الجمعة ، ٢٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٣٤ صباحاً

ثورتي مصر واليمن بين الدستور والاعلان؟!

د. علي مهيوب العسلي
الاربعاء ، ١٢ ديسمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٥:٤٠ مساءً
هل يستطيع الثوار على سبيل المثال إسقاط حكومة الوفاق نتيجة لما تلفظ به رئيسها تجاه شباب الثورة في اليوم العالمي لحقوق الانسان أثناء افتتاحه لمؤتمر الحوار الوطني لحقوق الانسان أم أن المبادرة الخليجية التي تشابه الى حد ما إعلان مرسي الدستوري ،كونها حصنت الرئيس وحكومته من المسألة وحتى الإقالة أو العزل ؟

صحيح أنه ربما بعض الثوار انفعل وتصرف بتصرفات قد لا تليق بالمناضل محمد با سندوة أمام ضيوفه الأجانب والتي قد تشير الى تخلف هذا المجتمع ويوصف بأنه غير حضاري !

لكن الصحيح أيضاً أن الصورة التي يراد تسويقها من أن حقوق الانسان صارت عال العال بعد قيام شباب الثورة بإنجاز ثورتهم ، لكن الحقية هي عكس ذلك تماماً ، حيث أثناء اجتماع المجتمعين في القاعة والذين كانوا يتحدثون عن حقوق الانسان اليمني المُصانة ،كان المئات من أُسر المعتقلين أمام فندق موفمبيك المُقام فيه الاحتفالية يرفعون صور أقاربهم المخفين والمعتقلين ويطالبون بحقهم الانساني في معرفة مصيرهم ،والصحيح أيضاً أنه مهما بلغ صلف بعض الشباب كان الأحرى برئيس الوزراء وهو الحصيف دائما أن لا ينجر لانتهاكه حقوق الانسان باتهامه ظُلماً وعدواناً لشباب الثورة بالعمالة ومن أنهم مأجورين من قبل صالح وأنه هو الذي أرسلهم لتخريب الفعالية ووصفهم بأنهم فاشلين وما الى ذلك من الالفاظ التي لا تليق بِمقامه الكريم!

دعونا نتناول في هذا المقال تجربتين من تجارب الثورات العربية هما مصر العربية التي هي بالضرورة مقياس لنجاح الثورات من عدمها في بقية الاقطار العربية ،وكذلك ثورة الشعب اليمني ومدى تقدمها أو تعثرها ، لندلل على ما ذهبنا اليه من أن اختيارنا لهذين البلدين ليس اعتباطاً وإنما لحجم العرقلة المتعمدة لنجاح الثورتين في هذين البلدين!
لاشك ان الثورة اليمنية قد استلهمت الكثير من ثورة مصر العربية ،فما أوجه الشبة بين الاعلانات الدستورية المتعاقبة في مصر العربية والمبادرة الخليجية بكل نسخها والنسخة الاخيرة منها على وجه التحديد التي تعتبر بحق إعلان دستوري خليجي لليمن ، وكذلك آلياتها التنفيذية والتي أصفها بالقانون الذي يوضح تلك المبادرة ، وكذلك أيضاً ما هو وجه الاختلاف في الدولتين في استيعاب المشكلات الحقيقية والخروج منها التي تعترض كلا الدولتين !

ولتبيان الصورة التي أرى تقريبها للقارئ الكريم ليكون على علم بما تحاط بهاتين الثورتين من مخاطر لا تحصى. وهنا أنا لن أدخل في تفاصيل الاعلانات الدستورية المصرية ونسخ المبادرة الخليجية وإنما سأركز على بعض الملامح العامة التي تبين ما يجري منذ قيام الثورتين في البلدين وحتى الآن!
بعد قيام ثورة الـــ25 يناير في مصر العربية وقف الجيش المصري المؤسسي مع الثورة ،فكان من الطبيعي ان يدير المرحلة الانتقالية بعد تنحي مبارك عن السلطة في 11 فبراير، أما في ثورة الشباب الشعبية السلمية في اليمن فقد أنقسم الجيش بين مؤيد ومعارض للثورة ولم يكن الجيش مؤسسة وطنية بل كان تابع للرئيس السابق صالح يوجهه حيث شاء، ومتى شاء!؛كذلك فإن صالح لم يتنحى مثل أخيه مبارك وإنما خرج من السلطة بموجب اتفاق بين الاحزاب المعارضة والاحزاب المشاركة في السلطة والتي كانتا مختلفتين قُبَيل قيام الثورة!

الرئيس مرسي أُنتخب وبمنافسة حادة في جولتين بموجب الاعلان الدستوري الذي وضعه المجلس العسكري وأُستفتي عليه من قبل الشعب ،بينما الرئيس هادي أُنتخب من قبل الشعب بدون منافسة وفقا للمبادرة الخليجية (الاعلان الدستوري الخليجي) ،بل قد فوضته المبادرة بأن يتولى دفة البلاد قبل انتخابه ،فالمبادرة قد جعلت صالح يفوض هادي نائبه بكل صلاحياته فهو الذي اصدر قرار الدعوة للانتخاب بموجب المبادرة وهو الذي شكل الحكومة بموجبها والحكومة أدت القسم أمامه قبل أن يُنتَخب ، ولم يتم تشكيل حكومة بعد انتخابه أي انها فرضت بموجب المبادرة ولم يتخلص من هذا الضغط بعد انتخابه كما فعل مرسي من الغاء الاعلان الدستوري المكمل واحتفظ بالسلطة التنفيذية والتشريعية وأخيراً القضائية التي قصمت ظهر البعير كما يقال!

الإعلان الدستوري اليمني(المبادرة الخليجية) أبقى على الحكومة دون تغيير ،وحافظ على مجلس النواب ،ولجنة مكافحة الفساد ،ولجنة المناقصات ،واللجنة العليا للانتخابات مع بعض التعديلات عليها وفق التوافق السياسي باختيار القضاة ، أي أننا في اليمن قد قوانا السياسية قد سيست القُضاة وتم اختيارهم بحسب ميولهم للقوى السياسية الموقعة بعكس ما يجري في مصر حيث ان القضاء والقضاة لا علاقة لهم بالسياسة والناس جميعهم راضون عنهم ،فهم بحكم الدستور والإعلانات الدستورية المتعاقبة يشرفون على الانتخابات وبشكل كامل وبالتالي لامجال للاستقطاب السياسي للقضاة الأجلاء من كل الشعب المصري . نعم لقد قامت المحكمة الدستورية العليا بإصدار قرار بحل مجلس الشعب المصري للمخالفة الصريحة لانتخاب الثلث المستقل لعضوية المجلس والمخصص لشرائح معينة بحسب الدستور ،أي أن مصر تتمتع بمؤسسات قضائية قوية ورصينة وهو ما لا يوجد في اليمن حتى الآن !

في مصر أيضا رأينا حراك لا يستهان به سواءً من القوى المؤيدة لما ذهب إليه الرئيس مرسي أو القوى المعارضة وفي طليعتها مؤسسة القضاء ساندتها بقوة أيضاً معارضة الاحزاب والقوى السياسية والمدنية والثورية الفاعلة ، وهذا الشيء غير متوفر في الجمهورية اليمنية حتى الآن، أي أن الاخطاء في العزيزة مصر تُرتكب ولكن هناك قوى فاعلة محددة ولها جمهورها العريض تضغط لكي يتراجع من أرتكب الخطأ ،بعكس ما يجري لدينا فكم من الاخطاء تُرتكب ولا قوى مؤسسية فاعلة تتحرك لإيقافها!

في مصر تَم الحوار عن مستقبل مصر بين أهم القوى المكونة للثورة والمفروزة شعبيا بحسب الاصوات في الانتخابات التنافسية التي تحدثنا عنها ،فبموجب ذلك تشكلت الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور، ثم حُلت تلك اللجنة وجرى حوار وتشكلت جمعية أخرى تمثل كافة الاطياف السياسية لصياغة الدستور الذي هو مخطط لأية دولة مثله مثل البناء فهل يعقل أن يتم بناء أي عمارة بدون مخطط ، إلا إذا كان البناء عشوائي كما تعيشه مصر واليمن الآن بالضبط!؛لأن الدستور بالأصل لا يُذهب به الى الاستفتاء إلا بعد التوافق عليه من كافة مكونات أي شعب، ومصرنا الحبيبة تعاني في الوقت الحالي من هذه المشكلة حول هذا الموضوع مازال صداها في المنطقة برمتها ،ولم تنتهي المشكلة بعد من تداعيتها ،فلقد حُدد موعد الاستفتاء ولكن الشارع ما يزال يغلي ويتحرك بكل قوة مؤيدين ومعارضين على حد سواء ،وهذا اليوم قُبيل موعد الاستفتاء بأيام قليلة تدّخلت المؤسسة العسكرية التي استشعرت حجم الخطر المحدق بمصر نتيجة للانقسام الحاد في المجتمع المصري فدعت كافة القوى السياسية الى الالتئام يوم غد من أجل الحوار الوطني على كافة القضايا. أما في اليمن فالقوى الثورية مستبعدة بفعل الإعلان الدستوري الخليجي الذي لا يعترف بالثورة وبالتالي لا أحد يسمع طرحها إلا من باب ذر الرماد على العيون ،فتشكلت اللجنة الفنية للحوار الوطني من أجل قضايا محددة سلفا شملتها المبادرة الخليجية والتي حددت كذلك الاطراف المتحاورة ، فتوصلت بعد حوارات كثيرة في الكواليس الى تحديد نسب التمثيل والتي فجرت المواقف من كل صوب كان أخرها تهديد غير منشور من هادي للزعيم من أنه قد يلجأ الى رفع الحصانة عن صالح التي مُنحت له في نص المبادرة الخليجية ،فإذا كان هذا الكلام صحيح فمعنى ذلك أن هادي قد قوى قلبه وسيلجأ الى اعلانات دستورية كما فعل مرسي ! ؛ فإذا تحرر من التزامه الحرفي بالمبادرة الخليجية ، فلربما يكون هذا الشيء إيجابي كونه سيعود الى شعبه وما يطالبه به من توفير المعيشة والخدمات والتي افتقد كثير منها في الفترة السابقة وسَيَسمع صوت الشباب بشكل واضح بعد أن كان يخدرهم بِجُمل لا تسمن و لا تعن من جوع ،وسيستطيع تغيير الحكومة أو جزاء منها التي أثبتت فشلها أولم تقُم بواجبها في وزاراتها ، ولكن لابد من حوار مع الدول الداعمة من ان هذا الاجراء لا يؤثر عليها بل لصالحها كونه سيأتي بالاستقرار في اليمن والذي هو بالنتيجة استقراراً لها !
لقد حاولت في الإتيان بعض المقاربات بين ما يجري في البلدين مصر العروبة واليمن السعيد لإظهار ما لا يُشك فيه من وجود اختلالات قد حدثت وترافقت مع قيام الثورتين ففي مصر الثورة واضحة ، ومن أُنتخب جاء من الثورة وبرنامجه الذي أعلنه في مؤتمراته الانتخابية جاءت لتلبي ما رسمه ورغبه الثوار في الميادين ،ولكن الخلل الذي رافق قيام هذه الثورة هو في قبول الثوار الدخول للانتخابات بدون دستور ،وكل ما طفى على السطح بعد ذلك كله أعتقد أنه هو السبب الجوهري في ذلك، فترتب على ذلك التوغل بالسلطات بهاجس المؤامرات والآتية من الخارج وخوفا على إفشال الثورة عن تحقيق مبتغاها ، وعلى الضفة الأخرى أن هذا الرئيس نكث بما قطعه على نفسه من تعهدات ،وأنه الآن تحوّل إلى ديكتاتور وواجب الثوار إيقافه من التمادي حتى لا يتحوّل بالفعل الى طاغوت جديد، وهذا لا يعني بحال أنه لا توجد مؤامرات من الخارج من أجل إفشال الثورة المصرية والعودة بها إلى الوراء حتى لا تأخذ دورها الريادي في الامة العربية وقضاياها المركزية!

أما في اليمن فقد ركب موج الثورة عدة قوى بعضها مرتبطة بالأساس بالخارج ، فالمؤامرة هنا واضحة وضوح الشمس ولا تحتاج الى جهد كبير لاستخلاصها، فالثابت الرئيس هي مبادرة الخليج العربي والتي جندت لها دول كبرى لفرضها ،وتجلت أبهى صور المؤامرة في أن ما يحدث في اليمن ليس ثورة وإنما أزمة ساعد في نشرها على نطاق واسع وهيمنة هذه الفكرة ما نهجته القوى السياسية المعارضة (اللقاء المشترك) في السير مع الثورة وقبول التحاور على أنها ازمة ،أسفر هذا التزاوج عن توقيع المبادرة الخليجية التي أسميناها الاعلان الدستوري الخارجي على اليمن ،ورغم أن شعوب العالم قد شهد لثورة اليمن من أنها أقوى ثورة سلمية في التاريخ الحديث ، إلا أن الثوار والثائرات بالرغم من استمرارهم بالميادين والتحشيد قد افتقدوا بحق الى رؤية واضحة المعالم تشكل طوق النجاة لتحقيق أهدافهم ، ولو على مراحل تمزج بين أهداف الثورة في بناء المستقبل وبين الواقع الذي لا مفر منه ، وهو وجود أزمة حقيقية وتفكيكها لا يمكن إلا أن يتم بالتدريج دون إصباغ التمنيات المثالية على الثورة والمنتمين لها وتطهيرهم من أي انحراف وخصوصا ونحن ندرك أن بغض القيادات العسكرية وارتباطها بالنظام القديم والخارج أيضا ً،وبين الرموز القبلية وعلاقتهم المميزة ببعض الدول التي هي بالأساس لها مواقف واضحة من أي ثورة على حدودها ، فاذا كانت تتدخل في الثورة المصرية فمن باب أولى أن تتدخل في الثورة التي على أبوابها، ومن قوى أخرى تقاتلت مع النظام السابق وجاءت الفرصة لتشم رائحة الحرية بعد أن أوصد في وجهها حتى التعبير طيلة سنوات الحروب معها وليس خافيا من مرجعيتها الدينية والسياسية إلى الخارج!

إن الحلول من وجهة نظري في الثورتين- فلا سبيل لكلا الثورتين- غير الحوار ، والحوار الكامل والمنصف دون الاستقواء بالشارع ، ودون التغني بالأغلبية ،ودون استخدام الديمقراطية بشكل تعسفي بالتسليم بالواقع كما يصنعه الحيتان الكبار، والذي ثُرنا عليه أصلاً ، ولا حاجة لنا باستجلاب خبراء لحل مشاكلنا من الخارج نعلم جميعا أنهم يصنعون المشكلات ، ويبغي التنازل لبعضنا أهون وأقل خسارة من الاستجابة للغير. ففي مصر التي نثق بقدرتها وبقدرة ثوارها أنهم سيتجاوزون مشكلاتهم الحالية وبكفاءة عالية لأن الثورة قد شَربها شعب مصر بأكمله ، ولا يوجد من ينكرها! ؛ المشكلة الحقيقية والكبيرة هي في يمننا الحبيب ،فمن يتحكمون في المشهد السياسي اليمني هم متأزمون حقاً ، ولا يعترفون بالثورة إلا بقدر ما تحقق مصالحهم وتقربهم من السلطة ،فمعظمهم يتبنون مشاريع صغيرة ،وفي هذه الحالة على شباب الثورة تَجميع طاقتهم والابتعاد عن الأنانية ، وتعظيم الذات ، والتوحد في إيجاد رؤية شافية وافية تطمئن أصحاب المصالح بالحفاظ على مصالحهم المشروعة والتي لا تهددهم بحيث يتحوَّلُون إلى النقيض وتزداد المشكلة تعقيداً على ماهي عليه ، ولكن بإعمال القانون على الجميع ،وعلى الرئيس أن يتحرر من قيود الخارج لِيلُم القوى الوطنية والسعي بها حتى تحقيق رغبات ومطالب الشعب الذين هم بالفعل السند الرئيسي والحقيقي والمعنيين أصلاً بتغيير ظروفهم الحالية ويقيني أنهم سيؤازرونه بكل تأكيد اذا رءوا بالفعل اشياء ملموسة ،وعلى القوى السياسية التخلي بوضوح عن العقلية السابقة التي ما انفكت تخطط للإطاحة ببعضها ، والتي تبدل تحالفاتها التكتيكية من أجل الاستئثار بالسلطة لوحدها فلا يستطيع أحد أن يحدث تغييرا جديا بمفرده مهما بلغت قوته ،هذا ما أردت التحدث به بما رأيته لعلّى وعَسَى يجد من يلتقط ما فيه من خير ، وترك غثه والذي لا فائدة منه ، والله يهدينا جميعا الى سواء السبيل والخروج ببلدينا الى الخير الوفير ،والاستقرار المفيد ،والتنمية وحب الحصيد !