السبت ، ٢٧ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٥٨ صباحاً

تمحور الخطاب في الميزان العدل

عبدالرقيب مكرد الصلوي
الاربعاء ، ٢٦ ديسمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٣:٤٠ مساءً
الخطاب بلفظه الشامل والمجمل يكون له الكثير من الدلالات والمعاني الارتباطية وفقاً لنوع العلاقة المكونة لذلك النسيج الارتباطي والمتداخلة بواقع حدث الخطاب، ووقته ومقامه والمقصود منه وغير ذلك من المكونات الداعية واللصيقة بالحاجة إليه وإلا فالصمت أولى كما قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) صدق رسول الله.

ومن هنا فإن تمحور الخطاب ومنهجيته المتباينة تجيء تبعاً لتلك العلاقة الصانعة لموقف الخطاب بأنواعه المتعددة سواء كان خطاباً سياسياً أم دينياً أم ثقافياً أم توعوياً أم غير ذلك.

والذي يهمني الإشارة إليه هنا.. مسألة نوعية التمحور في الخطاب باعتبارها جزء مهماً وأساسياً في المنهجية المتكاملة لأي خطاب نوعي مهما كانت أهدافه وغاياته فمثلاً إذا وقفنا على المرجعية التاريخية لوصفية الخطاب والسياسي والحزبي المنسرد في عقولنا لفترة قريبة ماضية سنجده يتمحور دائماً في تمجيد الذات وإظهار التجرد من أي انفلاتات أو أخطاء أو شائبات وإلقاءها فوراً على الآخر، سواء كان ذلك الآخر موجوداً أم غير موجود حياً أم ميتاً، المعيار فقط حالة التأثير المصاحبة التي يمكن أن نسميها هنا (اسطوانة الخبر) باعتبارها وسيلة الإقناع الفاعلة للمتلقي.

وحتى لا أشتت فكر القارئ الكريم بالمفاهيم النظرية والقاعدية في سلوكية ومحورية الخطاب العام.. أوضح بعض الشروحات والأدلة الواقعية ومنها ما كان يتبعه النظام السابق ـ دائماً ـ في صنع سلوكية الخطاب الإعلامي والسياسي وجعله خطاباً تقليدياً رتيباً طوال ثلاثة وثلاثون عاماً فبالرغم من كل المتغيرات والاحداثات المتسارعة والتطورات المتنامية في مختلف الشعوب والمجتمعات ظل النظام يحدثنا عن مخلفات الإمامة (الجهل، الفقر، المرض) ويحاول إقناعنا بأنها سبب رئيس لما نحن فيه من حالة التخلف والتراجع القهقري، حتى وإن كنا نعيش أيام القرن الحادي والعشرين.. ويا للعجب! اسطوانة لو بقي النظام لبقيت معه إلى يوم الدين..!!.

إن هذا الانجرار المخيف الذي كان يتبعه النظام السابق في تسويق خطاباته الإعلامية والسياسية مثل ـ باعتياديته المفرطة ـ منظومة خطيرة في لغة الخطاب العام لدى الدولة في عهده وأصبح أحجية تلقى في كل المواقف والأحداث والمناسبات الوطنية والثقافية والسياسية والاقتصادية وغيره، وبالتأكيد فإن النصيب الأكبر كان في حمى الخطاب السياسي الذي تمحور سلباً لمواجهة الخصوم وتفريق الناس وتشتيت القبل واجتذاب الفرق والطوائف وإغرائها ببعض وخلق أجواء المشاحنات، وإيجاد وسائل التقرير والاستقطاب.. وهلم جرا... من التداعيات وإمكانيات نفوذ السلطة عبر خطاب تحريضي وعدائي مفبرك ومتمحور بكل أشكال وأوجه السلبية المتعددة.

ويبدوا أن من صنعوا وأسسوا لوجود مثل ذلك الخطاب المنحرف كانوا يدركون تماماً مقدرتهم على النفوذية في الوسط المجتمعي للشعب اليمني الذي ما تزال نسبة الأمية فيه تفوق 80% وربما أكثر وكانوا أيضاً على عدة من أمرهم فاستخدموا التبعية والشللية والمناطقية ومارسوا سياسية التجهيل والتجويع وسياسة القمع والتخويف وغيرها.

ويمكننا القول أنهم وبعد كل ذلك استطاعوا أن يعيشوا بزيفهم ومغالطاتهم وكذبهم لزمن محدود حتى وصولوا ـ بالطبع ـ إلى طريق مسدود وذلك بعد أن تجاوزهم الزمن المتسارع من حولهم، وبعد أن أصبح من الصعب عليهم أن يحجبوا عين الشمس بـ:(منخل) كما يقال في المثل الشعبي، فانكشف الغطاء وظهر قعر الإناء وصار العالم كله يرقب ويسمع والشعب كله يعي ويفهم..!!

ما أريد قوله إذاً أنه وبعد هذا النتاج الفعلي الشبابي والزخم الثوري السلمي الذي ولد أمامنا عهداً جديداً ينعم بعظيم الحرية ونعيم الكلمة وحسن الإرادة، وأعاد لنا ثقتنا بمحتوى ومضامين التعددية والديمقراطية التي كانت قد أفرغت من محتواها ومضامينها سابقاً.. هو أن نكون قادرين على فهم هذه المتغيرات وأن نعلم أن الشعب ثار ـ أصلاً ـ من أجلها ولأجلها ولا يمكنه أن يتنازل عنها بأي حال من الأحوال.

ومن هذا المنطلق يجب على كافة القوى وفئات الشعب وخصوصاً قوى المعارضة ممثلة بحزب الإصلاح واللقاء المشترك اللا يتبادلوا الأدوار مع النظام السابق، وأقصد هنا تمحور الخطابي الإعلامي والسياسي فقط، باعتباره موضوع حديثي في مقالتي هذه.. فالملاحظ أن السيناريو يتكرر وأن الأسطوانة قد أخذت تدور في محيطها لتغيب وجهاً ولتكشف عن وجه آخر فقط، وكأننا قد ورثنا السلوك نفسه وأصبحنا نحن اللاعبون اليوم، مما يعني حماقة وخطأ كارثياً لن يرحمنا الشعب عليه وقد تكون له تبعاته السلبية المتعددة.

ولمزيد من الإفصاح والوضوح للغة القراءة التي أكتب بها أقول: (بأن تمحور الخطاب في الميزان العدلي) يقتضي أن يكون تمحوراً إيجابياً يكشف عن عدالة ومصداقية في التوجه والسير نحو الأمام وفي مراد التغيير الحقيقي الذي يصبوا إليه كل فرد من أفراد الشعب اليمني، تمحوراً خطابياً ينشد واقع التغيير ويتوق للتوحد والتطوير ويتسامى عن كل المناكفات والأحقاد والضغائن، خطاب يجلوه المنطق ويكتسب الصدق وتعلوه الهمة والإرادة ولا يطمح أبداً للكيد والتسويق والتظليل.. فالشعب في الأخير يظل هو الثائر وهو الشاهد وهو المراقب.. وسيكون له ـ دون شك ـ في كل جديد ومحدث رأي..!!؟

وإذا كان توازن الخطاب السياسي يستدعي تنقيحه وتهذيبه والاعتدال فيه فإن نجاح المرحلة التوافقية الحالية وما أحدثته من خطوات ونقلات نوعية إيجابية مشهودة كانت آخرها قرارات رئيس الجمهورية عبدربه هادي بإعادة هيكلة الجيش.. تقتضي فهم حوارية الخطاب المتماشي مع تلك الإنجازات العظيمة والعملاقة، وضرورة تمحور الخطاب الحزبي والسياسي بما يخدم أهداف المرحلة القادمة، ويؤسس لاستقرارها وتثبيت دعائمها.

بمعنى آخر فإن شحذ الخطاب الآني ـ في هذه الأيام ـ سواء كان إعلامياً أو منبرياً أو حزبياً أو سياسياً، وتمحوره في الشخصنة لمخرجات الواقع التغيري واستجلاب روح العدائية فيه ضد أشخاص أو أفراد هو أمر خطأ وتمحور سلبي في لغة الحوار ولفظ الخطاب.. وهو استفزاز صارخ للآخر الذي أصبح طيعاً ومنصاعاً لقرارات رئيس الجمهورية فبالله عليكم قولوا لي هل المهم في توحيد الجيش هو: (توحيد الحرس والفرقة الأولى والقوات البحرية والجوية) أم المهم توجيه سهام الألسن على قيادات تلك المحاور بمختلف الألفاظ والتهجمات رغم انصياعهم.. أليس ذلك السلوك الخطابي يُعد تنفيراً وتحريضاً واستفزازاً صارخاً لسنا بحاجة إليه الآن..!! أنا أتساءل فقط وتبقى الإجابة كاملة في منهجية الخطاب وتمحوره في الميزان العدلي وفي متطلبات ودعاوي المرحلة القادمة.