السبت ، ٢٧ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٤٤ صباحاً

شباب الثورة اليمنية وفخ الثورة المضادة!!!

د . عبد الملك الضرعي
السبت ، ٠٧ يوليو ٢٠١٢ الساعة ١١:٤٠ صباحاً
سبق وأن كتبت موضوعاً في تأريخ17/3/2012م حول تدشين الرئيس السابق للثورة المضادة وقصدت بالتدشين البداية العلنية ، وجاء ذلك مع إحياء الذكرى السنوية الأولى لجريمة جمعة الكرامة ، أما البداية الحقيقية غير المعلنة فبدأت منذ الوهلة الأولى لخروج شباب الثورة إلى الساحات والميادين ، ولكن من سؤ حظ المراحل الأولى حدوث أخطاء قاتلة كادت تودي بحكم الرئيس السابق وأبرزها جريمة جمعة الكرامة التي كونت إصطفاف وطني لإسقاط حكم عائلة صالح وحزبه ، ومنذ ذلك التأريخ غيرت الثورة المضادة من أساليبها العلنية وبدأت بوضع الخطط السرية التي تضعف الثورة من داخلها ، وكون الثورة ثورة شعب وساحات التغيير والحرية مفتوحة لكل اليمنيين ، فبدأت الثورة المضادة بتشتيت مواقف القوى الثورية وإثارة الصراعات فيما بينها ، ومع ولوج الطرف الخارجي في المأزق السياسي اليمني بدأت مرحلة جديدة من الثورة المضادة تمثلت باستدراج بعض القوى الثورية إلى مربع المبادرة الخليجية ، وظهرتباين في المواقف من المبادرة الخليجية وبدأت أطراف إقليمية أخرى تزيد من تدخلها في ساحات التغيير والحرية نكاية في رعاة المبادرة الخليجية ، كل تلك التدخلات أضعفت من تماسك قوى الثورة وأظهرت إستقطابات جديدة داخل الساحات .

لقد مرت ساحات التغيير والحرية بمرحلتين من الإستقطابات الأولى للقوى السياسية الداخلية بما فيها المؤتمر الشعبي العام الذي التحقت بعض كوادره بقطار الثورة ، وفي المرحلة الثانية دخلت الإستقطابات الدولية ممثلة بأطراف إقليمية ودولية حتى وصل الأمرإلى أن يصبح الإتحاد الأوربي جزء من تلك الإستقطابات.

من المؤسف أن نتابع بكثير من القلق ما يدور هذه الأيام داخل ساحات التغييروالحرية في صنعاء وعدن وتعز وغيرها من الساحات ، وكذا عبر وسائل الإعلام المؤيدة للثورة ، مايدور من جدل ونقاش حول قضيتين الأولى إشراك الشباب في الحوار الوطني الذي يعد أحد إفرازات المبادرة الخليجية ، أما القضية الثانية فتتعلق بتطور الأحداث في المحافظات الجنوبية الذي يسير في اتجاه يبتعد كثيراً عن مسيرة الثورة الشبابية وأهدافها المعلنة.

وبصورة عامة يمكن القول إن ما يحدث يمثل جانباً من الثورة المضادة التي خُطط لها ولتوضيح ذلك يمكن الإشارة إلى ما يلي:
1- لقد استطاعت ثورة الشباب تضميد جراح الوطن وتوحدت المواقف حول الوحدة اليمنية في الشمال والجنوب وخفت صوت الإنفصال ،وخرج إبن عدن مصطفاً مع أبن صنعاء ليس في مدينة وعدن وحسب بل حتى في صنعاء التي تساقط في شوراعها عدد من أبناء عدن والمحافظات الجنوبية ، وبنفس الدرجة كانت منصة صنعاء تعلن تضامنها مع كل قطرة دم تراق في عدن وغيرها من المحافظات الجنوبية ، ولكن من المؤسف أن تتمكن قوى الثورة المضادة من إضعاف ذلك النجاح من خلال زرع الفتن والمشكلات والصراعات في المحافظات الجنوبية ، كما أن الثورة لم تحقق التحول المنشود في تلك المحافظات والمتمثل بجبر الضرر الذي تعرض له بعض أبناء المحافظات الجنوبية ، كما ظلت الأراضي والعقارات المنهوبة في يد ناهبيها ، فضعف الأمل في نجاح الثورة وتصاعدت مرة أخرى الأصوات المطالبة بالإنفصال.
2- تمثل السلطة التشريعية أحد السلطات الهامة في عملية التغيير ، وفي وضعنا الحالي لازال المجلس بشخوصه وآلياته قائم على الرغم من إنتهاء ولايته منذ سنوات ، وذلك المجلس جزء من السلطة التي قامت الثورة لإسقاطها، ولكن للأسف فالحال لم يتغير فعليك بفتح تلفزيون صنعاء لتعرف هل تغيرفي مشهد مجلس النواب منذ سنوات شئ ، ستكتشف أن الحال كما هوعليه ، على الرغم من ظهورفيديو لرئيس المجلس في موقف تحريض على العنف ضد شباب الثورة!!!
4- تشكل الحكومة بمظهرها الحالي صورة طبق الأصل من الحكومات التي ألفناها لعقود ، فهي بشكلها الكلي وشخوصها لاتختلف كثيراً عن حكومات المؤتمر السابقة ، وبالتالي لم تمثل خياراً جديداً يهابه الفاسدون ، وتلك الحالة جلبت الإطمأنان والأمان لرواد الفساد الذين نشروا روائح فسادهم الكريهة في كل وادي وصحراء وجبل وساحل وبر وبحر من وطننا الحبيب!!!
5- رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي على الرغم من حصوله على الشرعية الشعبية عبر صناديق الإقترع - مع وجود بعض الملاحظات على إستكمال الشروط الديمقراطية في عملية الإنتخابات- مع كل ذلك حتى الآن لم يمارس صلاحياته من داخل القصر الرئاسي بشكل كامل وهو يؤكد على ذلك صراحة ، ويرجع ذلك لعدة أسباب أهمها أن الرئيس عبدربه منصور هادي كان جزءً من السلطة السابقة منذ عقود ومن الصعب عليه فك إرتباطاته بها بشكل كلي، وبالتالي تبرز بين الحين والآخر تساؤلات بريئة من يحكم اليمن .
6- على الرغم من سقوط مئات الشهداء والاف الجرحي فإن المشهد التفصيلي للحياة الإدارية المؤطر بالفساد لازال قائماً ، مع أن السبب المباشر لإنتفاضة طلاب جامعة صنعاء في شهر يناير2011م كان بسبب حالة الفساد في جامعتهم ، وللأسف لازال الفساد قائماً وبشخوصه في تلك المؤسسة الرائدة حتى الآن ، وما تعيين العشرات من الأكاديميين بكشوفات جماعية وفي شهريونيو2012م وبأوامر الرئيس السابق المخالفة للقانون إلا إشارة على دوام حال تلك الجامعة كجزء من السلطة السابقة، ولذلك دلالة بالغة من قبل الثورة المضادة فأتباع السلطة السابقة يقولون من المكان الذي إنطلقت منه الثورة لازلنا ننفذ توجيهات رئيسنا ومن نفس هذا المكان المحاط بساحة التغيير نقول لمن يتوهم الثورة أنكم لم تفعلوا شئ في جامعة يوجد فيها النخبة الإجتماعية وفي جامعة إدعت نقابتها مساندتها لثورة الشباب ، وكما أن هذا حال جامعة صنعاء فالحال كذلك في غالبية مؤسسات الدولة التي لازالت حتى الآن تمارس أنشطتها التي إعتادت عليها منذ عقود ، ويديرها رموز من السلطة السابقة على الرغم من ملفات فسادهم التي تزدحم بها أرفف الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وإن تم استبعادهم
قيل ياويلتاه هذا يناقض حالة الوفاق والمبادرة الخليجية وهذا إقصاء وتهميش وووإلخ!!!وكأن المكتوب على شعبنا المغلوب على أمره أن يتعايش مع الفساد والفاسدين وكأن فسادهم حق ، وسكوت الشعب واجب.
7- على الرغم من أن المبادرة الخليجية أشارت في بعض بنودها إلى ضرورة تبني الحكومة للشفافية والحكم الرشيد ، إلا أن (صميل المجتمع الدولي ) أعمى البصر والبصيرة فلم يرى من المبادرة إلا ما ظهر على السطح ، أما الشفافية والحكم الرشيد فإنه ترف لايحتاجه اليمنيون.
8- من المؤسف أن تتحالف قوى تدعي الثورية مع رموز السلطة السابقة ، وتسخر لذلك الغرض قنواتها وصحفها ومواقعها الإعلامية ، وتوهم الرأي العام أن ذلك نقد بريء لشركاء الثورة وتصيحح لمسارها، وتلك اللعبة الخفية مثلت الأداة الفعلية للثورة المضادة ، والتي تركزعلى ضرب الثورة من داخلها ، ونقول لمثل هؤلاء ميثاق شرف أي ثورة في العالم لايجيز الإصطفاف مع من قامت الثورة ضدهم ، فلا يعقل أن تكون ثائراً ورجعياً في نفس الوقت .

إن ثورة التغيير اليمنية تمر بواحدة من أصعب مراحلها الوجودية ، والخطورة في الأمريتعلق باستدراج القوى الثورية إلى مربع الحوار الوطني ، ونقول الحوار شيء طيب وإيجابي ، ولكن ما يحدث الآن هو إستمرار لتشتيت الساحات وصرفها عن الخيارات الثورية إلى الخيارات الحوارية التي ألفتها اليمن منذ عقود ، كما أن تلك الحالة سمحت بتدخل أطراف داخلية وخارجية في مسار الثورة تلك الأطراف بعضها خفي وبعضها علني ، وعلى وجه الخصوص التدخل المحمول على رافعة الدعم المالي الخارجي ، إن استدراج قوى الثورة إلى ذلك المربع سيعطي وقت إضافي لفعل قوى الثورة المضادة ، ويشتت المواقف داخل الساحات ، وذلك كله يتيح مساحة أكبر لحركة القوى المضادة لثورة الشباب الشعبية السلمية.

أخيراً يمكن القول أن ثورات الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا أنجزت أهدافها في وقت قياسي وكان آخرها الثورة المصرية التي أوصلت أحد رموزها إلى رئاسة الدولة وأودعت الرئيس السابق زنازين سجن(طره) وكذا رئيس وزرائه ورئيس مجلس الشعب ومجلس الشورى وعدد من المعاونين والأبناء، وفي تونس أصبح رئيسها هارباً من أحكام قضائية بسجنه لعشرات السنين ، وفي ليبيا لم يعد للزعيم وجود ورئيس وزراء حكومته في قبضة القضاء ، أما في اليمن فالحال يعلمه الجميع فلازال الرئيس السابق هو الزعيم وهو الشخصية الأقوى ولازال حزبه يحكم ، في اليمن لازال الحزب الحاكم سابقاً يراجع أخطاء الماضي ويعيد إنتاج فعله السياسي بهدف العودة مرة أخرى للحكم ، فهم قالوها مع إندلاع الثورة إنها سحابة صيف ستنقشع؟؟؟فياترى هل تستطيع الثورة المضادة إعادة العجلة إلى الخلف؟؟؟الإجابة على ذلك مرهون بوضوح المسار الثوري ووجود ميثاق شرف ثوري يؤدي إلى تجريم الإصطفاف العلني أو السري مع من قتل شباب الثورة ، أما أن يستمر الحال على ماهو عليه فذلك في غاية الخطورة وسيزيد من المشكلات والمصاعب التي تهدد حاضر ومستقبل الجمهورية اليمنية.