الجمعة ، ٢٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:٥٥ مساءً

أزمة الطاقة .. ومدى تأثير جماعات الضغط

بشير المصباحي
الخميس ، ٠١ يناير ١٩٧٠ الساعة ٠٣:٠٠ صباحاً
في أي دولة من بلدان العالم المتقدم أو حتى بعض شعوب العالم الثالث توجد جماعات تتكون من أفراد ومكونات لها إرتباطات سياسية أو إجتماعية أو دينية مختلفة يطلق عليها مصطلح جماعات الضغط والتأثير توحدها بعض المبادئ والأفكار وتتألف على شكل لوبيات أو جمعيات أو نقابات حول مصالح وأهداف مشتركه .

هذه الجماعات تقوم منفردة أو بشكل جماعي بممارسة الضغط على قيادات المجتمع أو الحكومات من أجل فرض توجه معين أو إستصدار قرار أو التدخل في رسم بعض النقاط الهامه في خطط الحكومة أو البرنامج الإنتخابي لأحد المرشحين مقابل الحصول على دعمها للفوز في الإنتخابات العامه .
وفي العادة فإنها تستخدم قواعدها وقياداتها المؤثرة في الأوساط الجماهيرية إعلاميا وإقتصاديا وسياسيا من أجل تحويل الإتجاه بالأمور العامة إلى المسار الذي تستهدفه في خططها وطموحاتها وأهدافها .

وفي بلادنا فإن جماعات الضغط السياسي تنحصر قيادتها في ثلاث إتجاهات رئيسية دينيا وقبليا وعسكريا ، ومع إختلاف التوجهات الفكرية والعقيدة السياسية لكل منها إلا أنها تتفق فيما بينها في النهاية على توزيع الأدوار والنفوذ والمصالح والثروات العامة كي تبقى مسيطرة على مفاصل الدولة الرئيسية وإن بنسب متفاوتة منقسمة بذلك إلى قيادات محسوبة على السلطة وأخرى على المعارضة ، تلتقي جميعها حول هدف واحد يتمثل في عدم السماح لأي قوى تحررية أو تقدمية أو مدنية أن تحل محلها في صدارة القيادة للبلد وبحيث تبقى هذه القوى دائما متحالفة أو تابعة لأحد هذه المكونات الثلاثة بشكل أو بأخر .

وبهذا التوصيف فإن واحدية الغاية تجعل من هذه المكونات المتداخلة مع بعضها البعض بحكم العادات والتقاليد وإنحدار الثقافة السياسية بشكل كبير لدى المواطنين يجعل من هذه الجماعات مقيدة ومحاصرة وغير قادرة على إحداث أي تحول في الحياة العامة وعاجزة عن الإعتراض على السياسات والخطط والبرامج التي تستهدف حياة المواطن ومعيشته وذلك لسبب بسيط كون هذا الأمر لم يدخل في صلب تكويناتها ولم يكن يوما الدافع أو المحرك لعملها أو هدفا لإنشاءها أو بقاءها .
وفي وسط مجتمع يكاد الجهل أن يفتك بحاضره ومستقبل أبناءه كالمجتمع اليمني فإن الشريحة المثقفة والطليعة الوطنية في ظل وجودها إلا أنها لا تستطيع ممارسة الضغط أو إستخدام أوراقها للدفاع عن مصالح المواطنين وإحتياجاتهم المختلفة وعدم قدرتها أيضا على المساهمة في رسم الخطط والبرامج والإستراتيجيات الفاعلة للإنتقال نحو حياة التطور والنماء التي ينشدها كافة أبناء الشعب اليمني ، وذلك بسبب إحكام السيطرة من قبل القوى التقليدية على مصادر النفوذ والمال العام وإستخدامهما في إختراق أي جماعة تسلك الأسلوب المدني في إحداث التغيير والعمل على إفشالها بمختلف الوسائل والطرق .

ومع أن هذه الفئة التنويرية تبقى متواجده وتنتظر الفرصة تلو الأخرى للتحرر من سيطرة تلك القوى القبلية والدينية والعسكرية على كل مفاصل القرار في الدولة ، إلا أن دور هذه الشريحة في الوقت الراهن يقتصر فقط على فضح مكامن الخلل في مؤسسات الدولة المختلفة أو التنظير للحلول من دون التدخل في تفعيلها وتحويل النظريات إلى واقع ملموس .
وبناء على ذلك فإن المشاكل التي يواجهها السواد الأعظم من أبناء الشعب والقضايا المرتبطة بحياتهم ومعيشتهم لا تجد أذانا صاغية لمعالجتها لدى جهات الإختصاص كون قادة المجتمع ورواده وقيادات جماعات الضغط المؤثرة منشغلة بأمور أخرى ليس لها صلة بهموم المواطن البسيط وإحتياجاته اليومية فتجد هذه القوى في الغالب منهمكة في الحوار مع بعضها البعض من أجل ترتيب أوضاعها وتعزيز دورها ونفوذها وحضورها على المسرح السياسي وتقاسم الثروة والأدوار فيما بينها بما يضمن لها ديمومة البقاء في أعلى هرم السلطة .
ومع الإشارة إلى ما ذكر فإن اليمنيون اليوم يعانون الأمرين من مؤيدين للسلطة ومعارضين لها جراء الأزمة الغريبة والمفتعلة بسبب إنعدام المشتقات النفطية التي أثرت على حياتهم وأمتدت تأثيراتها السلبية على الطاقة الكهربائية فأضحت الإنطفاءات تصل إلى ثلاثة وعشرون ساعة في اليوم هذا في أمانة العاصمة ناهيك عن بقية المحافظات الأخرى .
وعلى طريق إيجاد الحلول العملية لهذه الظاهرة التي يتوسع إنتشارها في كل يوم بشكل مخيف فإنه وإستنتاجا من الواقع اليمني سالف الذكر فلا يمكن بتاتا التعامل مع هذه المشاكل والسعي الجاد نحو حلها مالم يتم التعامل معها وتصعيدها للواجهة كأبرز قضايا الرأي العام وأن تتبنى ذلك النقابات والهيئات الإجتماعية الأهلية ومنظمات المجتمع المدني لتضطلع بدورها في قيادة الجماهير مستخدمة أوراق الضغط التي تمتلكها القوة الشعبية في سبيل توصيل الخدمات للمواطنين وتوفيرها بصورة إعتيادية وبشكل طبيعي ومستمر.
ومما أثار شجوني لطرح هذه الأفكار أن الناس قد أصبحت تتحدث عن هذه الحلول بكل تلقائية إنطلاقا من المثل القائل أن الحاجة تولد الإبداع ، فعلى سبيل المثال عندما كنت أفكر بالكتابة حول هذا الموضوع مررت صدفة على صفحة أحد الأصدقاء في الفيس بوك ولقد لفت إنتباهي وجود مشاركة لإحدى الفتيات اليمنيات الأصيلات التي يبدو أنها ما زالت تتلقى تعليمها الجامعي ، تلك الفتاة ومن منطلق حرصها على وطنها وأمتها وإحساسها العالي بالمسئولية دفعها ذلك لتلخيص همومها وتطلعاتها إتجاه أبناء بلدها وما يواجهونه من المعانات الدائمة فحاولت إيجاد حلول لمشاكل الإنقطاعات الكهربائية التي أثقلت كاهل المواطنين فقامت بكتابة أفكارها ولخصتها في المقترح التالي :

دعوة ونداء الى كل أبناء اليمن قاطبة لحل مشكلة الكهرباء تتمثل في الأتي:

1- إبتداء من الشهر القادم أغسطس يرجى من الجميع عدم تسديد فاتورة الكهرباء

2- منع أي موظف من الكهرباء من قطع الاشتراك من خلال طردهم من الحارات بتعاون الجميع.

3- نشر هذه الدعوة والنداء كلا بطريقته بمختلف الوسائل .
ذلك هو مقترحها المكون من ثلاث نقاط والحقيقة أن تلك الكلمات المختصرة بالرغم من تلقائيتها إلا أنها تعبر عن حالة السخط والغضب الجماهيري والشعبي الذي أصبح يلامس حياة المواطن وخيالاته نتيجة المزايدة المتعمدة على إحتياجات المواطن الأساسية وإستخدامها كأوراق سياسية لتحقيق مكاسب شخصية من قبل الأطراف المختلفة على الساحة .

ومع بساطة تلك الكلمات إلا أنها قد أوضحت لي المقدار الحقيقي العالي الذي نفتقده في حياتنا والذي نحتاج لتفعيله بصورة مستعجلة والمتمثل في إعادة تكوين جماعات الضغط المؤثرة على صناع القرارات من منظمات ونقابات وهيئات مدنية مختلفة وذلك حتى تقوم بدورها ومسئوليتها لقيادة حلحلة الأزمات والإستفادة منها في معالجة هموم ومشاكل المواطنين بصورة جذرية وعدم إخضاعها للمزايدات والرهانات السياسية من قبل أي طرف كان .
ففي مصر السادات مثلا عندما أرتفعت أسعار اللحوم عزف المواطنون عن شراء اللحم لمدة يوم واحد فقط فكانت النتيجة أن تكدست الأسواق بها وأصبح سعرها أقل مما كان عليه قبل الإرتفاع .
ونحن كيمنيون نتساءل عن إرادتنا التي سجلتها كتب التأريخ والحضارة هل بإمكاننا تفعيل تلك الإرادة ومقاطعة المشتقات النفطية لمدة أسبوع واحد فقط على الأكثر والتي وبدون أدنى شك ستعود أسعار هذه المشتقات إلى طبيعتها وستهبط إلى مستوياتها الدنيا الأمر الذي سينتج عنه توفرها بكميات كبيرة في الأسواق وتوقف الإنقطاعات المتتالية للكهرباء بإعتبارها السبب الرئيسي في ذلك ، كما أن المتحكم في إحتكارها وبيعها سوف يفقد المصلحة من وراء ذلك وستصبح في متناول الجميع وفقا لقوانين العرض والطلب التي تحكم الأسواق.

نحن قادرون بالفعل على إستخدام هذه الأوراق التي نمتلكها كمواطنين إذا ما صدقت النوايا وفي ظل إرادة و عزيمة قوية وبشرط وجود قيادات مخلصة وصادقة للمنظمات والهيئات المدنية التي ستقود هذا التحرك بعيدا عن حسابات المصالح والإرتباطات الحزبية أو الشخصية الضيقة وبمعزل عن رهانات الربح والخسارة لدى السياسيين بمختلف توجهاتهم وإنتماءاتهم .

وبذلك فإن المواطن اليمني سوف يكون قد أستعاد القدرة على التأثير في القرارات التي تخص مصالحه وإهتماماته وحياته اليوميه وقدرته على توجيه قوى النفوذ والمصالح من الأطراف السياسية المختلفة في السلطة والمعارضة وفقا لأولوياته وشروطه المسبقة .

كما أن المواطن وفي هذه الحالة سيكون في معزل عن العقوبات التي قد تطاله من هذا الطرف أو تلك الجماعة نتيجة تحركاته الفردية في سبيل الحصول على الحياة الكريمة في وطنه وبين أسرته
وفقالحقوقه كإنسان ومواطن في أن واحد.