الجمعة ، ٢٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:٢٩ صباحاً

من أطفأ الشمس ؟

أحمد مصطفى الغر
السبت ، ٠٣ ديسمبر ٢٠١١ الساعة ٠٣:١٤ مساءً
إهداء إلى روح الشهيدة / سالى زهران " إحدى شهيدات ثورة 25 يناير المصرية " .. لا أعرفها ولا تعرفنى .. لكن كلانا يعرف مصر .

شعرت بأن الكون قد تغير لونه وأصبح قرمزياً ، هالني منظر الغروب حينما انطفأ ضوء الشمس وكأنها تختنق أو تسافر وهى مجبرة على الرحيل قبل ميعادها لتحل ستائر الظلمة محل ضياء النهار ،ثم رأيت يداً ميتة أو ربما هكذا بدت لى منذ الوهلة الأولى ، وقد بانت ملامحها في سواد الليل أكثر وضوحاً ! ، تذكرت حينها الكلمات التى كنت أقرأها صغيراً فى ماضى الطفولة عن أزهار الحدائق .. كيف أن الزهور تحيا فى البستان عمراً وتظل تنشر عبيرها الفواح وتدخل السرور على قلب كل من يراها ، لكن سرعان ما تقطفها يدٌ غادرة بعنف أو تدهسها قدمٌ غاشمة بلا أدنى مبالاة .. كان المؤلف يحذرنا ــ نحن الأطفال فى حينها ــ من أن نفعل هكذا تصرفات ، لكن سرعان ما قطع ماضى الذكريات فظاعة الواقع .. فكم من زهورٍ قُـطِـفَت و دُهِسَت فى ميادين مصر وشوارعها بلا أدنى رحمة لأروحها الطاهرة ؟! ، وكم من قصص وذكريات مستقبلية كانت تتنظر تلك الزهور الآدمية الشابة مع الأهل والأصدقاء ؟!، لكن قدر الله عوضهم عنها بجنة نرجوها لهم فى دار الحق.

كنت أدقق النظر فى كل ما يدور حولى وكنت أفضل الصمت عن الحديث ، كانت أصوات كثيرة فى المكان محدثة ضوضاء عالية.. وحركة الأقدام سريعة فى كل مكان ، ثم فجأة وبدون مقدمات أعلنت عن الرحيل ، وبكل قسوة إنطفات كل شموع الفرح .. على أى حال لم يكن هناك ما يدعو للفرح ، وجدت ثوباً أبيض يتحرك به المئات نحو السراب ،لا أعرف من أين كان يأتى ضوء النهار فالشمس غائبة عن السماء ، سحب كثيفة و ضباب فى كل مكان ، حتى الأشخاص لم أستطع أن أرى أياً منهم ، فقط كنت أسمع صراخاً هنا وعويلاً هناك ، شخصاً يقرأ آيات قرأنية و آخر يتمتم بكلمات وداع ، سيدى: أي وداعِ تقصد ؟ هل مات أحد ؟

لم يجبنى الرجل فقد تملكه الحزن وكاد البكاء أن يعصف بروحه من شدته ، مرت ساعات فإذا بى أرى صورتها فى الجريدة بين زهور كثيفة وحولها أخرون ، الكثير ممن سالت دماؤهم من أجل أن تخصب أرض مصر اليابسة كى ينبت القمح والزهر يوماً فى الصحراء، سالت من أجل أن يرى أخرون النور ويشعروا بالحرية ، ربما لو بقوا معنا قليلاً لرأوا ذلك .. لكن هذه طبيعة الحياة ، تتساقط ورقات من الشجرة لينبت وريقات جديدة تعيش معتمدة على ما قدمته سابقتها من أجل الشجرة ، لكن من ماتوا لم يكونوا مجرد ورقات تساقطت ، بل زهور يانعة كانت فى أوج الشباب تزين الغصون .. سطور خالدة فى دفاتر التاريخ والبطولات .. دموع باقية لن تجف من على خدود مصر ، شموس لن تنطفأ فى وقت الغروب .

منذ تلك اللحظات والتى أذكرها وكأنها قد وقعت بالأمس ، اللحظات التي رأيت فيها مصر تنفض غبار كثيف كان على جسدها تراكم دون أن يفكر أحد فى إزالته ، رأيت بشراً دون مَن كُنت أراهم فى الشوارع فى كل يوم ، رأيت مشاهد جديدة للبشر .. للأماكن .. للحياة ، مصر تبوح بسر شبابها ، مصر تثور من أجل الحرية والحياة الكريمة ، و رغم اننا نرى فى ظلمة الليل .. فإننا مازلنا نفتقد الشمس !

+ هامش : " القسوة ليست فى الموت .. وإنما فى الفقد "