الجمعة ، ٢٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١١:٢٤ مساءً

ألاحتفال بالمولد النبوي (بين إفراط في الغلو- وتفريط في الالتزام)

يحي محمد القحطاني
السبت ، ٢٦ يناير ٢٠١٣ الساعة ٠٥:٤٠ مساءً
ألاحتفال بالمولد النبوي (بين إفراط في الغلو- وتفريط في الالتزام)- م / يحي القحطاني
تعيش الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها،هذه ألأيام من شهر ربيع ألأول من عام 1434هجرية أجواء الاحتفال بمولد أفضل وأشرف الرسل والأنبياء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم،وهي مناسبة دينية وتاريخية عظيمة،تعيد لهذه الأمة مجدها وتاريخها الحافل،وعطاءها الحضاري المتجدد،وقد جاء الاحتفال بالمولد النبوي الشريف هذا العام وسط زخم كبير من الأحداث على الصعيدين العربي والدولي،وعلى المسلمين جميعهم أن يجتهدوا في إحياء هذه الذكرى العطرة،لمولد رسول الله صلى الله عليه وسلم،والذي ترك أثرا طيبا في الأمة الإسلامية فهو الذي هدانا وأخرجنا من الظلمات إلى النور،وكان ميلاده أهم حدث في تاريخ البشرية على الإطلاق منذ أن خلق الله الكون،وإذا كنا نؤكد على الدعوة إلى الاحتفال بالمولد النبوي الشريف،عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم،فإن أحدا لا يمكنه أن ينكر مدى حاجاتنا الماسة في أيامنا الحالية إلى التحلي بأخلاق الرسول الكريم وافتقادنا إلى قائد عظيم مثله نعرض عليه أمور ديننا ودنيانا لينصحنا ويهدينا ويدعو لنا أن يفرج عنا كروب حياتنا،ويخفف عن أمته المسلمة همومها التي باتت غارقة فيها،خصوصا في هذا الظرف من تاريخ أمتنا،ويميل أكثر العلماء إلى شرعية الاحتفال بالمولد النبوي،وأن يكون احتفالنا في مستوى صاحب الذكرى عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم،في تمثل الأخلاق الفاضلة،والمعاملة الحسنة، والقدوة الطيبة،والسلوك الحميد،ووجوب إحياء هذه الذكرى بالذكر والعبادة،والاقتداء به وإحياء سننه،والسير على نهجه وشرعته صلى الله عليه وسلم.

فنحن اليوم في اشد وأمس الحاجة للاحتفال بذكرى ميلاد رسولنا ونبينا الكريم بعد أن استباح اليهود والصليبيين وعناصر القاعدة ألإرهابية من القتل الجماعي للجيش والأمن والمواطنين،بواسطة ألأحزمة الناسفة أو السيارات المفخخة،وعاثوا فسادا في بلاد المسلمين،ألأمر الذي شجع بعض الحاقدين على ألإسلام والمسلمين،بأن يقوموا بنشر الرسوم ألكاريكاتورية والأفلام التلفزيونية والسينمائية والتي تسيء إلى رسولنا الكريم،ولا نرى أحدا ممن يسمون أنفسهم علماء ينكرون تلك الممارسات ضد الشعوب الإسلامية وإهانة مقدساتهم ورموزهم الدينية مثلما نسمعهم يصيحون ويصرخون ويكفرون من يحتفل بذكرى ميلاد الرسول الكريم،وبدلاً من أن تكون مناسبة لشكر الله على ولادة من أرسله هادياً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بأمره وسراجاً منيراً،فإذا بها مناسبة لتجدد الحرب الكلامية الشعواء بين أنصار الاحتفال،والرافض لتخصيص هذا اليوم بأي احتفال أو تميز من أي نوع،واعتبار ذلك خطأ فادحاً وذنباً عظيماً تخصص له خطب الجمع المتتالية للتحذير منه،في حين لا تنال كبار الذنوب ومشكلات المجتمع المستعصية التي لا جدال فيها أي اهتمام،فأي عيب في أن يعرف المسلمون وغير المسلمون جوانب مشرقة من سيرته ومن حياته وشمائله وخصائص نبوته؟وأي عيب في أن تخصص دروس ومحاضرات ولقاءات علمية مكثفة حول هذه المناسبة الدينية العظيمة،التي يحاربها بعض المنتسبين إلى العلم تحت طائلة الابتداع،فالمسلمون اليوم في شتى بقاع الأرض بحاجة ماسة أكثر من أي وقت مضى للعودة إلى لواء الرسول الكريم،وان تعود إليها أمجادها التي قاتل صلى الله عليه وسلم من أجلها وقدم إليها رجالا من صحابته إذا وزنت أعمال أحدهم سوف ترجح كفته ولو وضعت أعمال الأمة كلها اليوم في مقابلها فأين نحن الآن من هؤلاء؟وأين نحن الآن من هذا الزمان»؟!.

فهاهو الكاتب والمؤلف ألأمريكي(مايكل هارت) والذي يصفه الغربيون بأنة من عباقرة هذا الزمان قد أصدر كتابا تحت عنوان (العظماء المائة الأكثر تأثيرا في العالم)والذي وضع أسم نبينا محمد علية أفضل الصلاة والتسليم رقم(1) متقدما على النبي عيسى علية السلام والذي جاء بالمرتبة (3)و النبي موسى علية السلام والذي جاء بالمرتبة (15) فقد قال الكاتب أن سبب اختيار النبي محمد ليتصدر قائمة(أشد الناس تأثيرا في التاريخ) لكونه الرجل الوحيد في التاريخ الذي حقق نجاحا ساحقا في الوجهين الديني والدنيوي،وأتى محمد بأحد أديان العالم العظيمة،وأظهر هذا الدين للعالم و عرّف به،و أضحى محمد قائداً سياسياً ذو تأثيرٍ طاغٍ،واليوم بعد مرور 14 قرناً على وفاته،لا زال تأثيره قوياً و منتشراً ككل الأديان،وأن الإسلام يمتلك تأثيراً طاغياً على أتباعه،ومن الممكن القول أن التأثير النسبي لمحمد على الإسلام كان أكبر من تأثير عيسى و تأثير بولس على النصرانية مجتمعيَن،أما على الوجه الديني البحت،فالمحتمل أن تأثير محمد في التاريخ كان كتأثير عيسى،إضافة إلى ما سبق،فإن محمداً لم يكن قائداً دينياً فحسب (مثل عيسى)،بل كان أيضاً قائداً في شؤون الدنيا،و نظراً إلى أن محمد هو القوة الدافعة وراء الفتوحات العربية، فإنه يمكن تصنيف محمد ليس كأشد الناس تأثيراً في التاريخ فحسب،بل أيضاً كأشد القادة السياسيين تأثيراً في التاريخ،فالفتوحات العربية في القرن السابع لا زالت تلعب دوراً فعّالاً و مؤثراً في التاريخ البشري،إلى يومنا هذا،وإن هذا الجمع بين التأثير الديني والتأثير الدنيوي هو الذي يجعلني أشعر أن محمداً يستحق أن يُعتبر أعظم الأفراد تأثيراً في التاريخ.

إن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف لا يدخل في الحديث النبوي الصحيح:" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" بل هو مجرد احتفال،الغرض منه ربط الأمة الإسلامية بنبيها عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم،فمولد الرسول هو استنشاقه عطرة من زمن انتصارات ورفعة للمسلمين ودعوة أمل أن يعيد الله إلى هذه الأمة وحدتها وأن تلتف ثانية حول لواء واحد ودين واحد وكجسد عربي وإسلامي واحد،واعتبار العولمة مع الشعوب عالمية إنسانية،وعولمة رحمة«فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر» هي الإنسانية، والعفو، والاستغفار،وهي الشورى وليس التسلط، ولا يمكن لشخص أن يجمع هذه الصفات، إلا إذا تمتع بالخلق العظيم،ومن هنا كانت شهادة ليس بعدها شهادة «وإنك لعلى خلق عظيم»، جمع الرسول في صفاته بين بشرية الإنسان وعظمة القائد،وأمانة الرسول المبلغ «اللهم هل بلغت،اللهم فاشهد»،ودانت له القلوب، وخضعت له الأصحاب،وأحبته حباً تقدم على المال والأهل والولد،ومع ذلك لم يفتن في كل هذا بل كان لهم جميعاً أسبق إلى أنفسهم من أنفسهم،وأرحم بهم منهم،«لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتّم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم»ومع نبوته وتأييد الله الوحي له،وانضباطية من حوله، كان يراعي السنن الكونية، في الحرب والسلم،في العلاقة مع الأصدقاء،والحروب على الأعداء،كان يطبق تماماً مبدأ «الإعداد» «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة»ومبدأ الاعتماد«فإذا عزمت فتوكل على الله»كان يؤمن أن فكرة الدولة لا بد لها من دولة الفكرة،وإذن لا بد لها من محضن وأنصار.

فكانت الهجرة النبوية،وكان دستور المدينة المكتوب،وكان الدفاع عن الحق بالقوة،إذ أن الحق لا بد له من أسنان تحميه،والفكرة لا بد أن يأتي يوم تحتاج إلى مدافعة وإلا فسدت الأرض«ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض»«ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدّمت صوامع وبيع ومساجد يذكر اسم الله فيها كثيراً»ولم يكن الذين يخالفونه في الرأي إلا بشراً يخطئون ويقبل مخالفتهم،ويحاججهم بالحوار«وجادلهم بالتي هي أحسن»،ويوصي بهم خيرا«أوصيكم بأهل الذمة خيراً»ويقوم لجنازة يهودي فيقال يا رسول الله إنه يهودي فيقول:«أوليست نفس بشرية»يا رسول الله في ذكرى مولدك اليوم نلتفت يمينا وشمالا،فلا نرى إلا أعداء تكالبوا وخطوباً تدفعها خطوب،وأبناؤك وأتباعك وأحبابك يقفون عند مشارف عظمتك،ومنهجك،كل يحاول من طرفه أن ينسج خيطاً،وما دروا أن الخيوط إذا لم يكتمل نسيجها لن تصنع ثوباً،وإن الحب إذا لم يكن عارماً،لن يترك أثراً،وأن الحق إذا كان وحيداً لن يقف أمام حق القوة،وأن الظالم إذا لم يقاوم فمرتعه وخيم،وأن الفساد إذا لم يحاصر سيكون سرطاناً لا يمكن مقاومته،لقد أصبح جزءاً من الفهم أن منهجك إرهاب،وخيرك قنوات فضائية أو صحف تدعم الإرهاب،وضاعت المفاهيم بين إفراط في الغلو، وتفريط في الالتزام،بين تقاليد راكدة تعيق الحركة،وتقاليد وافدة تصد عن المنهج،ومع كل هذا تبقى يا سيدي يا رسول الله،نبع مسيرة النهر المستمرة،وعنوان الحب إذا ضاقت مساحة الحب،وشذى الوفاء إذا عز الوفاء،ورمز التضحية إذا قل الفداء ويبقى أتباعك من أمتك والإنسانية يهتدون بهديك إلى يوم الدين.والله من وراء القصد والسبيل.