السبت ، ٢٧ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٥٨ صباحاً

يموتون فرحاً وحزناً !!

د . محمد حسين النظاري
الاثنين ، ١٢ نوفمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٢:٤٠ مساءً
صحيح أنه لا مفر من الموت، مصداقاً لقوله تعالى (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) آل عمران:184،ولكننا هنا نتحدث عن اساب وقوعه التي يكون للبشر دور كبير فيها، إما عن قصد وترصد، أو إهمال وعدم احتراس، والعجيب أننا ننتهز حتى مناسبات الفرح لندس فيها طعم الموت، فأعراسنا تحولت من أفراح الى أتراح، والسبب سوء استخدام السلاح، ظناً من البعض أن العُرس لا يتم الا بأنواع شتى من الاسلحة التي تحوله الى ساحة حرب، تقلق الاحياء، وتخيف الصغار، وكم من رصاصة غافلة استقرت في جسد غافل لا يدري عنها شيئ.. فالى متى تستمر هذه الثقافة المقيتة التي زادت وتوسعت ظل الانفلات الامني الناتج على الازمة التي مرت بها بلادنا.

الاعياد بدورها تغير حالها، فأصبحت باباً من أبواب الموت، فكم من مسافرٍ ذهاباً وإياباً قبل العيد وبعده، أسلم روحه لخالقها جراء السرعة الجنونية، ويكفي أن نعرف أن نحو 12 ألف شخص توفوا وأصيب نحو 86 ألف اخرين فى 59 ألف حادثاً مرورياً فى اليمن خلال الخمس السنوات الماضية بأضرار بلغت 11 مليار و 328 مليون ريال يمنى... وبحسب تقرير رسمى صادرعن ادارة المرور فنحو 33 ألف شخص اصيبوا بجروح بليغة فيما اصيب 41 ألف اخرين بإصابات طفيفة فى حوادث المرور خلال الفترة المذكورة.

هذا العدد المهول من الموتى والمصابين، لا نسمع عنه إلا في الحروب، أما في بلادنا فنجده في طرقاتنا التي أصبحت سككاً للموت، بسبب تهاون الحكومة في اجبار مالكي السيارات على فحص سياراتهم، وإصلاح اعطابها، مع تحسين شبكة الطرق التي ساهمت رداءتها في ارتفاع عدد الحوادث، بالإضافة الى تسخير رجال الاسعاف والحماية المدنية في الطرق الطويلة، لأن تواجدهم يسهم في اسعاف المصابين لأقرب مشفى، فكثير منهم يموتون لعدم وجود مسعف، في ظل تخوف الناس من اسعاف المصابين، حتى لا تتهمهم الجهات الحكومية التي قصرت في الاساس في حماية أرواح الموتى.

البحر كغيره من الاماكن يحصد الأرواح، فشواطئ عدن والحديدة وغيرها من شواطئ اليمن تشهد إقبالاً كبيراً في الأعياد، خاصة من سكان المناطق الجبلية، ونظراً لجهل هؤلاء بقواعد السباحة من جهة، ولنقص التعريف بالمناطق الخطرة من قبل الحكومة من جهة ثانية، يموت الكثير من الأشخاص، والحسرة تكون شديدة عندما يكونون من أُسرة واحدة، وعندها يتحول العيد عند هؤلاء الى مآتم وعزاء.

تصوروا أن إعصار ساندي المدمر الذي ضرب 15 ولاية أمريكية، لم يخلف ربع ضحايانا في عيد الأضحى، ما بين طرقات وغرق وأعراس، فموتاهم لم يتعدوا الثمانين، فيما لدينا يموت العشرات في تصادم سيارتين، وحوادث القطارات في العالم تخلف عدداً قليلاً مقارنة بحوادثنا.. فالى متى نظل نودي بأرواحنا وأرواح غيرنا الى التهلكة؟؟.

إن هذه الحوادث العرضية يفوق ضحاياها، عدد من فقدناهم جراء الازمة التي عشناها من رجال الامن وشباب الساحات والآمنين في منازلهم، وهذا مؤشر خطير، أن حياة الناس في خطر، فلا هم يأمنون عليها في أفراحهم ولا تنقلاتهم ولا سباحتهم، وهم قبل الدولة مشتركون في الخطأ، فيما تبقى الدولة مقصرة في ضبط حوادث اطلاق الاعيرة النارية في الأعراس، أو تأمين الشواطئ، أو اصلاح الطرقات وإسعاف من فيها من مصابين، فمن المعيب أن نجد سيارات الاسعاف والنجدة، تتنزه في أسواق القات، بحثاً عن العود الأخضر، فيما الناس يموتون على قارعة الطريق.

إن تلك الحوادث رفعت نسبة الإعاقة في اليمن لمعدلات كبيرة، حيث تعد بلادنا من أعلى النسب في العالم في عدد المعاقين، وتصل النسبة إلى أكثر من اثنين مليون معاق حيث تأتي الإعاقة الحركية في المقدمة وتليها الإعاقة السمعية والبصرية، وكل ذلك يزيد من الاعباء على الدولة والأسر والأفراد...فمتى نعطي هذا الموضوع اهتماماً يناسب خطورته، خاصة وأنه يتكرر كل عيد، وبهذا أصبح اليمنيون يموتون فرحاً وحزناً.. إنا لله وإنا إليه راجعون، رحم الله الموتى، وشفى المصابين، وصبر أهاليهم أجمعين.