الجمعة ، ٢٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:١٥ صباحاً

من يمتلك الصوره .. يملك الحقيقة

بشير المصباحي
الخميس ، ٠١ يناير ١٩٧٠ الساعة ٠٣:٠٠ صباحاً
عندما نقرأ مقالا أو تحليلا سياسيا في صحيفة الأندبندنت مثلا أو نيويورك تايمز أو الجارديان أو الواشنطن بوست أو غيرها من الصحف العالميه يكاد الناس أن يجزموا بتصديق ذلك التحليل أو المقال ويتعاملوا معه على أنه أمر حتمي ويتم الإستناد إليه في توقع ما يمكن حدوثه وتتناقله مختلف وسائل الإعلام العربية والغربية على حد سواء على أنه مصدرا لتأكيد خبرا ما أو نفيه ، ولا غرابة في ذلك حيث أن الدول التي تحترم نفسها تتيح لشعوبها أن تحصل على المعلومة من المصادر المختلفة وتكون متاحة أمام الجميع خاصة ما يتعلق منها بالقضايا التي تمس الشأن العام والمثارة على الساحه بوجه الخصوص وهذا ما تقوم بتوفيره الأنظمة الديمقراطيه لشعوبها بمختلف الوسائل والطرق الممكنه حتى تستطيع القيام بإستنتاج التحليلات السياسية بدقة كبيره أقرب ما تكون إلى الواقع نظرا لتوفر المعطيات التأريخيه والواقعيه وإتضاح الصورة بشكل كامل.
أما في بلداننا العربية فإن صورة الأحداث الحقيقيه تكاد تكون غائبة تماما عن المشهد السياسي العام فوفقا لأنظمتنا المستبده فإن أقصى ما يمكن أن تصل إليه الحريات العامة أن تسمح لك أن تسأل عن أنواع الطعام أو الشراب و إذا تعدى الأمر ذلك فلا بأس أن تسأل عن أخر الأخبار الرياضيه ولا ضير أن تفكر أو تسأل عن إحدى الحسناوات لإصطحابها إلى أحد الفنادق أو الفلل الفارهه لقضاء ليلة ممتعة معها ، طبعا مع إشتراط أن تحمد وتشكر السلطان على كل تلك الأجواء من الحريات والنعم التي يقدمها لشعبه.
هذا الأمر يقودنا وبكل شغف للتساؤل عن حقيقة ما حدث في جامع النهدين لرئيس الجمهوريه وكبار مسئولي الدوله وماهو حقيقة الوضع القائم لهؤلاء ومن صاحب المصلحة في تنفيذ ذلك الحادث الإجرامي وإلى أين وصلت التحقيقات الرسميه ؟ وما هي الإستنتاجات التي يمكن أن نبني عليها توقعاتنا لما يمكن حدوثه لاحقا من إنعكاسات على الساحة العامه نتيجة لذلك؟؟؟
من حق أبناء الشعب اليمني أن يطالبوا بنشر الحقيقة موثقة بالصوت والصوره والتي أعتقد أن أهمية ذلك لا تقل عن أهمية ما يدور من حراك على الساحة الوطنيه لأننا سنبني على تلك النتائج الأبعاد والإستراتيجيات لبناء مستقبل اليمن الجديد ، حيث أنه ومن خلال الحقيقة يمكننا أن ننظر بعين ثاقبة لمعرفة أوراق اللعبه ومن يدير إستخدامها حتى ننطلق بخطى واثقه وأن نعمل على تجاوز مربع الإرهاصات والإحباط الذي سيطر على حياتنا ومقدراتنا منذ عام 1962م.
وبالعودة للأحداث الأخيره التي شهدها جامع النهدين والتناقضات التي بدت واضحة في إستعراض الحدث وما تلاه من تطورات نجد أن بعض الأخبار تتحدث عن عودة الرئيس المحتمله لممارسة مهامه والبعض الأخر منها ينفي عودته تماما لعدم ثقة الرئيس بمن حوله وبالتالي خوفه من تكرار ما حدث يجعله يراقب ما ستؤول إليه الأمور في البلد عن بعد.
وبعد أيام قليلة من الحادث قام بعض المسئولين الأمريكيين والأوربيين بالإفصاح عن حالة الرئيس الخطره والذين وصفوها بأخطر بكثير مما يتوقع في الأوساط العامه وما تبثه وسائل الإعلام من تصريحات ، وفي نفس الوقت يظهر بعض الساسة ليؤكدون لنا عدم رغبة أمريكا بعودة الرئيس لليمن وأنها قد قامت بدورها بتهديده بتجميد أرصدته بعشرات المليارات من الدولارات إن هو فكر في العودة مجددا لممارسة نشاطه السياسي.
كما أن بعض السياسيين والمحللين يتحدثون عن وفاة الرئيس وأن المملكة العربيه السعوديه وبموافقة وإشراف أمريكي تتحفظ على جثته حتى يتسنى لها ترتيب أوراقها لما بعد مرحلة صالح وأن تحافظ على تواجدها الدائم وإستمرار إمساكها بخيوط اللعبة السياسيه في اليمن الذي تعتبره أرضا وإنسانا بمثابة حديقة خلفية للمملكه ، إلا أن محللين سياسيين أخرين يقولون أن المملكه تقوم بإخفاء الصوره الحقيقيه للوضع الصحي للرئيس ومساعديه بالتنسيق أيضا مع الجانب الأمريكي لممارسة التعتيم الكامل على الموضوع لأن مصادر القرار في البلدين تخشى من إضطراب الأوضاع في اليمن وإنعكاسات هذا الأمر السلبيه عليهما وتهديد أمنهما السياسي والإقتصادي والعسكري على المدى القريب والمنظور وبذلك فالجانبان السعودي والأمريكي يعملان ما بوسعهما لضمان إستخدام الحقيقه كورقة خاصة بهما دونا عن غيرهما سواء كان الرئيس ما زال على قيد الحياه أو أنه قد أصبح جثة هامده.
وإذا أتجهنا أكثر في محاولة تحليل الأحداث فإننا سنجد أن قناة العربيه التي تديرها وتمولها شخصيات قياديه في المملكه قريبة من مصدر القرار ، هذه القناة عندما بثت خبر وصول الرئيس إلى الرياض كانت تتحدث على لسان أحد مصادرها أن الرئيس نزل من الطائره وتوجه للسيارة التي سوف تقله للمستشفى سيرا على الأقدام وأن صحته مستقرة ، نفس القناة وقبل بضعة أيام ظهرت لنا برواية جديده ربما تكون عن طريق نفس المصدر الأول تتحدث عن أن الرئيس وصل المستشفى محمولا وأن حالته الصحيه في تدهور مستمر.
أما التعويل على مصادرنا الرسميه فلا يمكننا حقيقة تناول الحدث من خلال ما بثته أجهزتها الإعلاميه أو ما أدلت به قيادات الدوله كون تناولها للمستجدات خارجا تماما عن نطاق الأحداث كما هو خارج عن سيطرتها بكل تأكيد ، ولا يبدو أنها تملك من الحقيقة شيئا يجعلنا نعول عليه في إستقاء المعلومة أو نشرها وتحليلها وفقا لتلك المصادر التي لا حول لها ولا قوة فنائب وزير الإعلام ورئيس وكالة الأنباء اليمنيه والجهاز الإعلامي للدوله وبحسب ما ظهر مؤخرا فإن الجميع يتلقى الأخبار من خلال قنوات السي إن إن والعربيه والبي بي سي وأحيانا يكون حديثهم من باب الرد على ما تنشره قناة الجزيره أو سهيل ، وأكبر دليل على ذلك تلك التصريحات التي تناولتها وسائل الإعلام المحلية والدوليه نقلا عن هؤلاء بخصوص حالة الرئيس الصحيه فور وقوع الحادث ونفيهم التام لخبر سفره بل إنهم كادوا أن يقطعوا جازمين بعدم تعرض الرئيس لأي أذى وبعد أن بثت القنوات الإخباريه خبر إنتقال الرئيس للسعوديه لم يجدوا حينها من خيار أمامهم سوى ترديد ما بثته تلك القنوات وبكل إشفاق على هؤلاء فإن ذلك لا يعدو عن كونه نوع من الغباء السياسي الفاحش.
وحقيقة القول فإن الأحداث الأخيره برهنت لنا مدى هشاشة النظام السياسي اليمني ، وأن مجرد التفكير بأن اليمن يمتلك قراره السيادي على أرضه وشعبه ما زال مرهونا بدراسات وأبحاث وندوات تقيم لنا الواقع الأليم الذي نعيشه في بلدنا ونحدد من خلال ذلك التقييم نقطة الإرتكاز التي يمكننا من خلالها البحث عن هويتنا اليمنيه التي أفتقدناها منذ زمن بعيد والعمل على إستعادتها من خاطفيها حتى نتمكن من تحرير قراراتنا الوطنيه من كافة أنواع الوصايات الإقليمية منها والدوليه وحسابات المصالح والنفوذ الأجنبي بتعدد أوجهه وإتجاهاته.
وللحقيقة وجه شديد المرارة أيضا يتمثل بأننا وعلى ما يبدو وفي إطار السقف الوطني من معارضة وحزب حاكم وكافة القوى السياسيه في الساحه لا نستطيع تحديد مصالح أمتنا ومستقبل أجيال اليمن القادمه إلا من خلال تلك القوى نفسها ولا نملك سوى الإنتظار لما تتفضل به علينا تلك القوى الإقليمية والدوليه وأن نظل رهنا لحساباتها في المنطقة وفي اليمن خصوصا.
وحتى تنتهي من لعبتها السياسيه الحاضرة في اليمن والتي أصبحت معها كل الأحداث في الساحة عبارة عن قطع شطرنج تحركها متى وكيفما شاءت فإننا سنظل نردد مقولة إن من يمتلك الصوره يملك الحقيقة التي لا يملكها اليمنيون قطعا ، وبالمقابل فإن من يملك الحقيقة لا يبدو أنه سيمنحنا إياها بدون ثمن يتم دفعه من قبلنا وعلى حساب حاضر ومستقبل الأمة اليمنيه وكما جرت عليه العاده في مختلف التحولات والمنعطفات التأريخية التي مرت بها بلادنا في تأريخها الحديث والمعاصر ، ذلك إن نحن لم نتدارك أنفسنا ونعمل على تأمين مصالح اليمن ومستقبل أجيالها بإرادة وطنية خالصه قبل فوات الأوان.