السبت ، ٢٧ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٤٩ صباحاً

ليلة سفر صالح...

سماح عبدالله الفران
الجمعة ، ٢٧ يناير ٢٠١٢ الساعة ٠٨:١٥ مساءً
منذ أن حطت المبادرة الخليجية رحالها على الأرض اليمنية ، واُستقبلت بترحاب وحفاوة بالغتين ممن ينظرون للواقع اليمني من منظور خاص ، ونحن على علم مسبق بما ستئول إليه الأحداث على سطح الوطن ، نعلم جيداً أن الثورة اليمنية ستشوه بجرة قلم ، وستتكبد خسائر إنسانية جراء تراخي بعض الضمائر التي تعاملت مع الاستثناء اليمني والخصوصية السياسية بسلبية وإحباط .

نعلم أن بنود تلك المبادرة ستكون سيدة الواقع ، والواقع السائد معاً !

توقيع ، ثم مصادقة على حكومة ، ثم إقرار حصانة ، ثم ما يسمونه رحيلاً ..

والغريب في الأمر أنه ما أن تخرج تلك القرارات إلى أرض الواقع ، حتى ننتفض ونجند أقلامنا لنصرخ في وجهها وكأنها مولودة من رحم المفاجأة .. لنثبت أننا أبناء المؤثرات اللحظية وبجدارة ، ولا نقدم شيئاً سوى الانتظار ، بينما القول والفعل يأتيان متأخران .

ليلة سفر صالح لم تكن ليلة طبيعية ، كانت هناك مظاهر فرح غير مبررة ، وكأن الغرض الثوري الأول في رحيل صالح قد تحقق ،أو بمعنى أصح أن الغرض الثوري المهم هو رحيل صالح فقط وليس نظامه أيضاً ، لا أقصد الرحيل عن وجه الوطن ، وإنما عن وجه السلطة والشعب ، فمظاهر الفرح تلك تتنافى مع الطبيعة المعنوية للفرح نفسه ، فصالح مازال رئيساً على البلاد حتى في لحظة مغادرته لها ، ومازال نظامه أقوى من السقوط ! بل وغادر البلاد وهو حامل معه صكاً يقيه من شرور الملاحقات القضائية ، الأمر الذي فتح له أبواب السماء ليحلق فيها حراً ، وهذا بحد ذاته لا يُسمى سقوطاً وإنما صعوداً !

فكأن من فرح بسفر صالح في تلك الليلة بمثابة من يفتح مايكرفون عرس بجوار بيت عزاء ، متناسياً أن هناك من سقط حزناً على أحبتهم ، واكتوت قلبوهم بإقرار قانون الحصانة الوائدة لحقوق تلك الدماء الطاهرة ، أما ألئك الفرحون فحسبهم أن يرحل هذا الرجل عن الأرض ، وكأنها ثورة ضد رجل .

ماذا بعد ؟

إن المضحك المبكي في آن واحد ، اعتقاد الكثير أن صالح هرب ، وأنه رحل ، وأنه طُرد ، الأمر الذي دفع الكثير لاعتقاد أن السماء أمطرت علينا بعضاً من فتات الإنجاز ، وأخذت الأقلام وريش الرسامين الكاريكاتوريين تتفنن في رسمه بتلك الحالات التي تشبه إلى حد كبير حالة بن علي ، بينما الأمر مختلف جداً .. الرجل سيعود ليكون على رأس حفل تنصيب عبدربه منصور هادي رئيساً للبلاد لمدة سنتين ، وقد صرح مرات عدة بأنه سيذهب رئيساً لليمن وسيعود رئيساً لحزب المؤتمر الشعبي العام ، الذي يضم تحت جناحه أصحابه الذين حفّتهم رحمة المبادرة ، ونالهم من الحصانة جانب !

كل ذلك معروف ، ولكن كالعادة ، ننتظر ، ولن نتكلم إلا بحضور "الريس" !

هناك من يقلل من شأن تلك الحصانة ، ويعدها غير شرعية ، وانتهاك للقانون الدولي لحقوق الإنسان ، وبالتالي فتلك الحصانة لن تنام بسلام .

كما أننا نراها دليل إدانة على صالح ؛ أكثر مما هي أمان لحظي ، لا ندرك ما يترتب عليها مستقبلاً ، فما كان ليصر على الحصول عليها ما لم يكن موقناً أنه قد أخطأ بالفعل في حق شعبه ، وإلا " فواثق الخطوات يمشي ملكاً "

و مازال هناك من يردد : الشعب يريد إسقاط النظام ،وهو يعي مضمون ذلك الشعار، ومازال هناك من لم ينسى تلك الدماء التي أُريقت على أرصفة الساحات و يسعى لإنجاح الثورة نجاحاً مشرفاً ، واعتبار التسويات السياسية مرحلة من مراحل الثورة وليس نهايتها . تمضي نحو إعادة صياغة الثورة من جديد ، صياغة تصحح فيه مسار الثورة ، تكون خالية من الكائنات البرمائية التي تستطيع التنفس داخل الثورة وخارجها .

مازالت الثورة اليمنية على قيد الحياة .