الجمعة ، ٢٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:٠٨ صباحاً

اتفق الأمريكييون على إعلاء المصلحة العامة لأمريكا، فهل يفعلها اليمنييون؟

د . محمد نائف
الأحد ، ٢٠ اكتوبر ٢٠١٣ الساعة ١٠:٤٠ صباحاً
بعد أخذ ورد وشد وجذب في الأشهر القليلة الماضية بشأن إقرار رفع سقف المديونية الأمريكية وصل الأمر إلى توقف العمل في الموسسات الفيدرالية في الأسابيع الثلاثة الماضية حين لم يتوصل الديموقراطيون والجمهورييون إلى حل غير انهم قرروا يوم الخميس الماضي (17 أكتوبر)، حين كادت أن تصل الأمور إلى حافة الهاوية، التخلي عن المصالح الشخصية والحزبية الضيقة والمناكفات السياسية وإعلاء المصلحة العامة، مصلحة أمريكا والشعب الأمريكي بكل ألوانه وأعراقه واتجاهاته السياسية.

ويقول بعض المراقبين وخبراء الاقتصاد أن أمريكا لا تعاني في الاصل من أزمة اقتصادية حقيقية وإنما من مناكافات سياسية بين الديموقراطيين والجمهوريين كادت تؤدي إلى أزمة، بل كارثة إقتصادية مدمرة. على أية حال بعد تحذير وزارة المالية (الخزانة) الأمريكية أنها لا تملك من المال إلا ما يكفي ليوم واحد فقط، استشعر الأمريكييون الخطر وآثروا أن يجنبوا بلدهم كارثة إقتصادية تؤثر عليهم وعلى الدول والمستثمرين الأجانب الذين يثقون في الاقتصاد الأمريكي ويستثمرون في مجالات تجارية واقتصادية مختلفة هناك. لذا، صوت مجلس الشيوخ على خطة إنقاذ للبلاد من كارثة إقتصادية محدقة باغلبية ساحقة 81 مع مقابل 18 ضد الخطة التي تَوافَق عليها الجمهورييون والديموقراطييون في مجلس الشيوخ اولاً، وأقرها بعد ذلك أعضاء الكونجرس بـ 285 صوت مقابل 144 ضدها وانتهى الأمر عند هذا الحد حسب ما ورد في صحيفة نيويورك تايمز يوم الخميس 17 أكتوبر.
ما يهمنا هنا من الإشارة إلى الحالة الأمريكية هو أن نتسائل: هل نستطيع نحن اليمنييون أن نأخذ العبرة مما جرى في أمريكا ونَتفق أو نَتَوافَق ونُخلص هذا الشعب المغلوب على أمره من المآسي المستعصية والمزمنة التي يعاني منها لا لشيء وإنما لأننا نجعل المصالح الشخصية والمناطقية والحزبية الضيقة فوق كل اعتبار؟ سبحان الله، لا نكاد نخرج من أزمة إلا ونعمل بكل جدية وبدون كلل أو ملل لخلق أزمات أكبر وأنكى وأفدح!

ومؤخراً، قالوا ما ينفع لليمنيين إلا حوار وطني يَنظر في جميع المعضلات المستعصية ويضع لها الحلول الناجعة لإخراجهم من هذه الانفاق المظلمة، واستبشر الناس خيراً غير ان القائمين على هذا البلد اختاروا أعضاءاً في الحوار الوطني تقريباً من نفس الوجوه التي كانت السبب في الكثير من مصائب هذا البلد، ولكن اليمنييون قالوا ماشي الحال لعلهم قد تعلموا الدرس وأيقنوا أن الوطن أكبر من الجميع وقد آن الأوان للجلوس على طاولة الحوار ونبذ العنف والكراهية والبغضاء والمناكفات السياسية التي مل اليمنييون من مسلسل تكرارها ومن قرفها.

بعد فترة من الحوار، بدأ المواطنون يسمعون أن المتحاورين يوجهون الصفعات واللكمات للبعض منهم، فقال الناس لا بأس في ذلك فالعراك بالأيدي والركل بالأرجل في قاعات وأروقة الفندق الذي يعقد فيه الحوار أهون بكثير من العراك بالبوازيك والأسلحة الخفيفة والثقيلة في الهواء الطلق في طول اليمن وعرضها! كما أن ذلك قد يكون من قبيل التنفيس قبل البدء في االحوار الجاد. بل ان هناك من نصح بإقامة بطولة برعاية الحوار الوطني في "المداكمة" و"المرافسة" أنفق عليها الملايين من الريالات والدولارات حتى يتعلم أعضاء مؤتمر الحوار الوطني "الدكم" و"الزبط" بصورة صحيحة وبمهنية واحترافية عالية إذا اقتضت الضرورة. هل رأيتم شعب في العالم كله يلتمس الأعذار ويتسامح ويغفر الزلات لمن يسومونه سوء العذاب ويتلاعبون بأحلامه وآماله أكثر من الشعب اليمني؟

ما الذي تغير إذن منذ بدء الحوار الوطني الشامل في اليمن حتى الآن وما هي البشائر الأولية في الشارع اليمني؟

1- قبل الحوار كان لدينا قضيتين رئيسيتين: القضية الجنوبية وقضية صعدة. الآن عندنا أكثر من حراك في الجنوب والقضية الجنوبية وقضية صعدة والحراك الشمالي والحراك التهامي وقضية المناطق الوسطى وأصحاب الفيدرالية من إقليمين والفيدرالية متعددة الأقاليم وأصحاب تقرير المصير واصحاب العزل السياسي وأصحاب عدم العزل السياسي والحبل على الجرار!

2- إغتيالات واستهداف شبه يومي للقيادات والضباط والجنود في مؤسسات الجيش والأمن، فأصبح من نعول عليهم حماية الوطن والمواطنين بحاجة إلى من يحميهم من عصابات الغدر والخيانة والتدمير الممنهج الذي يسير بوتيرة عالية يوماً بعد يوم. بل ان الأمر تطور ليطال مناطق عسكرية ومعسكرات أمنية كما حدث مؤخراً في المكلا والبيضاء وأبين وليس فقد كوادر في القوات المسلحة والأمن.

3- انفلات أمني مخيف وسفك لدم المواطن اليمني بصورة يومية في الارياف وعواصم المدن التي قيل أن هناك قانون يحضر حمل السلاح فيها والدخول به إليها غير انه من الملاحظ تزايد ظاهرة حمل السلاح والتجوال به ليلاً ونهاراً في كل مكان دون حسيب أو رقيب.

4- التدمير والتخريب المنظم للكهرباء وأنابيب النفط. بل إن ذلك قد أصبح عمل بطولي يتباهي به المخربون للمتلكات العامة. فقد كان من المضحك والمبكي والمحزن معاً أن نشاهد أحد المشايخ بالصوت والصورة يتباهي على الهواء مباشرة على إحدى القنوات الفضائية اليمنية الخاصة هو ورجال القبيلة الأشاوس بعد تفجيرهم أنبوب نفط في مأرب. والعجيب الغريب أن القناة التليفزيونية التي كانت حاضرة لتوثيق الحدث العظيم كانت على ما يبدو على علم مسبق بما سيجري واعتبرته سبق إعلامي لا نظير له!

5- هناك تقطعات على الطرق الرئيسية والفرعية وتعطيل لمصالح الناس ويحدث سلب ونهب جراء ذلك. بسبب غياب المؤسسات الأمنية والقضاء العادل والنزيه عن تأدية الأدوار المنوطة بهم في تحقيق الأمن والإستقرار، أصبح كل من لديه مظلمة يلجأ إلى الشارع ويأخذ حقه بيده وما يحدث في تعز هذه الأيام ما هو إلا مثال حي على ما يحدث في كل أرجاء اليمن.

لن أزيدكم غم على غم بسرد المزيد من المآسي، ولكن بربكم ألا يستحق هذا الشعب الصابر الطيب المتسامح الذي يعاني الأمرين في كل مناحي حياته ويعيش في ظلام دامس في أغلب الأيام في القرن الواحد والعشرين أن تكون له قيادات سياسية وحزبية تضع مصالحه ومصالح وطنه فوق كل المصالح والاعتبارات وتخرجه من هذه الأزمات المزمنة التي لم يعد أحد في اليمن يحلم حتى مجرد حلم أنها يمكن أن تزول في يوم من الأيام؟

لا يستحق هذا الشعب منا، بعد أكثر من سبعة أشهر من الحوار الوطني الشامل الذي عُلَّقت عليه أمال كبيرة، أن يأتي من يقول له أننا بعد كل هذا الحوار والمجهود لم نستطع إلا أن نمعن في تمزيق الوطن والشعب أكثر فأكثر وهذا هو كل ما جادت به قريحتنا والحكمة التي وصفنا بها!

نأمل أن يتعلم اليمنييون كيف يتوافقوا ويُغلبوا المصلحة
العامة للشعب والوطن على كل الصغائر ويتحملوا مسؤولياتهم الوطنية بجدارة واقتدار قبل فوات الأوان لانقاذ البلد من الكوارث المحدقة به على كافة الصُّعُد، ودمتم ودام اليمن الغالي الحبيب بألف خير.