرة.

إن أكثر ما يلفت النظر في كلمة مرسي قبل يومين ، كما في كلماته السابقة هي الارتجال في الحديث ، إذْ لم يكن معهوداً لدينا في عهود ما قبل الربيع العربي أن نرى رئيساً عربياً واحداً يرتجل في الحديث ، والسبب في ذلك ببساطة شديدة أنه لا يستطيع فعل ذلك حتى ولو امتلك زمام اللغة ، وقوة الفصاحة ،"وأنا أجزم أن جميعهم يفقدون كلا الصفتين معاً " لأن الارتجال يعني الأريحية في الحديث مع المخاطب ، والأريحية في الحديث مع المخاطب تعني إزاحة كل الحواجز النفسية والمادية بينك وبينه ، وعندما تزول الحواجز يحصل التقارب وتزداد الألفة ، والألفة تفضي بطبيعة الحال إلى تعزيز الثقة بين المتحدث والمخاطب ، وعندما تتعزز الثقة بين الطرفين تتجسد الشفافية والوضوح في أعلى صورهما ، والشفافية والوضوح تعنيان قول الحقائق كاملة كما هي ، دون خوف أوجل من المخاطب ، وحينما يكون المتحدث هو الرئيس والمخاطب هم جموع الشعب ، فلن يستطيع الارتجال حتماً إلاَ رئيساً بمواصفات مرسي ، لأنه لو حاول فعلها رئيس عربي آخر ، لكانت أول حقيقة يجب أن يقولها لشعبه كل رئيس عربي هي : أنه "بشخصه" رئيس غير شرعي ، وأنه مجرد "لص" سرق السلطة ، وظل يكذب بها على شعبه طوال فترة حكمه.

بتقديري الشخصي .. أن الرئيس مرسي ومعه الشعب المصري العظيم قد رسموا لنا من خلال تلك اللوحة الجميلة على استاد القاهرة ، خارطة طريق جديدة في كيفية علاقة الحاكم مع شعبه بعد الربيع العربي ، الحاكم الذي بات يضرب لشعبه ألف حساب ، والذي يرى بأن أدق التفاصيل في حياة شعبه تستحق منه الوقوف لساعات طوال أمامه دون حواجز ، ليعطيه كشف حساب بما أنجز من وعوده التي قطعها على نفسه ، يشرح ويفسر ويعتذر عن التقصير ، بكل صراحة ووضوح ، دون هروب أو مواربة وعلينا في شعوب الربيع العربي الأخرى أن نتعلم الدرس ونحذو نفس الطريق ، ونؤسس في أوطاننا لثقافة جديدة أساسها : أن الرئيس هو مجرد فرد "من جيز الشعب" غير أنه أكثرهم هماً .. وأثقلهم حملاً .