الاربعاء ، ١٥ مايو ٢٠٢٤ الساعة ١١:١٥ مساءً

الفقه في الدين حجر الزاوية

عبدالرحمن محمد أحمد الحطامي
الثلاثاء ، ٢١ مايو ٢٠١٣ الساعة ١١:٤٠ صباحاً
في الحديث النبوي الشريف الذي يرويه البخاري رحمه الله تعالى عن حميد بن عبد الرحمن قال سمعت معاوية خطيباً يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين، وإنما أنا قاسم والله يعطي، و لا تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله) يتبين ما للفهم من الأهمية والخيرية التي ترفع بالعبد حتى يحظى بعطاء الله وينال به شرف القيمومة على أمر هذا الدين مؤيداً من الله تعالى وموعوداً بالنصرة والمعية اللازمة له دون أن يدركه الضر ممن خالفه حتى يأتي أمر الله وهو مستمسك بعروة الله الوثقى ثابت الجنان والأركان تتغير الدنيا وتتغير الأحوال والأمكنة والزمان وهو على حاله المتصل بالله القائم على دينه يدور مع دين الله ومقاصده الجليلة حيثما دار لا يأبه للمتغيرات ولا للحوادث والأحداث فأينما مصلحة الدين كانت فثمَ شرع الله القويم ، ضوابطه ومعاييره في العمل والحكم على كل الأمور ومستجدات الأحداث على منهاج السلف الصالح متجرداً من حظوظ النفس الأمارة بالسوء ، متيقظاً لوساوس الشيطان ونزغاته ، جعل الدنيا بكل شهواتها ولذائذها طوع يديه وتحت نعليه ، عبَد هواه لمقتضيات الوحي والتوحيد ، يقدم على ما اطمأنت إليه نفسه من البر والعمل الصالح برغبة الطامع لما عند الله برجاء من أحسن الظن بربه وبخوف من لا يأمن مكر الله به أن لا يقبل منه وهو يظن أنه يحسن صنعاً ، فهو بين الخائف المنكسر المتذلل بين يديه والمحب الراغب لفضله وإحسانه المصَدق المؤمن بقوله وهو ينادي أولياءه ومحبيه ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم ) . وسبحان الله العظيم الذي يرزق خلقه ويغدق عليهم نعمه ظاهرها وباطنها ويكلؤهم بالليل والنهار أي يحفظهم ويرعاهم ويدفع عنهم المضار الظاهرة والباطن ويظل خيره على خلقه دون انقطاع أو توقف يصلهم كيفما كانوا ويظل خلقه يبتدرونه بدل الشكر بالكفر والعصيان كما في الحديث القدسي ( أنا والجن والأنس في نبأٍ عظيم أخلق ويعبد غيري وأرزق ويشكر غيري خيري إليهم نازل وشرهم إلي صاعد ) وهذا الحديث وإن في صحته كلام إلا أنه صحيح المعنى والمدلول ، وإذا تأملنا لألفاظ الحديث نجده يؤكد أن الفهم ليس متحققاً لكل الدين وإلا كانت الجملة ( يفقه الدين ) وليس يفقه في الدين ، وإذاً فالفقه في الدين وليس كل الدين لأن إدراك مراد الله تعالى على الوجه الأكمل يفوق قدراتنا البشرية القاصرة الغير قادرة أساساً على الإحاطة الواسعة الشاملة المطلقة للنافع والضار والقدرة كذلك على الحصانة وتحصيل العصمة وتجاوز حظوظ النفس والهوى والشيطان والدنيا ، والفقه في الدين يوحي بحيوية البحث والحرص وروح التجديد الذي يواكب متطلبات تفاعل الشرع مع واقع الحال المتجدد دون أن يصطدم به أو ينحرف عنه ، كما يوحي بتوفيق الله الملازمة له بإرادة من الله لخلوص إرادة العبد ذاته في تحصيل الفقه الذي يؤمن له حسن التدين وقوة القيام بهذا الدين بقصد موافقة ما يمكن موافقته لما يغلب عليه الظن أن هذا إن شاء الله هو مراد الله تعالى دون الجزم بذلك والتسليم لله تعالى بالضعف وقصر النظر وطلب التوفيق منه والسداد والختم دائما بالقول الحسن ( والله أعلم ) وإن موسى عليه السلام لمَا سأله قومه عن أعلم أهل زمانه فنسب ذلك لنفسه على فهمٍ منه أنه نبي زمانه ولا يملك غيره ما يملكه من العلم وكان هذا تأويلاً منه وليس غروراً وحاشاه وكل الأنبياء من ذلك ، أوحى الله إليه أن من عباده من هو أعلم منه ودله على مكانه وهو عبد الله الخضر الذي حكى خبره القرآن في سورة الكهف وكان من خبره وعجائبه ما أذهل العلماء والصحب الكرام وكان درساً قوياً في أن لله جلَ جلاله من عباده وخلقه ممن يعلمون ويجمعون من العلم والفقه وعجائب الأمور ومما يخص الله به من يشاء ممن يشاء من خلقه وأولياءه ما يجعلنا نسلِم لله وحده عجزنا وضعفنا ونطلب منه في كل الأحوال أن يمدنا من العلم والفقه ما اختص به عباده الصالحين وأولياءه المقربين وصدق وهو القائل عز وجل ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً ) .