الخميس ، ٠٩ مايو ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:٥٥ صباحاً

مبارك شخص.. لكن مصر وطن (1)

أحمد مصطفى الغر
الأحد ، ١٢ أغسطس ٢٠١٢ الساعة ١٢:٤٠ مساءً
قالوا إنها مجرد خطوة لمحاكمات ستأتي لاحقاً تشمل كل من مارس فساداً بحق البلاد والعباد، وقلنا هي معجزة لم تكن لتتحقق لولا فضل الله علينا بالثورة المجيدة التي خلعت الفرعون وأدخلته القفص رغماً عن محاولات الدولة العميقة من خلال التعنت حيناً وتوجيه أبواقها الإعلامية المأجورة في أحاين أخرى كي لا تتم محاكمته ـ وطن يحاكم رئيسه في محكمة مدنية غير استثنائية في سابقة هي الأولى من نوعها في العالم العربي، هى مصر إذن.. أما هو فمبارك الأب.

فى 3 أغسطس من عام ثورة 25 يناير المجيدة، يدخل مبارك القفص على سرير متحرك ويمثل معه في القفص أيضا نجلاه علاء وجمال ووزير الداخلية الأسبق حبيب العادلي وستة من مساعدي الوزير، أذكر ذاك اليوم جيداً حيث كادت شوارع مصر تقريبا أن تكون خالية من المارة، الجميع يرقب لحظة دخول الديكتاتور، ولما لا نسميه ديكتاتوراً؟ ولما لا يدخل القفص كي تتم محاكمته؟ أعتقد أن إجابات على هذه الأسئلة قد تأخذ سلسلات من المقالات ــ نحن في غنى عنها الآن ــ ويكفي فقط أن ثلاثين عاما من الحكم هي مدة كفيلة بأن تحدث كوارث وجرائم في عهد الحاكم مهما كان حريصا أو واعيا أو عادلاً.

من لحظة لأخرى تكثر الأحاديث وتطول عن صحة مبارك.. سواء رئيساً أومخلوعاً أو مسجوناً بتهمة جنائية، هو المصري الوحيد الذي كانت صحته دائما مسار جدل وموضعاً مفضلاً للشائعات، بل إنني سمعت ذات مرة أن أكثر من 200 شائعة عن وفاته قد تداولت منذ لحظة توليه الحكم قبل 30 عاما إلى الآن حيث يرقد مريضاً، صحته دائما كان يتم التعامل معها على أنها سر قومي لا يمكن الحديث عنه كثيراً، هو أمر يختلف كثيراً عن طريقة التعامل مع صحة الرؤساء في دول العالم المتحضرة، وبالتالي فإنه ليس أمراً مستغرباً أن تنهار البورصة المصرية في أحد الأيام سابقاً فقط لمجرد أن أحد رؤساء التحرير قد تناول صحة الرئيس في أحد مقالاته، في دولة يحكمها شخص واحد يلعب فيها كل الأدوار لم يكن الأمر مستغرباً على الإطلاق، فالمخلوع كان رئيسا للجمهورية باستفتاءات الــ 99.9 % ثم بانتخابات مزورة لصالحه في 2005 حصل فيها على 88.5 % من أصوات الناخبين بينما حصل أقرب منافسيه على 7 % فقط، هو القائد الأعلى للقوات المسلحة والقائد الأعلى للشرطة ورئيس المجلس الأعلى للقضاء ورئيس مجلس الدفاع الوطني، هذا بخلاف كونه رئيس الحزب الوطني الحاكم سابقا والمنحل حالياً.. هو قائد العبور الثاني.. وحتى الآن لا نعرف ما هو العبور الثاني هذا! لكن هكذا كانوا يكتبون على اللوحات الدعائية للحزب الوطني البائد، هو البطل الأول والرائد الأول للتنمية، تُرى عن أي تنمية كانوا يتحدثون؟! في ظل تزايد عدد فقراء مصر في عهده وازدياد العشوائيات وظهور ما يعرف بسكان المقابر، هذا بخلاف التضخم وغلاء أسعار كل شئ في مصر سواء مأكل أو مشرب أو ملبس أو مسكن!

أينما ذهبت أو اتجهت ستجد صورة للرئيس أو اسمه أو شئ يدل على وجوده، وكأن مصر التي أنجبت الملايين قد عقمت أن تنجب ابنا فذاً يضاهي مبارك! في الواقع مصر أنجبت الكثير والكثير من الأفذاذ والنابغين.. لكنها لسوء حظها أنها قد أنجبت مبارك الذي طغى بنفوذه على الآخرين فهمشهم وأبعدهم عن الظهور وأحيانا عن الحياة بأكملها، فقد كان يتخوف دائماً من أي مسئول يذيع صيته أو يستشعر حباً من الناس له، لعل هذا ما دفع بالكثيرين إلى الهجرة أو الصمت وأحيانا اعتزال الحياة السياسية تماماً، فحسب تصنيف "فورين بوليسي" الأمريكية يحتل الرئيس مبارك المركز الخامس عشر في قائمتها عن (أسوء السيئين) لعام 2010 حيث تعتبره "فورين بوليسي" حاكم مطلق مستبد يعاني داء العظمة وشغله الشاغل الوحيد أن يستمر في منصبه، ومبارك يشك حتى في ظله وهو يحكم البلاد منذ 30 عاما بقانون الطوارئ لإخماد أي نشاط للمعارضة وكان يجهز ابنه جمال لخلافته، وفي اعتقادي الشخصي أنه إذا حدث وتولى جمال بعد أبيه في حال عدم قيام الثورة المجيدة.. لبدأت مصر عهد جديد من النظام المباركي المستبد.. ربما كان سيطول أو يقصر عن الثلاثين عام، لكن على أية حال فإن مصر الجمهورية كانت ستتحول إلى مصر المملكة في سابقة لم يعهدها التاريخ الحديث!

إن 18 يوماً كانت كافية لإزالة نظام ظل طيلة ثلاثين سنة في الحكم، 18 يوما فقط كانت كافية لإعطاء درساً للتاريخ وللشعوب بأن الظلم مهما طال فلابد له من نهاية وأن الشعوب دائما تبقى بينما تسقط الأنظمة، أن الأوطان تعيش عمراً أطول من عمر حكامها.