الجمعة ، ٢٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١١:٥٠ صباحاً

مَن يؤخر الرئيس فيما الشعب أمله ؟!

د. علي مهيوب العسلي
الخميس ، ٠٦ ديسمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٩:٤٠ مساءً
عندما يسقط رأس النظام تتراجع الثورة شيئا فشيئا فتظهر شخصيات تدعي أنها هي الثائرة!

هذه الشخصيات المدَّعية تُبرز ما قدمت وما ضحت وما خسرت في مضمار الثورة التي لم تنجز بعد!

في ظل تعفف الثوار الحقيقين عن الظهور أو البروز تحل محلهم قائمة من الانتهازيين الجاهزين للتسلق على حساب كل شيء ،ولا يهمها سوى الفيد بالمصطلح اليمني الشهير!

لقد سُوِّق على الثورة شخصيات كثيرة من بقايا النظام السابق بانضمامهم إلى الثورة فَرحب بهم الثوار بعفوية وطُهر وصِدق الثائرين _ الذين لا يبتغون مقصد سوى تحقيق مطالبهم المشروعة –بكلماتهم المشهورة والموثقة "حيا بهم حيا بهم ...واحنا تشرفنا بهم" ولأنهم جاءوا بأجندة مسبقة فقد صعدوا المنصة وخطبوا بامتياز لصالح الثورة وضد من كانوا معه طيلة ثلاثة عقود!

نعم ! لقد تسللوا إلى قلب الثورة ،ونصبوا أنفسهم أوصياء عليها وتحاوروا باسمها وامتطوا جوادها ووقعوا عنها ووصلوا إلى المواقع الأولى في السلطة وجابوا الاقطار وتحالفوا وتأمروا وسرقوا وباعوا وابتاعوا وقبضوا وصاروا حكاما يُستقبلون في القصور ويمشون على السجاد الاحمر بدماء أشرف الناس ،ثم نسوا وتناسوا الثوار واصبحوا يهملونهم ولا يعبرونهم ،بل ويتهمونهم بأنهم من بقايا النظام ومن المندسين ومن الأمن القومي ،حتى أن جرحاهم أُهملوا حد النسيان !

ومرت الايام ونفذوا الطلب ،وطبقوا كل ما هب ودب ،ولم يناقشوا حتى السبب ،فذهبوا إلى الانتخاب ،وانتخبوا الرئيس بلا منافسة ولا خطاب ،وشارك الثوار والبعض اكتفى بالعتاب، فاستبشر الثوار بقدوم لحظة الثواب والعقاب ،بعد أن ترك الزعيم الحكم وغاب ،وأن من يَخلُفَه هو فاتحة الكتاب ،لبناء اليمن الجديد من غير ارتياب ،كونه حصل على الدعم الشعبي من كل الاحزاب ،وكذا الدول المجاورة ومن كل باب ،فكان عليه أن يبدأ بفصل الخطاب ،ويستعيد هيبة الدولة من المتنفذين الاذناب ،ويقيل كل من يستقوي بالجيش ويُكَسِّر الأنياب ،لأن هذا الشيء هو عين الصواب ،ولكن كل هذه التمنيات تحولت الى سراب ،فلم يأتي الخير من كل باب ،رغم ما تدفق الاموال لو وضفت من ذوي الالباب ،فرئيسنا للأسف لم يجفف الفساد والارهاب، لكنه قد أغلق الابواب ،من المحاسبة وكشف الحساب ، ومُنح الحصانة من قتل الاحباب ،ولم يُطهر المؤسسات مما لحق بها من اعطاب ،فأعاد تموضع السابقين مع ادخال بعض الاقارب ورفاقه الاصحاب، وكل من انضم لثورة الشباب ، قد تنطبق عليهم حكاية سورة أبي لهب ،فتبالهم وتب ،لن يغني عنهم مالهم وما كسب ،فلم يَقُم بهيكلة الجيش الرئيس المنتخب ،ولم يُقيل العائلة واصحابنا لم يعاتبوه حتى من باب العتب ،فتبا لهم تب ثم تب!

أجل! لقد شاهدنا الرئيس يُغير ولكن سارق بسارق ،وحصة بحصة لناهب ومارق ،وكل من حمل البنادق ،قد صار لهم شبه عاشق ،ولا يخالفهم بل قد يقربهم كمان يعانق!

وبعض من انضموا للثورة قد شكلوا لوبي لتزكية الاسماء في الوظائف ، ومارسوا الاقصاء لكل من هو مخالف!

فمارس المبعوث الضلالة ،فخدر الشباب بكل جداره ،من أنه سيقدم النظام للعدالة ،وأنه سيفني كل وقته لا محاله ،من أجلهم حتى لا تحدث الخيانة ،فسيقوم بما يحقق حلمهم في تقريب وجهة النظر، وإن فشل فسيلوح بالقرار ،وأن على المعرقلين للمبادرة ،ستُجمَّد الأموال وستَحصُل المصادرة ، وإن أبوا سيُحالون إلى المحاكمة ،فصدقوه ثوارنا المسالمة ،وانخرطوا في التفكير للدولة القادمة ،ووضعوا اشتراطاتهم للاشتراك في الحوارات القادمة ،لكن تفاجئوا بالضربة القاضية ،عند سماعهم نتيجة التسمية ،للقوى والحركات القائمة ،وتجاهل الثوار في الميسرة والميمنة ،وكذا المستقلين الذين لم يجدوا لهم داعمة ،ولم يفلح ممن حسبوا على الثورة إلا من ينتمي الى مُسيلمة!

وفجأة وبدون مقدمات ،سمعنا عن تقديم المَكُرمات ،من كل صوب لإنجاح المبادرات ،بعد أن استقطبوا بعض المؤثرين والمؤثرات ،فأدخلوهم في الندوات و المؤتمرات ،فصدَّقوا أنهم قد نجحوا في إخماد الثوار من وهج الثورات ،فتداعوا لتشكيل لجنة الحوار لتلتئم في الايام القادمات، بعد أن قسموا الكعكة على من تقاطروا الى الساحات ،وتمرير بعض الشباب والشابات ،ليضحكوا على كثير من الثوار والثائرات!

فاكتشف المكذوب ،وكُشف الملعوب ، وتداعت من صاغت المطلوب ، وقالت بأعلى صوتها إما ثورة كاملة بدون جيوب ،وإلا فنحن اصلا جاهزون لمواصلة الدروب ،بدون استماع لمن تبنوا فكرة لا غالب ولا مغلوب ،وأخروا الثورة بعد استشهاد كوكبة من زهرة القلوب !

لكنهم في غيهم مستمرين ،وبألاعيبهم متورطين ،وللعبارات منتقين ،وبعضهم صار يسخر من المتواجدين ، في الساحات والمقيمين ،فيطالبونهم بالمغادرة أجمعين ،فلم يعد ضرورة بقاء المعتصمين ،بعد ان توصل الموقعين ،على نسب التمثيل لكل الطيبين ،فان لم يستجيبوا فيتم حرق خيام المعتصمين ،طبعا ويُقيد على مجهولين ،وبعضهم صار يلوح بالتمديد للرئيس الآمين، بحجة أن الحوار يحتاج الى وقت كي يتوافق كل المتحاورين ، على قضيا الحوار والتي ستأخذ سنين ، وبعضهم قد فوض الراعي الامين ، وجعلوه مرجعهم بما يراه لليمنيين ،وهم على ذلك موافقين ، وبعضهم للتمثيل متدربين ،فيرفضون حينا لكنهم يوافقون بعد حين ، والغرض هو تثقيل الموازين ،فيتدخل كل الضامنين ،فيستفيد صالح مما قد يسفر عنه رأي المانحين ،فيقول لهم انا الذي وقعت قبلهم أجمعين ،فلابد أن اكون رئيس لكل المؤتمرين، ويبدوا أن هناك موافقة من الراعين ،وإلا كيف يطلب هذا الطلب المشين ،إن لم يكن هناك موافقة من الامريكيين، فأدرك محسن وربما عنده الخبر اليقين ،لما يخططه المخططين ،فسارع الى طرح التمديد كي يظل مع الحاكمين ،و لا يكون مع المنهزمين ،الذين يغازلون صالح بتدارس الخطر المحدق على وحدة اليمن الذين كانوا لها متزعمين ،بعد كل ما أحطناكم به يا سمعين ،وكذا شبابنا الثائرين ،فمن هو الرئيس الفعلي من الحاليين وكيف تحلون عقدتهم أجمعين ،وتبينون رأيكم للعالمين ، فقد صرتم في السياسة مخضرمين ، ولا تجعلوا ثورتكم بعد الآن لآل سعود الطامعين، والذين معهم في اليمن عملاء مجربين !

هنا الشباب أدرك المؤامرة ،وبدء يلملم صفوفه استعدادا للجولة الثانية ،ويُنهي ثورته بما أُطلق عليها بالمغامرة ،فهي السبيل لإنهاء هذه المهادنة ، والتقدم لحسم المسألة ،وأن الثورة هي التي سترسم المرحلة ،وستسقط كل ما انتجته المبادرة ،وستحاكم كل القتلة ،وستعيد الاموال المصادرة ،وستداوي جرحاها التي لا تزال متأثرة ،وستشكل حكومتها المفخرة ،من الكوادر الثائرة ، و ستهيكل كل ما يحتاج الى هيكلة ، وستنهي هذا الانقسام المهزلة ، الذي لم يجلب سوى السيطرة، على مقدرات الشعب دون تحقيق المنفعة ،فلا يجوز بإمكانيتنا المتواضعة ،أن يكون في اليمن أكثر من رئيس يأمر مَن يتبعه ،فلقد اختار الشعب من يرأسه ،فلما التسابق على من يَخلُفه ،وعليه أن يقوم الرئيس بما الشعب أمله ،وعلى الثوار أن تدعمه ،إذا ما قوى قلبه وأقال الذي يخالفه ،هذا هو عهده وقد بينه ،فمن من الاثنين سبب في تأخُرَه ،وما واجب الثائر أن يعمله ،فهو يعرف كيف يتم التغيير في أول الأمر وحتى آخره!