السبت ، ٢٧ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٥٩ صباحاً

أزمة الشيطان الثالث!

عبدالرزاق العزعزي
الاربعاء ، ٢٣ نوفمبر ٢٠١١ الساعة ٠٢:١٨ صباحاً
الجنس، الدين والسياسة؛ ثالوث يعيش الإنسان متنقلاً بين أركانه حيناً، وحيناً ينادي بأحدهما ليحصل عليه أو بعضهم أو كليهما..

صدام مطيع.. شاب يمني تسلل إلى مقاهي الإنترنت وراودها ليلاً؛ ليضع ما يعانيه من أزمة الثالوث الجنسي والديني والسياسي؛ بطريقة مختلفة.. سجل أهدافاً كثيرة في مدونته "هُدار" التي تعج بالمقالات..

مَنحَه الانترنت فرصة التسلل من مسامات قمع قانون الصحافة والمطبوعات اليمني وفرصة التعبير دون التقيد بهامش ديمقراطي يتسع ويتقلص وفق المزاج السياسي.. مَنحَه فرصة التمدد بحرية، بمساحة خارطة العالم دون أن يُصطدم بثقافة "أوبه لراسك"..

"مطيع" زاوج أفكاره فأنجبت مولوده البكر؛ أول كتاب إلكتروني عن ثلاثية الدين والجنس والسياسة في اليمن.. ثار في كتابه وكتباته التكنولوجية الرقمية عموماً ولم يُحدث التغيير الذي كان يأمل؛ التغيير الذي استطاعت التكنولوجيا والوسائل الرقمية أن تمنحه كثير من شباب العالم.. ولكن يبدو أن الثورة في اليمن – أي ثورة – لا تحتاج لتكنولوجيا فقط، إلا أنها استطاعت تغيير المجتمع بصورة أكثر ثورية؛ ولكن باتجاه آخر.. اتجاه أزمة البحث عن الجنس!!

(أزمة الشيطان الثالث) هو العنوان الذي اتخذه مطيع في كتابه الإلكتروني وتحدث به عن ثلاثية الجنس والدين والسياسة في اليمن؛ فالشيطان الثالث – كما يقول – هو الجدار العازل الذي تُصر على إقامته نقاط التفتيش الدينية والنوعية والسياسية.

يقول مطيع أن التدوين لم يعد مجرد حرية "الشخبطة" على مساحة الكترونية مجانية؛ بل أصبح ثقافة تغيير عملية لإنتاج فاعلين مجتمعيين يتسمون بقدرة أعلى على التأثير.. وتتسع حركة التدوين في بلادنا لتتسع معها الحاجة للتقييم والتوجيه بما يعزز من فاعلية "التدوين" في صناعة التغيير الاجتماعي..

ثلاثية الجنس والدين والسياسة..

الجنس، الدين والسياسة؛ ثالوث هرمي يعيش الإنسان متنقلاً بين أركانه حيناً، وحيناً آخر ينادي بأحدهما ليحصل عليه أو بعضهم أو كليهما.. حياتنا بكل بساطة؛ جنس، دين وسياسة..

جنس؛ لصناعة النسل وتلبية الاحتياج للكائن البشري، بعيداً عن عبث الشيطان!!

دين؛ لخلق أزمة في مجتمعات تُصر على اعتناق الخرافات لمواجهة الشيطان الذي يُصرّ بدوره على العبث بكل شيء!!

سياسة؛ ليأتي دور الشيطان - ونحن أيضاً - لنخول لأنفسنا أن نكون على صواب أو خطأ!!

الجنس علاقة إنسانية تتصل بأرقى المشاعر وأعلاها سموا، لكن المسألة في المجتمع اليمني تتصل بطغيان ثقافة العيب.. الثقافة الذكورية تقوم على نزعة ادعاء تفوق الذكر على الأنثى وما يترتب عليها من مظالم وقسوة وحرمان تتعرض له الأنثى بلا سبب؛ إلا لمجرد أنها أنثى.. وما تطرق له "مطيع" في كتابه الإلكتروني لم يكن منافٍ أو مناقض لهذا؛ فيقول في إحدى مقالاته (الجنس لغة رقيقة، نوع من التفاعل العاطفي.. إلا في بلادنا، مازال الجنس محتفظا بمفهومه البدائي؛ سلوك لقمع الآخر؛ كنوع من التعبير عن السلطة!).. ويضيف في موقع آخر (عندما يصبح الجنس تعبيرا عن السلطة؛ ينتقل الجنس من خانة "اللغة الرقيقة" خانة "الاغتصاب".. المأساة أن الجنس لدينا في كثير من الأحيان – حتى في الأطر الشرعية – هو نوع من الاغتصاب المقنن!).

الجنس في بلد الدودحيات..

أزمة الشيطان الثالث جاء بفصلين و42 صفحة من الحجم الصغير A5.. حيث تحدّث الفصل الأول "الجنس في بلد الدودحيات" بعدد أربع مقالات؛ عن السلطة التي يمارسها الذكر ضد الأنثى واغتصابها بأزمة القانون الديني "الزواج" كما تطرق لمسألة التحرش بالنساء؛ سيما الملونات (ذات مساء لا ينسى في قريتنا البعيدة قاومت خادمة الاغتصاب لتُفقأ عينها اليسرى في المعركة؛ لتظل "العوراء" الوحيدة في مجتمعنا الأعمى).. وعن ثقافة قرطسة النساء التي لا توقف الرجل عن ثقبها بالنظرات ورميها بالكلمات الخادشة للحياء (يتصور الكثيرون أن التطرف في قرطسة النساء هو إجراء وقائي يدفع باتجاه مجتمع الفضيلة وهو تصور احترمه لكنني أتساءل: لماذا دائما تدفع المرأة في بلادنا – ووحدها فقط – ثمن تزايد عدد الرجال خارج نطاق الفضيلة.. لم تتوقف أبداً النظرات اللزجة التي تغسل "المشرشفات" كل صباح في شوارعنا.. الأكثر قسوة أن هذه "القرطسة" الإجبارية مازالت غير كافية لدى الكثيرين في مجتمعنا الذكوري).. ويمضي مطيع في تناوله العقلاني (بدلا من أن نهدر الوقت في اختراع وسائل عزل وإقصاء وتمييز ضد المرأة علينا أن نفكر ولو قليلا في "أنسنة" الرجل في بلادنا.. علينا أن نتوقف عن تحميل المرأة
مشكلة السعار الجنسي للرجل.. علينا أن نعمل على تكريس ثقافة مدنية للتعايش والإدماج النوعي بدلا من تكريس ثقافة البالطو المحزّق)..

الفصل الأول جاء شديد الطرح والعقلانية.. كتاباته طالبت بكل قوة من الذكر أن يكف عن حماقاته التي يرتكبها بحق نفسه والإناث.. (إن العقلية الذكورية مازالت محتفظة بتطرفها وبعنصريتها؛ بل أصبحت تدير علاقاتها بالآخر النوعي بشكل أكثر عدوانية وبحرب نفسية شرسة، وبقوانين شفهية غير معلنة، قوانين تحمل شعار "الجحيم أناس آخرون" قوانين تكرس لعصر جديد، عصر النبذ الاجتماعي).. ويختتم بتوجيه رد على أحد الكتّاب طالب بثورة ضد النساء (فعلا نحتاج لثورة ولكن ضد الرجال هذه المرة)..ٍ

الدين والسياسة.. الشراكة السيئة

يأتي الفصل الآخر من الكتاب بلهجة أكثر هدوء؛ سيما وهو يخاطر بقلمه لطرق خطوط حمراء للغاية " الدين والسياسة" فالدين يملك من المكفرين ومهدرين الدماء بحجم ما تملكه اليمن من نخب سياسية!!.

(كل شيء في بلادنا له طعم الهزيمة) بهذه الجملة يستهل الفصل الذي يمضي بأولى مقالاته بعرض قصة اكتشاف علاج لمرض الإيدز من جامعة الإيمان اليمنية، ويسخر كثيراً من هذا (مع إعلان الشيخ لاكتشافه علاج مرض نقص المناعة "الايدز" فرحنا وهللنا، تخيلنا أن بلادنا الموصومة بالجهل تحولت إلى وطن للثورة العلمية.. ظننا أن بلادنا التي لا يعرفها سوى محررو الحوادث في صحف العالم ستتحول إلى مساحة ضوء، وكعادة كل انتصاراتنا وثوراتنا الصوتية تبدأ بحلم لذيذ وتنتهي بنكتة قاسية مؤلمة وتسدل الستارة بنظرية المؤامرة؛ كتفسير مُعلب وجاهز وشماعة تقليدية لكل هزائمنا) ويدعو لفتح تحقيق لما حدث من عبث بأرواح الأموات الذين اعترف الشيخ بوفاتهم في 10 يناير 2008 لموقع الحدث الإخباري أثناء تلقيهم العلاج.. وهو يعلم تماماً أن دعوته ستفتح له باب التكفير والطرد من الجنة!

(عواطفنا الدينية هي العواطف الوحيدة التي لا تشيخ، لا تصاب بالضمور ولا يهزمها الزهايمر، عواطفنا الدينية تظل صاحبة الحضور الأعلى في كل تفاصيل حياتنا لذلك دائما يتسرب من مساماتنا الدينية: الدجالون والنصابون والطغاة) يأتي مجدداً ليتحدث عن صديق مسيحي له؛ على الرغم أننا نغدقهم بعد كل صلاة للجمعة بوابل من الدعوات بالهلاك ونتمنى من الله أن يجعل أموالهم ونسائهم غنيمة للإسلام والمسلمين!! أي عبث هذا الذي نقوم!! إننا لو كنا ضعفاء – كما قال عبدالله القصيمي في كتاب يكذبون كي يرون الإله جميلاً – "نتحول إلى وحوش حين ننتصر".. إننا فعلاً نتناسى معان إنسانية جاء الإسلام لتكريسها وليس لنبذها.. إننا نصنع العداء باسم الدين ونتطرف كثيراً من أجله.. إننا نؤمن أن كل أفعالنا يعلمها الله؛ مع ذلك نبرر لأنفسنا حماقاتنا وسذاجة تفكيرنا.. إننا نؤمن أن الحوريات ينتظرننا في الجنة فنرتكب الخبائث بذاتنا ظناً منّا أن الله غفور رحيم وقد زاوجنا بالجنة!.

يقول مطيع (حكومتنا تتحدث عن شعب غيرنا، عن حلم لا يشبه أحلامنا، وإذا حاولنا الهمس أو حتى الصراخ؛ لا أحد يستمع) ويمضي في القول (لماذا لا نرفض نحن بدورنا الاقتران بهذه الحكومة الفاسدة الصماء، حكومة بلا آذان ومنزوعة الإحساس أيضاً)! أتى هذا ليضع مقارنة بين الحكومة وصديق له رفضت النساء الاقتران به لكونه يعاني من تشوه خلقي "لا يملك أذنين" مع اختلاف أن صديقه مخلص، يعمل بصبر ولا يكف عن الحلم بالمرأة التي تشعره بالحنان عندما يخترق المطر جدار بيته!.

ضحكة..

(من السخف أن أختم حديثي بالمطالبة بدور مسئول تجاه القضايا الشبابية، وبإستراتيجية وطنية للشباب لا تُعد في استوديوهات التصوير التلفزيوني.. فقط سأختتم حديثي بالمطالبة باعتماد إذاعة أحلامنا المحبطة في برنامج الكاميرا الخفية.. على الأقل الوطن الذي لا نُمنح فيه حق المساهمة في تنميته، دعونا نساهم في إضحاكه!)

(لعبة "عسكر وحرامية" لا تتلاءم مع حكومتنا إطلاقاً جميعهم غالبا في خانة واحدة) ولكن بالمقابل يرى في موضع آخر أننا من نمنح المستبدين شرعية الطعن في أهليتنا وذريعة فرض الإقامة الجبرية والانتداب والوصاية.. ويعتقد أن صناعة التغيير لا تبدأ بإقناع حكومة فاسدة بقليل من الضمير؛ بل بإقناع عامل البوفيه أن يكف عن غمر نصف أصابعه في كأس الشاي الذي نطلبه مثلا!.. إذن فكل أشكال وقوالب البلاد تحتاج للتغيير.. للانقلاب، انقلابات نفسية، أسرية، مناطقية، مجتمعية، وطنية.. ولكن من سيبدأ بهذا بعيداً عن التقرب لرب البلاد أو الصلاة للمال الأخضر.. جيفارا يقول "إن الطريق مظلم وحالك ولابد أن أحترق وتحترق أنت حتى ننير الطريق" فمن سيكون منير الطريق لإحداث التغيير والوعي الذي يمنحنا ثقافة جديدة تُعيد رسم ملامحنا على نحو مشابه لأحلامنا وبطريقه تكفي لإقناعنا بالاتجاه نحو الثورة!.