السبت ، ٢٧ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:٤٤ صباحاً

التحرير وسباق المليونيات!

حبيب العزي
الأحد ، ٠٢ ديسمبر ٢٠١٢ الساعة ١٠:٤٠ صباحاً
من الواضح أن تلك الضربة الاستباقية التي قام بها الرئيس محمد مرسي في إعلانه الدستوري الأخير قد أوجعت كثيراً تلك القوى التي كانت تتربص به وتتمنى له الفشل ، لأنها لا تريد -على ما يبدوا- أن يتحقق أي نجاح لمصر في ظل رئيس "إخواني" تتناقض معه في الرؤى والأفكار ، بل وتناصبه العداء باستمرار، وقد بدا ذلك جلياً من خلال ردود الفعل الهستيرية لمعظم قيادات تلك القوى، التي بدأت -وبُعيد صدور الإعلان مباشرة- بحشد حشودها ، وتجييش أنصارها إلى ميدان التحرير لمواجهة ذلك الإعلان ، والذين رفعوا شعارات كثيرة ابتعدت في معظمها عن المطالب الحقوقية المشروعة ، إلى المطالبة بأشياء لا تصب إلا في خدمة قوى يعرفها الشعب المصري جيداً ، وهي تعمل من الخلف وتضخ الأموال الطائلة بهدف إسقاط الشرعية عن مؤسسة الرئاسة المنتخبة من الشعب بطريقة ديمقراطية حرة ونزيهة.

فعندما يظهر السيد أحمد شفيق على قناة العربية متحدثاً من دولة الإمارات، التي هرب إليها بُعيد سقوطه في الانتخابات الرئاسية الماضية ، مشيداً بتلك الحشود التي خرجت إلى ميدان التحرير يوم الثلاثاء الماضي ، وواصفاً ما يجري في مصر بالمسخرة وأنه قد آن الأوان لإيقافها ، كل ذلك لا يعني بتقديري سوى شيئاً واحداً وهو أنه ثمة تنسيق من نوع ما، كان قد حدث بينه وبين تلك الأطراف الداخلية التي تبنَّت التصعيد والتحريض ضد مرسي بقيادة النائب العام السابق المستشار/عبد المجيد محمود ومعه رئيس نادي القضاة المستشار/ أحمد الزند، وغيرهم من الفريق الذي كان لا يزال يحلم بعودة الأمور إلى ما قبل 25 يناير، والذين كانوا قد أعدوا العدة للانقلاب على الرئيس مرسي من خلال ثلاثة أحكام قضائية يفترض أنها كانت ستصدر يوم الأحد الموافق 2 ديسمبر2012، من قبل المحكمة الدستورية العليا، وهي حل الجمعية التأسيسية للدستور وحل مجلس الشورى وإلغاء الإعلان الدستوري السابق للرئيس مرسي والصادر بتاريخ 11 أغسطس الماضي، ما يعني إعادة الأمور إلى الصفر وعودة العمل بالإعلان الدستوري المكمل الذي سيعني بالضرورة عودة المجلس العسكري بقيادة المشير طنطاوي، وهو ما تنبه له مرسي ووصفه بالمؤامرة.

إن كلام الرئيس عن وجود مؤامرة لم يكن مجرد كلام مرسل وإنما كان بناءً على معلومات دقيقة توفرت لديه، وشخصياً لا أجد تفسيراً واحداً لقرار الانسحاب المفاجئ لمعظم الأعضاء المحسوبين على القوى المدنية ، الذين كانوا قد شاركوا في إعداد الدستور طوال الخمسة الأشهر الماضية ، سوى أن قرارهم ذاك كان سياسياً بالدرجة الأساس وليس اعتراضاً على بعض المواد ، أو لأنه لم يؤخذ بآرائهم حسب ما يُعللون، كما أنه جاء نتاج لجهود مضنية بذلتها أطراف معادية للإخوان ولمرسي وبمقدمتها تلك التي فشلت في الانتخابات الماضية ، وذلك من أجل إقناعهم بأن النزول إلى الشوارع وحشد المليونيات هو الخيار الأفضل للي ذراع الرئيس، الذي كان -إلى ما قبل صدور الإعلان الدستوري الأخير- مثاراً للتندر والسخرية عندهم وفي وسائل إعلامهم ، ذاك الإعلان الذي باغتهم فيه بضربة قاصمة جعلتهم يصرخون حد العُواء من شدة الوجع، خصوصاً وأنه كان قد أنذرهم في خطاب سابق له بالقول "لا يغرنكم حلم الحليم" ولكنهم تمادوا، وهاهم اليوم يحصدون مرارة ما زرعوا.

لم يكن هناك من داع بتقديري لخروج المؤيدين للإعلان الدستوري ولقرارات الرئيس مرسي بمليونية السبت، التي تحولت في حقيقة الأمر إلى مليونيات متعددة في العديد من المدن المصرية، والتي أتت كرد عملي لتلك القوى "المدنية" التي خرجت الجمعة الماضية إلى ميدان التحرير لتستعرض قوتها ، فأتي الرد قوياً وهادراً وأكثر استعراضاً من قبل الأطراف الأخرى المؤيدة لمرسي ، وكان يكفي بأن تدعمه بالذهاب للاستفتاء على الدستور الجديد وكتابة نعم لهذا الدستور ، فهذه العبارة هي أكبر دعم للرئيس في الوقت الحالي، لكنها أرادت توجيه رسالة قوية لخصومها مفادها أن المؤيدين هم الأكثرية وليس كما تروج وسائل الإعلام التابعة لتلك القوى، وهذا حقها بطبيعة الحال.

لقد كنا نعيب على الأنظمة الحاكمة قبل الربيع العربي بأنها تُخرج المليونيات "الوهمية" للاستعراض ، وكأنها تريد القول بأن هناك شعب هائم في حب الرئيس الفذ والقائد الملهم، لكنها كانت تفعل ذلك نفاقاً ولعلمها سلفاً بأن الرئيس غير شرعيِ بالأساس، ولأن ذاك الرئيس كان يتعامل مع شعبه على طريقة "حبني بالغصب"، أما اليوم فمعظم المصريين فعلاً يحبون الرئيس لأنه شرعي ولأنهم هم من أتى به إلى كرسي الرئاسة ، ولأجل ذلك فهو لا يحتاج بتقديري لأن يُدعم بالمليوينيات واستعراض العضلات بقدر ما يحتاج إلى تكاتف الجميع معه في الاهتمام بالعمل والإنتاج وتفويت الفرصة على تلك القوى المتربصة التي تريد تعطيل عملية الإنتاج والبناء، فالعالم كله يُدرك من هي القوى الحقيقية الموجودة على الأرض ، ومن هي التي ترعد وتزبد عبر الفضائيات ووسائل الإعلام المختلفة بينما هي في حقيقة الأمر كالزبد الذي يذهب جفاءً.