السبت ، ٢٧ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:١٨ صباحاً

المتوسطون .. أهل الطبقة المختفية !

أحمد مصطفى الغر
الأحد ، ٢٥ مارس ٢٠١٢ الساعة ٠٩:٤٠ مساءً
عادة ما تتميز الشعوب بالتعددية الطبقية ، وتعدد طبقات المجتمع من الغنى الفاحش وصولا الى الفقر الشديد ، و من الصعب ان تجد فئة ثرية كثيرة العدد ، أو فئة فقير طاغية النفوذ والسلطة.. فالمجتمع خليط من كل الصور والأشكال ، و بكثرة تعدد طبقات المجتمع نجدها تحمل فى طياتها مزيداً من التناقضات التى تثير فى كثير من الأحيان علامات تساؤل ، فى الماضى لم يكن غريباً أن تجد أبناء الأثرياء و أحفادهم .. أثرياء بالوراثة ، وأن يغتنى كل مجتهد ومكافح بعد مشوار طويل من العمل و إجتياز الصعاب ، كان هذا فى الماضى .. أما ألان فقد بات من السهل أن تجد من بين صفوة المجتمع و أغنياؤه من وصلوا إلى ما هم عليه بطرق ملتوية و معقدة يشوبها الكثير من الشك و الارتياب .

فى بلادنا العربية ـ للأسف ـ إختفت طبقات المجتمع و إنطمرت فى ظل طغيان قلة قليلة من الشعب ، قلة لا تزيد عن 5 % من اجمالى عدد السكان ، قلة تتمتع بالنفوذ والسلطة والمال و الحصانة ، و أشياء أخرى لا نعلمها و ربما لم يكن لنعلمها لولا ربيع عربى من الثورات التى كشف الفساد التى كانت تغرق فيها بلداننا ، ربما لأننا لم نكن يوما من تلك القلة القليلة ، و بشكل تدريجى اختفت الطبقة الوسطى من مجتمعاتنا العربية ، و انضمت الى الطبقة الكادحة الفقيرة المعدمة ، فاختل ميزان القوى فى المجتمع ، واختل الهرم المجتمعى الذى يشكل الهيكل الاساسى و الاجتماعى للامة ، ولم نعد نسمع عن أسرة متوسطة الحال ، او ميسورة المعيشة ، فأنت إما من نسبة ال 5 % التى تحكم وتسيطر وتهيمن على كل شئ أو دون ذلك .

يراود ذاكرتى مزحة قديمة تقول : أن مدرسا قد طلب من تلميذ ثرى جدا أن يكتب موضوع تعبير عن أسرة فقيرة ، و نظرا لأن التلميذ لا يعرف معنى الفقر من الاساس فقد كتب الاتى : " كان هناك أسرة فقيرة جدا ، الاب فقير ، والام فقيرة ، والابن فقير ، والبستانى فقير ، والشغال فقير ، والبواب فقير، ومديرة المنزل فقيرة ، والسواق فقير ، كلهم فقراء .. " ، لم يكن للتلميذ الصغير أن يستوعب معنى الفقر فكيف ينتظر معلمعه أن يعبر عنه ؟! ، هكذا كان الحال ـ أو يشابهه إلى حد التقارب ـ عندما حكمنا رؤساء طغاة و حكومات تشكلت من رجال أعمال فاسدين كان همهم الأول هو تدبير شئونهم و مصالحهم الخاصة ، فماتت طبقة كنا نعدها هى عصب المجتمع .. ألا وهى الطبقة المتوسطة !

بل ان إصدار المفكر وأستاذ الاقتصاد رمزى زكى كتاباً يحمل عنوان "وداعا الطبقة الوسطى" أكد إنطمار تلك الطبقات على طبقات الهرم المجتمعى ، فى ظل سياسات إقتصادية انتهجتها الحكومات الفاسدة التابعة للأنظمة الديكتاتورية فى بلادنا العربية ، تونس و مصر وليبيا و اليمن و سوريا وغيرها ، لا فرق بين الأنظمة الحاكمة سوى فى الأسماء و الأشكال ، أما السياسات و أساليب النهب و سرقة قوت الشعوب هى ذاتها ، وباتت الثروات والسلطات تتركز فى أيدى قلة معدودة لا تزيد عن 5% من السكان ، بل أقل من 5% ، لكن تكتمل الغرابة عندما كانت تتم بخطى ثابتة عمليات إعداد أبناء رؤساء الجمهوريات العرب كى يرثوا حكم بلدانهم من بعدهم ، فحتى الأوطان باتت جزء من الميراث ! ، إلا ان ثورات الربيع العربى قد أفشلت تلك المشاريع الاستعمارية المحلية الصنع ، التى كان من شأنها ــ فى حال نجاحها ـ أن تؤدى إلى إختفاء باقى طبقات المجتمع !

هكذا لم يعد هناك طبقة متوسطة الحال ، و اختفى المتوسطون ( أهل الطبقة المتوسطة ) ، و هناك إشاعات تقول : بأن لصوصاً مأجورين من قِبلْ القلة القليلة (طبقة الـ 5%) قد سطوا ليلاً على الهرم المجتمعى ، فسرقوا تلك الطبقة كاملة بكل اهلها وممتلكاتهم ، و هربوا من سرداب سرى فى الهرم المجتمعى ، و قد أعلنت الشرطة أن البحث عنهم مازل مستمراً ..