السبت ، ٢٧ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠١:١٠ صباحاً

الثورة المصرية وعبور القنطرة

رضوان محمد السماوي
الاثنين ، ١٨ يونيو ٢٠١٢ الساعة ١٢:٤٠ مساءً
نحن في ثورة عظيمة تواجه جميع أنواع المؤامرات المحلية والإقليمية والدولية ، ربيع المسلمين تفتحت أزهاره من تونس الخضراء ، التي كنا ظننا أنها أصبحت جدباء لا تُمسِك الماء ولا تُنبٍت الزرع ، هذه المعاني لا بد أن ترنوا إليها أعيننا ونحفرها في قلوبنا ، لقد ووجهت ثوراتنا بكل صنوف الكيد والمكر والحرب العلنية والخفية ، اليوم نواجه حرباً من طراز جديد حرب العقول والقلوب على طريقة الوزير رامسفيلد ، حرب نفسية تريد أن تشيع في قلب وعقل كل مسلم مثقف أو بسيط ، أن هذه الثورات سراب بقيعة لا وجود لثمراتها في أرض الناس اليوم ، مشكلتنا في الفساد السياسي ولابد من التركيز على هذا الجانب ، الحرية وتوازن القوى وتسوية الملعب السياسي هو مفتاح الحل للوصول إلى الرخاء وتحسين مستوى الناس في كل المجالات وعلى مختلف الصعد ولذلك علينا أن نتنبه إلى هذه الوسائل وأن نستعد لكل مرحلة ونبري سهام كل مواجهة بما يناسبها .

الثورة المصرية جاءت في ظل تداخلات محلية وإقليمية ودولية ، فعلى المستوى المحلي جاءت الانتخابات المصرية في ظل تجاذب مقيت وذاكرة مثخنة بالخوف والشك المتبادل بين الإسلاميين والقوميين خصوصاً بعد الأخطاء القاتلة التي ارتكبتها قوى الثورة من القبول بالتحرك السياسي في ظل قيود وكوابل النظام السابق .

قوى الثورة غرقت في رمال النظام السابق المتحركة بداءاً من الهتاف الشهير ( الجيش والشعب إيد واحدة ) ووضع القُبلات البريئة على تلك الجباه الغليظة مروراً بالاستفتاء على الإعلان الدستوري وانتخابات مجلس الشعب وصولاً إلى الانتخابات الرئاسية .

لقد جرت فرملة الثورة على نار هادئة في ظل أجواء ضبابية محلية وإقليمية ودولية وصولاً إلى محاولة قتلها وتسديد رصاصة القضاء القاتلة في جسد الثورة الطاهر .

مصر هي البوصلة التي تحدد اتجاه الرأي العام في العالم العربي ، الثورة المصرية هي الطوفان الهادر الذي اقتلع ركام الزيف والقهر والتسلط في عدد من دول المنطقة ، والفرصة لازالت مواتية للبقية.

لقد جاءت الانتخابات الرئاسية المصرية كحلقة في مسلسل محاولة إفشال الثورة هذه الانتخابات التي جرت في ظروف بالغة التعقيد ، فعلى المستوى المحلي جرت العديد من الممارسات التي خلخلت الصف الإسلامي والقومي مما حداء بالجميع بالدخول في الجولة الأولى بشكل مشتت وممزق في جو مشحون بالشك وفقدان الثقة ، الأمر الذي جاء بالنتائج على النحو الذي نعرفه جميعاً .

لقد تبادلت جميع الأطراف التهم من القول بمحاولة التيار الإسلامي الاستئثار بالسلطة وفرض لون محدد من التدين ومنع الحريات حتى قال أحدهم أنه يفضل أحمد شفيق ليموت في مواجهته شهيداً على مرسي الذي لو خرج عليه فإنه يكون قد خلع رقبة الإسلام من عنقه ، في المقابل يرى الإسلاميون أنهم تعرضوا لحملة ظالمة وجرت شيطنتهم من قبل النخب الإعلامية والفنية والثقافية .

وفي تقديري أن الكل شارك في نمو هذه الفجوة إضافة إلى الذاكرة المثقلة بالوقائع الأليمة بين الطرفين .

لقد مرت المرحلة الانتقالية في فترة تزيد عن السنة والنصف عمل فيها المجلس العسكري على استعادة قوة النظام وترتيب صفوفه الأمنية والإعلامية ، كما عمل على إرباك التشريع القانوني فيما أسماه الإعلانات الدستورية بالإضافة إلى التلكؤ في محاكمة رموز النظام السابق وما صاحب ذلك من المظاهرات .

والتباطؤ في إعادة تشكيل مجلس الوزراء وإقالة رموز النظام أولهم شفيق والذي لم يستجب المجلس العسكري لذلك المطلب إلا بعد التهديد بمظاهرات مليونية من شباب الثورة ، وذلك في 4مارس 2011م وتكليف عصام شرف مرشح الثورة للحكومة .

لقد عمل النظام على إرباك الحياة العامة المصرية بافتعال الأزمات في الغاز والبنزين والانفلات الأمني وهو ما أصطلح عليه بعض المصريين التدخل السلبي للدولة العميقة ولا ننسى التصريح الشهير للمرشح الفلولي شفيق وأنه سيعيد الأمن في ظرف 24 ساعة حال فوزه .

في تقديري أن الأحكام القضائية التي أصدرتها المحاكم المصرية بحق المخلوع مبارك وأولاده وأعوانه كان الهدف منها إعادة الحياة في جسد الفلول المفكك وبث روح الوصولية فيه وبعث روح الأمل في بعض ضعفاء النفوس بأن أولئك من الممكن أن يعودوا وبالتالي تعود شبكة المصالح التي تدفع البعض للتصويت للفلولي .

حكمي الدستورية العلياء تقوم على إستراتيجية الصدمة والترويع (التي استخدمتها أمريكا في غزوها للعراق في 2003 م ) للتأثير في الفئة المحايدة ودفعها إلى التصويت لشفيق خوفاً من المجهول وطلباً للأمن والسلام الذي لاحظناه في كثير من تعليقات المصريين على الفضائيات .

من الناحية الإقليمية فالهاجس اليهودي في فلسطين والذي نظر إلى الثورة المصرية بأنها خطوة على طريق إزالة الدولة اليهودية ، وأنها خطر حقيقي يتهدد كيان الدولة المسخ في فلسطين ولا ننسى إنزال العلم وإقفال السفارة وطرد السفير اليهودي من القاهرة وحادثة قتل اليهود لعدد من الجنود المصريين في سيناء وإجبار اليهود على تقديم الاعتذار وحوادث تفجير أنبوب الغاز المتتالية والتصريحات والدراسات اليهودية التي كلها تحذر من الخطر القادم من مصر ولا ننسى الدكتور أبو الفتوح والذي اعتبر فيه دولة يهود عدواً في مناظرته الشهيرة مع موسى ، وكذا المهرجان الانتخابي الشهير لحزب الحرية والعدالة والذي قال فيه الدكتور صفوت حجازي أن هذه الثورة هي السبيل إلى تشكيل ما سماه الجمهورية العربية وعاصمتها القدس الشريف .

جاءت الضغوط والآثار الإقليمية نتاج لتصرفات الإخوان في دول أخرى مثل تونس واليمن وغيرها ، فمحاولة الإقصاء والتهميش الذي تعرضت له جبهة العريضة الشعبية في تونس والتي يقودها الدكتور الهاشمي الحامدي وإلغاء خمسة مقاعد له في التأسيسية بتهمة بقايا نظام بن علي ؛ وهذا كان له انعكاس سلبي على الأداء الإعلامي لقناة المستقلة وتبنيها خطاب يركز على سلبيات الإخوان وتناقضاتهم ولا ننسى ضيوف الحلقات الدائمين أشرف السعد رجل الأعمال المصري المعروف والدكتور أحمد صابر المعارض القومي اليساري البارز.

حالة الخوف والهلع المسيطرة على الأنظمة الملكية والجمهوريات العسكرية في الوطن العربي وبالذات دول الخليج عدا قطر ظاهرياً والسعودية والأردن والجزائر والمغرب وموريتانيا وغيرها والتي دفعت بدرجات متفاوتة في سبيل إفشال التجربة الوليدة في مصر ؛ ذلك أن الثورة المصرية شجعت على إسقاط نظامين ديكتاتوريين في المنطقة وهما اليمن وليبيا وعملت على إشعال ثورة متقدة في سوريا وأخرى طائفية باهتة في البحرين ، والفرص لا زالت مواتية في بقية الدول ، فالحراك الشعبي لا زال قائماً في موريتانيا والأردن والمغرب والجزائر والسعودية وإن بدرجات متفاوتة ، لا ندري متى تهدر حناجرها ويستعر أوارها .

الحسد الإقليمي والتوجس الشيعي في إيران والعراق ولبنان وسوريا الأسد ، أدى إلى تبني سياسة إعلامية تفت في عضد الثورة المصرية وتشكك في وطنية تيار عريض من القائمين عليها وهم الإخوان المسلمين والسلفيين وذلك بالتركيز على ما قيل أنه تحالف جديد في المنطقة تسعى بالتنسيق إليه الولايات المتحدة مع القوة الجديدة الوليدة وآخرها ما نشرته قناة الميادين من أخبار تركز على ما أسمته لقاءات ضمت أعضاء من مجلس الشعب المصري وأعضاء من الكنيست اليهودي والكونجرس الأمريكي في الولايات المتحدة ومحاولة إظهار الثورة في مصر بأنها عبارة عن إعادة اصطفاف سني في مواجهة الرغبة في التحرر الشيعي في البحرين مثلاً ، كما أن إيران تفضل عدم وجود دولة سنية قوية قد تسحب البساط من تحت دولة الممانعة وجبهتها التي تصرخ( بالموت لأمريكا وإسرائيل ) وتتلفع إعلاميا ً بالقضية الفلسطينية .

أمريكا سياستها في المنطقة العربية قائمة على ضمان أمن دولة يهود وتفوقها والحفاظ على معاهدة كامب ديفيد والتزامات الدولة المصرية الجديدة تجاه تلك المعاهدات .

ما تراهن عليه أمريكا في مصر هو سيناريو القوة الناعمة والاعتماد على قوة المؤسسة العسكرية في الحفاظ على الثوابت سالفة الذكر ، مصر دولة متجانسة دينياً وعرقياً ؛ ذلك أن الأغلبية فيها مسلمون سنة ولا وجود فيها غالباً لأقليات أو عرقيات إذا استثنينا النصارى ، وبالتالي فخيار الفوضى والمواجهات في مصر غير واردة أمريكياً ولا خليجياً ، وما جرى ويجري اليوم هو ترويض للجماعة الاخوانية والحركة الإسلامية التي تصرفت بصورة تنم عن طيش وسفه سياسي يتحدث عن جمهورية عربية عاصمتها القدس الشريف ، الإخوان والحركة الإسلامية والقومية ونجاح الثورة المصرية ليست نهاية المطاف ، بل هو خطوة على الطريق في سبيل استعادة الأمة مجدها وكرامتها ، وما لا يدرك كله لا يترك جله ، لا نريد شعارات جوفا لا تسمن ولا تغني من جوع فلا أرضاً قطعنا ولا ظهراً أبقينا

على الأخوان والحركة السلفية والقومية إعادة صياغة خطابهم السياسي وتوجههم القومي ، وأن هدفهم المرحلي هو إعادة بناء الإنسان المصري وتأمين الخدمات له وتأهيل وبناء مؤسسات الدولة ، مثل هذا الخطاب يرسل رسائل مطمئنة للمحيط الإقليمي والدولي وأن هؤلاء همهم داخلي ، وبالنسبة للقضايا القومية والإسلامية فلا بد من تخفيف الحديث عنها لا سلباً ولا إيجاباً ، وإذا لم تستطع أن تقول الحق فلا تقول الباطل ولدينا من تراث فقه الاستضعاف والتحرك وفق القدرة والاستطاعة وأن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها ،( وبإمكان ولي أمر المسلمين السيد علي خامنئي والذي مضى على ثورته ما يقرب على ربع قرن والتي قد اشتد عودها إعلان الجهاد لتحرير منطقة الخليج ومياها الإقليمية من القواعد والأساطيل الأمريكية وتحرير المسجد الأقصى ونحن معه جنود طائعين مخلصين) .

أمريكا دولة مؤثرة في هذه المنطقة شئنا أم أبينا ، الثورة الخمينية لم يكن لها أن ترى النور لو وقفت أمريكا مع حليفها منتهي الصلاحية شاه إيران ، كما تقف روسيا اليوم مع قاعدتها المتقدمة سوريا ، رفع الغطاء الأمريكي عن الشاه وعديد الرسائل التي تلقاها بأن عليه تسليم السلطة ولا حاجة لمزيد من الدماء .

الواقع اليوم في العراق وسوريا وليبيا يؤكد أن الوصول إلى سدة الحكم لا بد وأن يمر عبر القنطرة الأمريكية .

الروس وضعهم مضطرب بسبب النظام الديكتاتوري الذي يمارسه بوتين ولذا فهم يرون في الثورة المصرية قدوة سيئة يظهر ذلك من خلال الموقف الروسي وتغطية قناة روسيا اليوم ، وآخر المؤشرات التي ظهرت على السطح هي المظاهرة التي خرجت قبل يومين في إحدى ساحات موسكو والتي جعلت من شعار الثورات العربية الشعب يريد إسقاط النظام هو كبير الشعارات هناك .

الدخول في المرحلة الثانية من جولة الإعادة المصرية له من المكاسب بقدر ما عليه من الخسائر يظهر ذلك من خلال أن الدخول في الجولة الثانية يمنح الشرعية التي تطالب بها الثورة ، والتي ستكون سبيلاً للمطالبة بتسليم السلطة والتخلص من تهمة الفوضى والذهاب بالبلد نحوها ، وهي مغامرة قد تتسبب في فقدان الثورة كل المكاسب التي حققتها ووأدها والوقوع تحت سندان الكبت والتضييق مرة أخرى وإعطاء الشرعية للمرشح الفلولي بالدخول في العملية الانتخابية ، فرص الثورة قوية في الوصول إلى استكمال مسيرتها سواء نجح مرسي وهو الغالب أو فاز شفيق ، فالثورة مستمرة مهما كانت النتائج .