السبت ، ٢٧ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٢٦ صباحاً

من قتل الشيخ البوطي

جمال سلطان
الأحد ، ٢٤ مارس ٢٠١٣ الساعة ٠٢:٥٤ مساءً
واقعة اغتيال الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي أحد أبرز علماء سوريا الموالين للنظام البعثي في أحد مساجد دمشق شديدة الغموض وتطرح تساؤلات عديدة بلا إجابة عن الجهة التي تقف وراء هذا التفجير وذلك الاغتيال، ومن المستحيل أن تتوصل إلى أدلة حاسمة على الجهة التي فعلت تلك الواقعة التي شغلت العالم العربي والإسلامي خلال اليومين الماضيين، ولكن عادة يبحث المحللون عن المستفيد من هذه العملية من أجل تحديد بوصلة الاتهام، لأن المستفيد من هذه العملية هو الأقرب للاتهام بالقيام بها، وكانت المعارضة السورية قد أعلنت بوضوح وحسم أنها لا صلة لها من قريب أو بعيد بتلك العملية، وقال الشيخ معاذ الخطيب رئيس الائتلاف السوري المعارض إن هذه العملية جريمة بكل المقاييس وأدانها وأدان مرتكبها واتهم النظام بالتورط فيها، وكذلك قال معارضون كثيرون إن بشار متورط في هذه العملية، فالشيخ البوطي كان أكبر داعم ديني لنظام بشار وحربه على شعبه، ومؤخرًا حرضه على المزيد من القتل وإعلان الحرب على الثوار، لكن ذلك ليس بجديد على الرجل الذي شارف على التسعين من عمره، فتلك سيرته من قديم مع بشار ومع أبيه من قبل، وللرجل كلام غرائبي جدًا مثل وصفه لنجل بشار الذي راح ضحية حادث بأنه في الجنة، وتأييده لتوريث الحكم في سوريا، ومن المحال أن يكون الرجل طوال هذا العمر جاهلًا بأنه في دولة تحكمها أجهزة قمع وإرهاب وبطش بالخلق وغياب للحريات وفساد ونهب منظم وأسطوري للمال العام، مستحيل أن يجهل ما يعرفه أي سوري داخل أو خارج سوريا عن هذه الصورة المأساوية لنظام بشار، ودعْ عنك الأبعاد الطائفية للنظام ومؤسسته الأمنية وجيشه.

ولكن الشيخ البوطي كان هدفًا سهلًا للغاية أمام المعارضة طوال الوقت، ويسهل ضربه بصورة أقل وحشية من تلك التي حدثت في أحد المساجد، وقد وصل الجيش السوري الحر إلى أركان النظام الأمني الأكثر خطورة والأكثر تحصينًا وقتلهم في دمشق، واخترق النظام من أعلى رأسه ورتب تهريب قيادات كبيرة بالجيش النظامي ووزراء ورئيس الوزراء نفسه، وبالتالي فتجاهله للشيخ كان مقصودًا ويعزز من فرضية أن المعارضة بعيدة عن تلك الحادثة، وتأتي المفارقة من أن مقتل البوطي يأتي بعد تلويحات من حزب الله اللبناني الشيعي، أبرز محترفي التفجيرات الممنهجة في الشام، بأن أعمالًا ستتم بتعاون قوى المقاومة ضد الإرهاب، وأيضًا في نفس الأسبوع الذي أعلنت الأمم المتحدة بدء تحقيقاتها عن استخدام النظام السوري للسلاح الكيماوي ضد شعبه وهي الواقعة التي لو ثبتت ربما تنهي نظام بشار تمامًا وتفتح الطريق أمام الناتو للتدخل، والأمر الآخر وربما الأهم، أن المرحلة المقبلة في دمشق تحديدًا هي مرحلة لا مكان فيها للبوطي وصوته، لأن الحرب في دمشق تقترب ـ حسب تقارير عديدة ـ من مواجهة ذات أبعاد طائفية صريحة، من خلال قيام كتائب شيعية لبنانية وقوات من الحرس الثوري الشيعي الإيراني وكتائب شيعية عراقية بخوض المعركة ضد قوى الثورة السورية التي تتقدم الآن بالقرب من وسط العاصمة وساحة العباسيين، ميدان التحرير الدمشقي، وبالتالي يمكن تصور أن الدور الذي كان يقوم به البوطي لم يعد له فرصة في المرحلة المقبلة، دوره انتهى، وربما أصبح عبئًا على النظام في تلك المرحلة، فتم الخلاص منه بتلك الطريقة التي تهدف إلى خلط الأوراق، وتشويه المعارضة، وصرف أنظار العالم عن جريمة الأسلحة الكيماوية، وقد لفت مراقبون الأنظار إلى أن التليفزيون الرسمي السوري بث برنامجًا وثائقيًا عن البوطي بعد خمس دقائق فقط من الانفجار، بما يشير إلى استعدادات رسمية لحدث ما قبل وقوعه، كما تحدثت بعض المصادر عن إبدائه رغبة للسفر خارج سوريا أثارت قلق النظام، وتبقى مواقف عالم مشهور مثل البوطي مع طاغية دموي فاسد قتل عشرات الآلاف من شعبه ودمر المدن والبيوت والمساجد طوال عامين، قصة تحتاج إلى وقفة وتأمل للخلوص إلى درس لعله يفيد الأمة في مستقبلها القريب والبعيد.

* كاتب مصري