الثلاثاء ، ٣٠ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:٥٨ مساءً

الوجه الآخر للثورة

د. علي مهيوب العسلي
الأحد ، ١٠ يونيو ٢٠١٢ الساعة ١١:٥٠ مساءً
لابد لكل ثورة ناجحة أن تحقق التغيير الجذري في كل الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأضيف جانب التغيير في العقول !

وسأحاول في هذا المقال الإجابة على الأسئلة الجوهرية الآتية : لماذا قام الشباب اليمني بثورتهم الشبابية الشعبية السلمية, أصلا ؟ و هل نجحت الثورة في تحقيق أهدافها لكي ترفع الساحات؟ ثم هل الثوار راضون عن وضع الساحات الحالي ؟!

وقبل الولوج في الإجابة على تلك الأسئلة لابد من الإشارة من أن الثورة لم تكن ترفاً أو تقليداً لثورات الربيع العربي رغم اعترافنا من استلهام بعض العِبَر والمؤشرات التي كانت دافعة لخروج شبابنا الأطهار إلى ميادين الحرية والتغيير !

فالثورة بكل المقاييس كانت مستَحقة منذ زمنٍ بعيد , نتيجة للحكم الفردي العائلي الذي هيمن على كل مقدرات الأمة ، والذي حوّل الطاقات إلى طاقات مهدورة في كافة نواحي الحياة ، إلا ما يبقي منها هيمنة الحاكم الفرد فمُرحباً به ، فَساد الفساد والإفساد في كل مؤسسات الدولة التي هي بالأصل بسيطة . ومن ضمن تلك المؤسسات الأحزاب السياسية التي مورس ضد أغلبها القمع والتنكيل والإقصاء وحتى التفريخ ! بل وتسلّق إلى قياداتها الكثير من أجهزة الأمن الذين فُرِّغوا لمثل هذه المهمة بعد الانجاز المهم الوحيد الذي تحقق في الثاني والعشرين من مايو سنة 1990م والذي ربط إعادة تحقيق الوحدة اليمنية بوجوب وجود شرطين أساسيين متلازمين للوحدة هما الديمقراطية والتعددية السياسية ،قام احد الأطراف بتوظيف هذين الشرطين لمصلحته على المدى الزمني الذي رافق الوحدة وحتى الآن ،حيث استطاع تفريغ محتوى ومضمون فعالية تلك الأحزاب كل على حدة ، إلى أن شعرت الأحزاب انه لا سبيل للمحافظة على البقاء إلا بالتحالف والتكتل لمقاومته أو لنقُل على الأقل تحسين شروط التفاوض فتحوّل التفاوض إلى مهادنة ومزايدة من بعض القوى انتهى إلى اليأس والانبطاح مقابل تعفرت ذلك النظام ! فاستفرد بالحكم بأغلبية مريحة بسبب الضُّعف والهُزال الذي المَّ بهم جراء الصفعات القوية التي تعرضوا لها من هذا الحاكم المتسلط ، فغلّبت مصالحها الضيقة على المصالح العليا للوطن ، ولجأت إلى التكتيكات وعدم وضوح الرؤية في القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية و كل ذلك افقدها الارتباط بالجماهير لانشغالها في التفكير الفوقي لمواجهة أساليب النظام دون تبَّني واضح لقضايا الناس الحقيقية والاهتمام بالأشياء الفرعية الإجرائية!

و نتيجة للفجوة الكبيرة التي تشكلت وتطورت مع مرور الزمن بين القاعدة الحزبية وقيادة الأحزاب ، وكون قواعد الأحزاب على تماس مباشر مع المواطنين وهمومهم و جُلّهم من الشباب وهم الذين يستقبلون النقد اليومي من عامة الشعب عن أحزابهم وهم عاجزون عن التبرير لأحزابهم بل و وصل الأمر إلى أن بلغ الاستياء والإحباط القواعد الحزبية ذاتها ، وما أن جاءت اللحظة التاريخية للخروج ، خرج الشباب الواعين سواء من الشباب غير المنتمين أو من قواعد الأحزاب دون استئذان من احد ،جمعهم هدف واحد هو "إسقاط النظام" أي خرجت معبرة عن مشاعر الجماهير الحقيقية صاحبة المصلحة في التغيير , ونتيجة لصدق وطهارة الثوار وصلت الرسالة إلى جماهير واسعة من الشعب فهب الشعب اليمني لمؤازرة الشباب بما فيهم شباب الأحزاب الذين أُبتليوا ابتلاء المؤمنين الصادقين في الشوارع والأزقة وتحملوا كل أصناف القمع والظلم والطغيان حتى استقروا في عناوين واضحة لا غموض فيها , هي ميادين الحرية و التغيير و هذا هو الوجه الحقيقي والمشرق للثورة !

أما الوجه الآخر والذي يجب أن نشخصه ونحلله ونوضحه لكي لا نحملَّه أكثر مما يحتمل ، فلابد من طرح الحقائق كما هي دون رتوش تُضلل المتعشم فيهم الخير . فالحقيقة التاريخية أن الأحزاب السياسية انضمت إلى الثورة بشكل متأخر بعد أن لاحظت التصاعد الكبير في الإقبال على المعتصمين من قبل الجماهير فأدركت أن البساط قد يسحب من تحت أقدامها وان أعضاءها وأنصارها بدأت تعي أن الإصلاح السياسي الذي روجت له سنين عديدة لم يعد له مكانا من الإعراب وان التاريخ قد أفرز القيادة الحقيقية التي تضحي من اجل الهدف ولا تبحث عن غنيمة ذلك الهدف. نزلت تلك الأحزاب( أو ما يسمى باللقاء المشترك ) بعد ترددها بخطة احتوائية ،لأن الهدف الرئيسي لها كان ولا زال هو إصلاح منظومة النظام أي الاشتراك في الكعكة دون مراعاة للقيم ولا لتضحيات البشر! وبحكم العمل التنظيمي والإمكانيات المادية والبشرية التي تتمتع بها بعض القوى وخصوصا التجمع اليمني للإصلاح بحكم تكوينه وعلاقاته بشرائح مختلفة من المجتمع مثل القبائل ورجال المال والأعمال التي حصل عليها بفعل تكتيكاته ودهائه مع النظام السابق أتيح له ما لم يتاح للأحزاب الأخرى فتوسعت قاعدته ،وكون تلك الأحزاب وعلى رأسهم التجمع اليمني
للإصلاح تفاجئوا بصمود الشباب الأسطوري وإرادته التي لم تلين أمام عنجهية النظام والياته القمعية متعددة الأوجه , نزلوا إلى الساحات بسيناريوهات الحوار الوطني ومن ابرز أركانه الشيخ حميد الأحمر الأمين العام للجنة الحوار الوطني ، والتي أُعدت قبل اندلاع الثورة لمواجهة النظام في أزماتهم المستفحلة بالماضي وبالتالي سهل عليهم إدارة الثورة بخطابهم واستراتيجياتهم التي سبق أن أعدوها وبإمكانيتهم المادية التي كانوا قد جهزوها ورويدا رويدا سيطروا على كل مفاعيل الثورة و تحكموا بها وأصبح ناطقو المشترك هم الناطقين الرسميين باسم الثورة , وأن لم يصرحوا بذلك وهذا هو أبشع الأوجه الأخرى للثورة , أي أظهروا الثورة بوجه ثوري ووجه سياسي فالوجه الثوري هو فعل الشباب الحقيقي ,والفعل السياسي هو فعل الأحزاب واللجنة التحضيرية الذين استثمرا كل فعل ثوري محاولين تعظيم العوائد وإظهار صورة الأحزاب العقلانية والمعتدلة والساعية للوفاق والاتفاق مع الشق الثاني من المعادلة -نظام صالح- وهكذا استمرت الثورة صعوداً وجموداً إلى أن جاءت جُمعة الكرامة فانضم إلى الثورة كل من اللواء علي محسن والشيخ صادق وكثير من فعاليات وقيادة المؤتمر والدولة والقيادات العسكرية نتيجة للفعل الشنيع في ذلك اليوم الحزين , وتعقدت المشكلة وكثر اللاعبون وتاه الشباب في هذا الانضمام ! هل سيسرع في انجاز الثورة أم سيعقدها ؟! وحصل جدل كبير وأزيلت صورة اللواء على محسن من قائمة المطلوبين برحيلهم وهذا هو وجه آخر للثورة (الوجه العسكري والقبلي والحزبي) ،أي تيار واسع من المصالح المشتركة حينا و المتقاطعة في حين آخر ، وفي مجملها متقاطعة كلياً مع ما خرج إليه شباب اليمن الثوار فتعقدّت المشكلة وتطورت بحروب عسكرية في الحصبة ,واقتصادية وخدمية بارتفاع الأسعار وانقطاع الخدمات مثل الكهرباء والوقود وما إلى ذلك ، كل هذه الأمور حيرت الشباب وأصبحوا مضطرين بعدم التصعيد إلا ما ندر، وقد يكون هذا التصعيد أو ذاك ضمن تعليماتهم عبر ما يسمون - اللجنة التنظيمية - المُشّكَلّة بالتقاسم (إنه الوجه الآخر) . نعم لقد مارس الشباب المسؤولية بكل اقتدار إذ لا يعقل أن يقومون بتصعيد وعاصمتهم أصبحت مقسمة إلى مربعات أمنية ضيقة وكيف يصعدون والقطاع الكبير الذي انضم إليهم له وجهة نظر مغايرة لهم !

وتوالت الأيام والأشهر وصالح يضع الشروط ويعدل في المبادرة ويعلن الموافقة ثم يرفضها ثم يُـــــــــوقِع وهـــــكذا .. بالمقابل القوى المنضمة شكلت لها إطارا ثوريا ليعبر عن الوجه الثوري الذي كان بمعية الشباب وسمي المجلس الوطني لقوى الثورة الذي كان بالأمس في معظمه بلجنة الحوار الوطني ،هذا المجلس انبثق عن الجمعية الوطنية باعتبارها من ساحات الثورة وان كان كذلك لكنها من الموالين لهم ، ولم تمارس اللجنة التنظيمية الإشراف على تشكيلها بل نزلت إلى الساحات للإشراف على انتخابها قيادات معروفة في المشترك ،بل والأكثر إزعاجا أن المجلس الذي أُعلن من قبل تكتل ثوري تترأسه الثائرة توكل كرمان قوبل بالاستنكار والرفض (إنه الوجه الآخر!)، وهكذا تحولت قيادة المجلس الوطني إلى سلطة تنفيذية في الحكومة حتى الآن!

وبعد التوقيع على المبادرة وإحياء المؤسسات التي فقدت شرعيتها منذ سنوات تم انتخاب الرئيس التوافقي ومورست الدعاية لهذا الاستحقاق الوفاقي أقل ما يوصف بأنه إرهاب فكري لمن له مواقف ضد الانتخاب أو الاستفتاء (إنه الوجه الآخر!!) .

لقد بات معروفا أن سقف القوى السياسية هو ما قد جرى و أنها لا تمتلك ولا ترغب في سقف أعلى ! فلماذا نطالبها بغير ذلك ولماذا نريد منها أن لا ترفع خيامها وقد حققت ما تريد ،ولكن الشيء المنطقي لماذا وقع الثوار في فخ هذه القوى وصدقوا أنها بهذا الفعل السياسي ستحقق كامل أهدافهم !

أخر نشاط الوجه الآخر في هذه الأيام هو السعي الحثيث للحوار مع الشباب وقد اتضحت الرؤية من خلال الإعلانات المدفوعة الأجر في التهيئة لهذا الحوار المنشورة في الصحف , وقد ظهر جليا من خلال هذه الإعلانات أن تعريفهم للشباب يختلف اختلافا جذريا عن فهم الثوار ، فقد بينوا بشروط الحوار لمن هم خارج الساحات باستيعاب كل من تعرض لمسيرات الشباب وانزل جرحا وقتلا بهم (إنه الوجه الآخر!!) فحذار أن تقعوا فريسة لهم وتقبلون الحوار معهم تكونون قد فرطتم بدمائكم وشهدائكم !

بعد كل ما عرفتموه من أن القوى السياسية هي الوجه الآخر للنظام ،فلم يعد جائزا ولا مقبولا أن تستمروا في جعلهم من يقودون مفاعيل الثورة لا هم ولا من يمثلهم في اللجنة التنظيمية ،لأنه لو استمر ذلك ستصبح الثورة الأولى في العالم التي تصف صانعيها بالسذَّج ،إلى هنا وكفى ! شكلوا قيادتكم أيها الثوار ومن أراد أن يتبع خططكم فمرحبا ومن أراد غير ذلك فلا شأن لكم به ، أنقذوا ثورتكم حتى ولو رجعتم إلى ما بدأتم به أي- الإدارة الافتراضية الالكترونية - , عليكم أن تجيبوا بأمانة هل انتم راضون على أوضاع ساحاتكم ،فان لم تكونوا راضين فاشحذوا هممكم وأبدعوا في طرق جديدة تقلب الطاولة على من يريد استخدامكم وتفاجئ القابعين خلف متاريسهم من أنكم قوة تحقق أهدافها في الزمان واللحظة التاريخية التي تختارونها دون أن يمنعكم مانع والله ناصركم إن عزمتم ،لأن الكل صار معروفا لديكم ،فأشعروهم من أنكم قد تعلمتم ،وبالصبر قد ناضلتم ،وبالمرافقة قد خبرتم ،وعلى السياسة قد تدربتم ،وعلى المكيدة قد أحطّم ،وان غدا بإذن الله منتظركم ،وما جرى قد حصنّكم من إحباطكم وان الماضي قد صار خلفكم وان اليمن الجديد هو مستقبلكم ،،،،،