الجمعة ، ٢٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:٣٨ مساءً

قراءة في نقش الدم بسفر مسيرة الحياة !

انغام السامعي
الخميس ، ٢٧ ديسمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٣:٤٠ مساءً
حملوا رماد وأرواح قتلاهم أنات جرحاهم، أحلامهم بالكرامة للإنسان والعزة لليمن، ، ، وهم يمضون في مسيرتهم من تعز إلى صنعاء، يرددون هتافات الثورة، ويرتلون “ وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ، وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ، وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ، قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ، النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ، إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ، وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ، وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ”.

ومع حركتهم توقفت عقارب الزمن وأنفاس المراقبين في كل خطوة ثابتة متحركة على درب الثورة السلمية، تحملها نبضات القادمين في مسيرة الحياة المنطلقة من تعز إلى صنعاء وفي كل مهجة وفاء لليمن ولشهدائه عبر الأجيال، تحدوهم عزائم فولاذية بالوصول إلى أهداف الثورة بالحداثة والمدنية ودولة المواطنة المتساوية, وإعلان ذلك على الملأ في رسالة تلخص خلاصة أحلام الشعب بالحرية والعدالة والمساواة والكرامة التي اختطفها بجملتها طواغيت الظلم والتسلط والاستفراد، منذ استفردت القيادات والنخب الأنانية بحكم اليمن، وصادرت منحة الله للإنسان بالكرامة والأمانة والروح والعقل، فشكلت مسيرة الحياة رمزية ملائكية اختطت ملامحها الأيقونية: رموش الغيد السبئيات دموع الثكلى والأرامل، جراحات الورد الدافقة بنخب الحرية ، ، وهامات الشموخ القادمة وأنوف الشمم للشبيبة الباسمة للموت، حيث كانت وجهتهم الإلتحام بكواكب التغيير بساحة صنعاء لتأكيد أهداف الثورة في إسقاط النظام بجميع مكوناته البالية، ولبناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة. لقد سطر الشبباب في تلك المسيرة ملحمية بلغت ذروتها، بعد تشقق الأقدام وجفوة النوم وقسوة ليال الشتاء القارسة واعتصارات الجوع ، واغتيال البراعم الواعدة بنهم رصاص عصابات الذئاب المسعورة ، وحقدها على براعم الفجر القادم بالمدنية. فتهيأت صنعاء بجميع أطيافها لاستقبال كتائب المسيرة الراجلة، وكل يقصد مبتغاه: نظام مذعور نصب قناصته للقتل والترويع، شريك موتور لم يخلص مشورته، وساق هديه وقربانه لجيش يزيد،، ورفيق أنهكه العوز والعجز فوفر أوراقه، وحليف وشقيق أدرك غاياته، وصديق مغرور كذب دعواته بالحرية، وحشود الشعب المتدفقة ل(ثنيات الوداع)، لتستقبل وتودع ورود الفجر، قبل أن تشع بسماته.

فارتفعت سحائب عبق الخزاما لتكلل هامات الوطن، وسقطت أشباح الحقد الهمجي، في قرار أوحال الجحيم. فها هي تقرأ الأجيال في سفر مسيرة الحياة المكتوب بمداد عبير الاقحوان آيات الحب للمنان وللبلدة الطيبة التي تهب منها أنفاس الرحمن، ، الذي بارك إرادة الشعب الرافض للظلم والاسترقاق واسترخاص النفس في سبيل العزة التي جسدتها رمزيات المسيرة (عبدالناصر، ملاح المستقبل)، (نشوان) الطلائع المدنية المبشرة ببزوغ الفجر الذي حجبته سحب دخان القنابل والمدافع وغليان الدماء المتخثرة في شرايين الأفئدة وفي كوات الجراحات الغائرة لضحايا الثورة. فقد اجتمع غدر الشركاء والأعداء ومن آزر حلفهم من المدعين بمناصرة الحرية والسلام ومحاربي الإرهاب، الذين يساومون بجميع نفائس القيم الإنسانية. إزاء هذه الملحمة التاريخية، لهذه الإرادات الثورية المُؤثِرة ، تتفرد مسيرة الحياة عن غيرها من أنواع التجارب الإنسانية : مسيرة الفتح لمكة، التي لم تتخل عن السلاح ، وهي تدرك غدر الأعداء، والمسيرة الماوية الكبرى إلى بكينج التي قال روادها بالعنف الثوري المنظم ، ، بينما تميزت مسيرة الحياة من تعز إلى صنعاء بسلمية الطابع وبإيثار التضحية بالنفس على مواجهة القتل بالقتل. فكانت دراماتيكية استشهاد البو زيدي في تونس وخالد سعيد في مصر، وتمثُل تجارب المقاومة السلمية في فلسطين فالمحافظات الجنوبية والثورات السلمية العالمية التي استحضارها الشباب لضرورة اللحظة التاريخية التي كان لشباب تعز قصب السبق في رسم أحداثها ، في الحشد والتضحيات. مما عاظم الشعور بالمسؤولية تجاه الثورة ، وضاعف المخاوف لدى الشباب بإضاعة التضحيات التي قدمها الشعب وفي طليعتهم شبيبة تعز الحالمة، في مختلف ساحات الثورة وتعاظم وعي الشباب بأهمية أن تتحقق الانجازات الثورية بقدر الثمن الباهظ الذي قدمه الشعب وطلائعه الشبابية مقابل ما تم التوصل إليه في المبادرة الخليجية من التوافق على تشكيل حكومة وفاق تسمح للنظام الذي مارس القتل والقمع ضد الشباب باقتسام الحكومة ومن ثم استمراره دون عزله من الحياة السياسية ومنحه الحصانة بل والدخول معه في تصالح وطني، وبذلك ساوت المبادرة بين الجلاد والضحية ، القاتل والقتيل، وغضت الطرف عن جرائمه في ساحات الحرية والتغيير في تعز وصنعاء وعدن والساحات الأخرى، وسمحت له بالمشاركة في الحوار الوطني وهو المتسبب الأول في خلق مشكلات صعدة ومظالم الحراك وفي نهب ثروات البلاد.

فاكتملت بذلك كافة الأسباب المنطقية للقيام بمسيرة الحياة لتدارك الانزلاق بالثورة إلى مهاوي الخسارة القاتلة ولإنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد توقيع الشركاء الملتحقين بالثورة لوثيقة المبادرة، وبالتوافق على المناصفة في الحكومة الانتقالية بين المختصمين، دون معالجة محايدة، كضرورة تشكيل حكومة كفاءات مستقلة يتحقق لها الإدارة الفاعلة للجهاز الحكومي، دون مكايدات ومحاصصة للوظيفة العامة، ودون إعادة إنتاج الأزمات وإعاقة معالجات المشكلات القائمة في المرحلة الانتقالية. وتخضع قراءة (نقش الدم) أولا، لنزعة تفرضها حالة التماهي مع الأحلام والأهداف الثورية وحماسة التطلع للانتصار لعشرات ملايين الحالمين بالانعتاق من أغلال الظلم والاسترقاق الحاجي والعاطفي الذي مارسته نخب الوصاية والتسلط عبر التاريخ الاجتماعي اليمني الطويل، منذ عهود الأقيال والتبابعة، والسلاطين والملوك والأئمة ومشايخ الغنائم وفتن المذاهب المدلهمة، وقيادات الأحزاب الطوطمية. فجميعهم استمرأوا التضحية بأرواح العامة وفي قولبة عقولهم وتعويم قيمهم الإخلاقية، للزج بهم في مختلف صراعاتهم المدمرة من أجل الغزو والتسلط والهيمنة، فرغم ما أحدثته ثورات سبتمبر وأكتوبر من تغييرات سياسية واجتماعية، فإنها لم تستطع تصميم قوالب حديثة ومعاصرة لأدوات تشكيل البنية العقلية وإنتاج الفكر الابداعي والابتكاري، والنقدي والأخلاقي والوجداني. لذلك لم يكن بإمكان القيادات النخبوية بناء العقل للقيام بوظائف جديدة تؤدي إلى إنشاء بُنى فكرية وثقافية واجتماعية وسياسية تسمح بظهور أشكال أخرى مختلفة من النظم الثقافية والسياسية والاجتماعية إجمالاً، فما حدث لا يخرج عن اعتباره شكلا من عمليات إعادة القيمنة الثقافية والشرعنة السياسية والإحلال النخبوي والمرونة البنيوية في مستوى الحراك الاجتماعي والتدوير الوظيفي، فالتحولات الاقتصادية لم تكن جذرية ولم تحدث بسبب إقامة قواعد الصناعة وإنما بسبب الاختراق الرأسمالي للسوق المحلية ونشوء شريحة تجارية ، من الوكلاء التجاريين والمقاوليين إضافة إلى تطور حتمي لوظائف أجهزة الدولة التسلطية الأمنية والعسكرية والإدارية. وكذلك لم يكن ظهور القيم الثقافية سوى تمظهرات شكلانية للحداثة، حيث ظلت الروح المهيمنة على السلوك تعكس التسلطية والأبوانية والنظرة الأحادية الشمولية للوقائع والأحداث ومسبباتها. وجاءت مؤسسات المجتمع امتدادا موسعا للبنية الاجتماعية والسياسية، فلم تكن البيروقراطية النشئة إلا امتدادا لقواعد الإمارة والحجابة والكتابة ولمشيئة أمراء الجند والشرطة والجباة. فالوزراء والرؤساء ومشايخ القبيلة والدين وأمناء الأحزاب وقياداتها ما زالت تعمل وفقا للولاء الشخصي والطاعة العمياء وبعقلية الراعي تجاه أفراد قطيعه. فهو وحده يدرك احتياجاتها وما يصلح شأن حياتها الدنيوية والدينية ، ومقتضيات اتباعه تستوجب السمع والطاعة لضمان تحقيق غاياتها في المتعة.

حيث ظلت مرجعيات عصبويات الاستقواء القبلية والمذهبية منذ الثورة والاستقلال هي الموجهة للفاعلين الاجتماعيين في الحياة ، السياسية وتحديدا في أوساط أبناء تلك العصبويات النافذة ، المهيمنة في جنوب الوطن وفي شماله. حيث استطاعت العصبويات المناطقية لشبوة ولأبين والضالع وردفان ويافع وعلى التوالي بتداول أو بشراكة السيطرة في الشطر الجنوبي،. وتمكنت حاشد ومن حالفها في المحافظات الشمالية من الاحتفاظ لنفسها بمقاليد السيطرة إلى الوقت الحاضر. بينما انفردت عدن وتعز وإب وحضرموت جراء أوضاعها البيئية والثقافية بامتلاك عوامل القوة الاقتصادية والثقافية والإدارية. واستطاعت تعز بفعل نمو نسبة التعليم في أوساط أبنائها منذ وقت مبكر ونموها الديموغرافي وتوسط موقعها الجغرافي وانتشار أبنائها في معظم المحافظات كقوة عمل نشطة، وانغماسهم في الحركات السياسية وتعرضهم لقدر ملحوظ من التهميش في صناعة القرار السياسي وتعرضهم لشبه الإقصاء من مراكز القيادات العسكرية والأمنية، أن تتميز المحافظة بامتلاكها وعيا وطنيا وثوريا يتضح بمحورية تعلقهم بمفاهيم الولاء للوطن وتوقهم لسيادة قيم الحرية والعدالة والمساواة والكرامة الإنسانية والنزوع للحياة في ظل دولة مدنية وسيادة القانون. لذلك شكلوا أكثر المواطنين انتماءا للأحزاب القومية والاشتراكية والإسلامية وأقلهم تطرفا وعنفا والأضعف تحشدا للعصبويات القبلية والمناطقية. بهذا يكونون في طلائع المناصرين للدعوات الثورية والأحزاب السياسية ، فيتهمهم الآخرون بالمزايدة الأيدلوجية، ويظهرون في مواقعهم الإدارية، الأكثر حرفية وتشددا في الالتزام بالقوانين الإدارية وفي ظل نزعات الاستقواء السائدة، تجد بعضهم ينزعون إلى التمحور حول قيادات سياسية وإدارية توفر لهم الحماية، من هنا تتبين طبيعة المحددات القيمية التي وجهت وتوجه سلوكيات أبناء الحالمة. فهم يحلمون بوطن لا تجزئه الحدود السياسية والاجتماعية والثقافية والمذهبية، وحرية لا تكبحها قوانين القوة وحواجز الحقد الشفيني. أنهم يحبون الوطن بإيثار لا يقبل الشح، ويتطلعون لبناء مجده بدافع الانتماء الوجداني والنفعي، فليس لهم من خيار إلا أن يكونوا دعاة عزة الوطن وسؤدده، ومشيدو أركان بنيانه وعمرانه، لذلك شكلت عوامل الواقع الجغرافي مشاعر الغبن والتهميش التاريخي، وإملاءت الأحلام الوطنية وبزوغ تباشير انتصار القلب على الحرب والسلام على الحِماموعزائم الإرادة على رصاص وقذائف الإبادة، العناصر المحركة والوقود الدافع لمسيرة الحياة المنطلقة من أرض الجند، غاياتها حماية الثورة التي استرخصت من أجلها التضحيات، وإذكاء شعلتها التي أوشكت العواصف على إخمادها وصيانة أحلامهم في بناء دولة المستقبل التي كادت توأد والوفاء لشهدائها ولجرحاها الذين أنكرت نفائس عطاءاتهم نخب الساسة والوسطاء وحملة حقائب حكومة الوفاق الوطني، التي طرقت خزائن المانحين قبل استعادة الأموال المنهوبة وشرعت لاستحقاقات السماسرة ووزراءها قبل أن تقبل بدفع فواتير علاج الجرحى وتوزعت كعكة الفوز في السباق الخاسر وهي لم تضع قدما على مضمار الثورة.

ثانيا بالنظر إلى حقائق الواقع الاجتماعي ومرتكزات القوة المهيمنة على مجمل التفاعلات السياسية ومسرح الأحداث في اليمن منذ 11 فبراير وحتى انطلاقة مسيرة الحياة، ، فإن ما تبرزه الصورة المشهدية للتضاريس الصراعية في المجتمع تتضح في انتشار بؤر متوترة وملتهبة في معظم المحافظات الجنوبية وفي بعض المحافظات الشمالية ومنها صعدة والجوف وعمران ومأرب، احتقانات سياسية لقوى النخب الحاكمة للنظام وللمعارضة، تجمعها الرغبة في تضييق مساحة خلافاتها وترميم النظام السياسي، وتختلف في مدى الإصلاحات التي تتوخى تحقيقها، فجميعها كانت تتحرك في دائرة ممكنات المناورة وممارسة الضغوط والدخول في معتادات المساومة والإرضاءات دون التوصل لحلول نهائية لمشكلات البلاد . ففي صعدة فقدت الدولة سيادتها على المحافظة، بعد خسارتها لست حروب أسفرت عن ظهور دعوة سياسية مذهبية استطاعت التمدد بفعل الاختلالات الأمنية، ثم لاختلالات التحالفات الثورية، إبان الثورة جراء الهيمنة الإصلاحية الاستقوائية وتحالفاتها التقليدية بوصايتها على ساحات الثورة، ، واستثمار أوضاع التوتر في ساحات التغيير والحرية لصالح نمو النفوذ الحوثي خارج مناطق النفوذ المذهبي التقليدي الذي تعرض بدوره للتقلص بسبب الزحف الوهابي. إضافة إلى ذلك تنامت قوة الحراك الجنوبي في معظم المحافظات الجنوبية واختلطت فعاليته بعمليات مسلحة وبإشاعة ثقافة معادية للمشتركات الاجتماعية والوطنية. وارتفعت وتيرة عمليات العنف الذي تمارسه مجاميع القاعدة ضد رموز الدولة وتداخلت عملياتها مع الانشطة الحراكية\ في مناطق لحج وأبين وشبوة وحضرموت. وفي هذا السياق المتفجر للأوضاع، وانسدادات طرق الحلول السياسية بين كل هذه المكونات، جاءت الثورة السلمية الشبابية، عاصفة مدوية وزلزالية وعلى حين غرة، فاجأت النظام وانتزعت منه ومن جميع خصومه، عناصر المبادرة والتأثير ، في المشهد السياسي، حين استطاعت الثورة استيعاب جميع قوى المعارضة وغالبية القوة الشعبية الصامتة والمستقلة، إلى حين انتقلت قوى التسلط التقليدية إلى دور الوصاية والاستحواذ على ساحات الثورة. فاتجهت إلى فرز شبابها في الساحات، وتحكمت عبر تشكيلاتها الممولة المنظمة بمسارات الثورة وتطويقها، بحجة سعيها لكبح محاولات النظام وعصاباته المسلحة والاستخبارية والدعائية، للقضاء على الثورة السلمية وتحويلها إلى أزمة سياسية تسببت المعارضة في حدوثها.

لقد نجح النظام الحاكم، في جر قوى الثورة في الساحات والقوى السياسية المعارضة ومن ساندهم من القوة العسكرية ، من مربع إلى آخر في دأبه المستمر منذ الأيام الأولى للثورة، على إضعاف الثورة وتصفيتها وإرباك قواها عبر وسائل متعددة: تطويقها ومحاصرتها، اختراقاتها، الاستخبارية والدعائية، تحديد اتجاهات فعالياتها ومسيرتها واتباع سياسة ممنهجة في القتل والاختطاف والهجمات المباغتة على ساحات الاعتصام، إضافة إلى طرح المبادرات وشراء مزيد من الوقت لإنهاك قوى الثورة وامتصاص عنفوانها وحماسة شبابها وتقويض إرادة التضحية لدى قوة الثورة، وما صاحب ذلك من افتعال للأزمات المتعددة للمواطنين بوصفهم الظهير المساند للثورة. وتمكن النظام السابق من خلال المبادرة الخليجية وآلياتها المزمنة أن يضمن له ولمكوناته مزيداً من الوقت للتخندق خلف ترسانة العتاد والعدة وأرصدة الأموال العامة المنهوبة وامبراطوريته الإعلامية التي أسسها. فبينما عانت حركة الثورة الشبابية من عوامل الضعف المتمثلة في شح زاد الرحلة إلى المدنية، غياب الرؤية المسارية وواقع التربص بالثورة الشبابية، من قبل منظومة الحكم، والطامحين في تبوؤ دفاته، من كل مكمن، كانت الأطراف المتسلطة الأكثرين قدرة على التنظيم والتمويل والتسلح والتآمر والأكثر قدرة على التحالفات الأجنبية وتأمين المساندة الإعلامية واستثمار التضحيات، فهم الفائزون بالمغانم وعلى طرفي الاستنفار للمنازلة والمغالبة. فلقد نجح طرفا النظام الاجتماعي والسياسي، في تضليل الرؤية الشبابية وفي تشتيت الجهود الشبابية وفي تطويق الحركة الثورية . فقد إلتحقت بصفوف الثورة اطياف متباينة الأهداف والتطلعات، وافتقر الشباب لوحدة القيادة الرأسية ومقتضيات شروط وحدة اليقظة الثورية، وإخضاعهم للوصاية الإدارية والاستراتيجية. فجاءت مسيرة الحياة خلاصة وطنية تعبر عن عمق الرفض وعن صدق الضمير الشعبي، في حين استحوذت على ساحة التغيير بصنعاء عقليات الحسابات المصلحية، السياسية والعسكرية وما اتصل بها من الارتباطات المالية والتاريخية والمذهبية، فكل الأطراف لا تقبل بوجود قوة جديدة تعبر عن النقاء الثوري ولا تقبل بانتصاره. فجميع قوى التحالفات السياسية مشدودون إلى أغلال الماضي، وإلى ما أنتجته زعاماتهم من ذهنيات تآمرية وكيدية وريبية، لا تثق بالجديد ولا بالمستقبل فهم يتحركون وفقاً لإملاءات القواعد السجالية لحروب البسوس وعبس وذبيان. في حين هيمنت على سلوكيات الشباب العفوية والارتجالية والبراءة الثورية ومثالية الاهداف التحررية. فأنى للشباب بفتيانهم وفتياتهم، المفئودين بضياع تضحياتهم وتضحيات شهدائهم وبإعاقات جرحاهم، أن يرفضوا العودة بالبلاد إلى أكناف الطاغوتية التاريخية لحكم الأئمة والسلاطين والأباطرة الجدد والأمراء في ظل غياب حركة شبابية شعبية تعمل على الدفع لبناء الدولة المدنية. فعلى شباب تعز الاصرار على عدم القبول بأقل من دولة مدنية إتحادية لوطن واحد، تتساوى فيها جميع المحافظات وجميع المواطنين، ودون ذلك ثورة دائمة.