الجمعة ، ٢٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:١٤ مساءً

الحوار الوطني عندما نتعلق بالوهم

رضوان محمد السماوي
الخميس ، ٢١ مارس ٢٠١٣ الساعة ٠٨:٠٠ صباحاً


الثورات التي قامت في اليمن كانت تهدف الى تحسين الوضع العام للمجتمع والدولة المتابع للثورات في القرن الحديث وأدبياتها بداءاً من ثورة الائمة ضد الاتراك الى اليوم يجد أنها تتحدث عن نفس المفردات والاهداف : الحرية ، العدالة ، العيش الكريم ، المساواة .
المواطن اليمني العادي لم يلمس الحد الأدنى من التغيير المنشود الذي ينشده ، تعاقبت الثورات من ثمانية وأربعين الى خمسة وخمسين الى 62 وظلت الآمال معلقة ، جاءت الوحدة اليمنية كنتاج طبيعي لانهيار المعسكر الشرقي في عقر داره الاتحاد السوفياتي وتفككه وكانت بمثابة هروب الى الأمام من الحزب الاشتراكي ، تلقفها الشعب اليمني بالقبول أملاً في حياة أفضل ، تبخرت آمال اليمنيين بسبب الموقف السياسي الذي اتخذته دولة الشراكة بين المؤتمر والاشتراكي من حرب الخليج وطردت دول الخليج مئات الآلاف من اليمنيين ، ودخلت اليمن في متاهة الفقر والضياع وسوء الأحوال ، وبدلاً من أن تتوحد الجبهة الداخلية للقيادة اليمنية لمواجهة الحصار الخليجي ، تفتت تلك الجبهة وتمزقت ودخلت في صراع انتهى بحرب 1994 ، وقامت تلك الدول الخليجية إنتقاماً من الموقف الرسمي لصالح بتأييد الانفصال إعلامياً وعسكرياً .
علق اليمنيون آمالهم على تلك الحرب وحسمها وأخرج الحزب الإشتراكي من المعادلة أملاً في الاستقرار والتنمية ، لكن صالح ذهب بالبلد نحو الإستبداد والتوريث وظهرت موضة الجمهوملكيات
ظل الشعب اليمني يكابد البؤس والحرمان بصمت ، حتى جاءت ثورات الربيع العربي فانطلق الجميع ينشدون التغيير والحرية والعدالة والمساواة والعيش الكريم ، لكن قوى الظلام "السعودية ، امريكا " وقفت للثورة بالمرصاد وحولتها الى أزمة سياسية انتهت بمبادرة وهذه المبادرة أنتجت الحوار الذي نحن اليوم بصدده وقد عملت الآلة الاعلامية والاحزاب السياسية على الضخ المتعمد أن هذا الحوار هو الامل للخروج باليمن من الأزمة التي يعانيها فهل ذلك صحيح ؟
حتى نجيب على هذا التساؤل علينا اولاً تحديد الهدف من الثورة ومن الحوار :
في تقديري ان هدف اليمنيين يتلخص في اهداف خاصة وأهداف عامة ، الأهداف الخاصة هي العيش الكريم والعدل والمساواة في ظل الاحكام العامة للإسلام وزوال كل المظاهر السيئة من الممارسة العلنية او الحد منها حتى لا تكون هي الاصل والمظاهر الحسنة هي الاستثناء ، أما على المستوى العام فكل يمني يتمنى أن يرى المسجد الأقصى محرر من دنس اليهود والمسلمين متحدين ويتعاملون مع العالم الآخر بندية أو على قدم المساواة غير خاضغين للهيمنة النصرانية الغربية .
على ذلك نقول إن الهيمنة الامريكية عبر أدواتها في المنطقة والعالم ظاهرة في الحوار من خلال اقصاء مكون مهم من الشعب اليمني هم العلماء من مختلف التيارات الاسلامية سواء الرسميين أو غير الرسميين وكذا إقصاء تيار يمني كان له وجود على ا لارض هو تنظيم القاعدة والذي سيطر على محافظة كاملة وأجزاء من محافظات اخرى كما قال بن عمر في مؤتمر صحفي عقده يوم الاربعاء 20/3/2013م وهذا يؤكد تحكم هذه القوى العالمية والاقليمية في الحوار وتجييرة في إتجاهات مختلفة بعيدة عن الإرادة اليمنية الحقة فبقاء القاعدة خارج الحوار هو نقطة توتر كان على اليمنيين التخلص منها إن أمكن وعدم ترك مسمار جحا لأمريكا للتدخل في اليمن وكان الأصل على كل القوى التي تدعي الوطنية والمقاومة للهيمنة الامريكية أن تدفع في هذا الإتجاه والقبول بالقاعدة اليمنيين كمحاورين يمكن حل خلافاتنا معهم ، كما أن عدم الضغط من المؤسسة الاممية ومن الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية على تيار مؤثر وله ثقل اليوم في الجنوب يقوده علي سالم البيض وعلى ناصر والعطاس وحمله على الدخول في الحوار يجعلنا ننظر بعين الشك والريبة من هكذا تصرفات وفرز للمتحاورين ، وكأن ما يجري لا يعدوا أن يكون عملية تسخين وتنضيج للقضية الجنوبية تمهيداً لفصل شمال اليمن عن جنوبه ، الدولة الجديدة في الجنوب لا زال أمامها الكثير من الوقت للظهور وتكوين هياكل ومؤسسات الدولة فالجيش مثلاً يجري الاعداد له من قبيل اللجان الشعبية التي تشكلت لمواجهة القاعدة والجناح المسلح للحراك الذي يتشكل اليوم وهو نواة الجيش القادم في الجنوب ويحتاج الى مزيد من الوقت للتشكل ، ودعم مشروع الانفصال اليوم غير مقبول من المنظمة الاممية وامريكا والسعودية وسيكشف عن وجهها الكالح المتآمر لكنها تعطي الفرصة لأدوات المؤامرة المحلية أن تشتغل بكل أريحية ودون أي ضغوط عليها للدخول في الحوار .
كما أن وجود قوى مؤيدة للإنفصال في الحوار كالحوثيين سيمهد للمرحلة الاولى التي ستسبق الانفصال تحت ذرائع ومسميات جرى تجميلها كالفيدرالية ونظام الأقاليم .
يؤكد هذا الطرح ما يتم تداوله عن قيام امريكا بتوسيع قاعدة العند وإجراء العديد من المشاريع فيها
كل هذا تهيئة لبقاء امريكا في الجنوب لمساعدة الدولة القادمة لمواجهة الاسلاميين من الاصلاحيين والسلفيين والقاعدة الذين سيجدون أنفسهم مكشوفين أمام تيار استئصالي جمع بين حقد الاشتراكيين وثقافتهم الماركسية ولؤم الرأسماليين والغربيين ، حينها سيتنادون للدفاع عن الذات ؛ لكن بعد أن فاتهم القطار وخسروا الكثير من أدوات القوة والتأثير في صنع المستقبل والحفاظ على مكسب الوحدة الذي يحميهم ويضمن لهم ممارسة أنشطتهم بسلام وأمان .
أمريكا والسعودية والامم المتحدة تملك من الأدوات الكثير لإرغام من ذكرنا على الدخول في الحوار
في شمال اليمن ومن بعد إنتخابات 1997م مروراً بأحداث الحادي عشر من سبتمبر جرت عملية إنعاش للفكر الشيعي وكأنه الفكر المعادل للحركة الاسلامية للمناكفة والمواجهة هذا التوافق بين الحوثيين وصالح لم يستمر فكانت الحرب التي يلفها الكثير من الغموض فقد بداءت بعد كتابات الخيواني عن التوريث وظن صالح أنها الحل الأمثل في التعامل مع الحوثي وأنه سيضرب عصفورين بحجر واحد بكسر الجناح العسكري للشيعة فيُخرس الاصوات السياسية والصحافية التي أثارت قضية التوريث وتحقق لصالح ما أراد وقتل حسين الحوثي وطارد قياداتهم وسجن أغلبهم وأخذ بدرالدين الحوثي وابنه عبدالملك الحوثي كرهائن لديه في صنعاء وظل الحوثي الأب وولده في صنعاء لمدة تزيد على الشهر وحصل على الاموال والتعويضات من نظام صالح ثم خرج من صنعاء هكذا بدون أن تُثار حول هذا الخروج لهذا العدو أية تساؤلات ولو كان ذلك الخروج لأسامة بن لادن هل كان سيمر مثل ذلك الفعل مرور الكرام من أمريكا والمحللين والصحافيين لربما وقع صالح تحت طائلة العقوبات الأممية ، أنطلق الحوثي عائداً الى بلاده فعمل صاحل على إثارة حروبه للتخلص من الجنرال العسكري علي محسن الأحمر كأبر عائق يقف في وجه صالح التوريثي ، إذا علمنا أن صالح رمى بكرت الاصلاح واستبدله بكرت الشيعة لتثبيت مداميك حكمه فكانت بقية الحروب عبارة عن صراع أجنحة بين صالح والجنرال محسن بمعنى أن صالح كان يريد أن يجعل من صعدة مقبرة له ، وهذا ما أكدته العديد من الصحف الشيعية التي كانت تصدر في تلك الفترة من الحرب .
ظهر الحوثي في اليمن كقوة ثالثة على السطح الشمالي لليمن ليكون قوة موازية للقوتين المتمثلتين في المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح .
وعليه فهناك من يرى أن الثورة اليمنية أُصيبت في مقتل من يوم الدعوة التي أطلقها عفاش من بعد إرسالة القربي ومطالبته بتدخل الأشقاء للحل ، بالطبع أمريكا حريصة على بقاء الدولة وهياكلها وأدواتها رغم هشاشتها وضعفها ، خوفاً من تحول اليمن الى دولة فاشلة تتنازعها الحروب وأمراء الحرب ، مثل هذا المناخ كان سيوفر أرضية خصبة لسيطرة القاعدة على أراضي جديدة في اليمن وربما سقوط اليمن بأكملة في براثن الجهاديين من كل التيارات الاسلامية الذين ربما أن المحنة الحقيقية كانت ستوحدهم على رأي واحد هو توفير الامن بأي ثمن ولو بالتحالف مع القاعدة .
كل هذه الهواجس وغيرها حركت امريكا والسعودية في إتجاه المبادرة الخليجية لتحقيق هدفين في وقت واحد ضرب الثورة وثقافة الثورة في مقتل وزرع اليأس من أي تغيير أو ثورة
والمحافظة على الدولة وأدواتها لمواجهة التيار المتطرف الذي لا ترضى له امريكا أن يرى النور
أمريكا لا تخطط للحظة الراهنة التي تعيش فيها هي تخطط لعشرات السنين القادمة ، وهي ترى أن بقاء اليمن موحد فيه مصدر خطر عليها وعلى الهيمنة الامريكية في الخليج وترى في دولة موحدة كهذه مقدمة سهلة لأي نظام قادم جاد وصادق في بناء اليمن والعمل على رفع العزة والشأن العربي والاسلامي وتفكيك اليمن يعرقل ويؤخر نجاح مثل هذا المشروع .
الإرادة الاممية وأمريكا (والسعودية التي لا حول لها ولا قوة) عملت بقوة من أجل إظهار الشيعة في اليمن كقوة جديدة يجب الإعتراف بها والتعامل معها من قبل الفرقاء السياسيين المتحكمين في العملية السياسية في اليمن يظهر ذلك من خلال الكثير من المؤشرات التي أعطتها الولايات المتحدة في هذا الإتجاه فهي حذرت صالح من إنتهاكات قد تحدث في حروب صعدة في حينه مذكرة له بشكل غير مباشر بملف صدام الذي لم يجف حبره ومحاكماته التي كانت تُبث على الهواء مباشرة ، وكذا ما تعرض له الرئيس السوداني البشير من خلال مذكرة الاعتقال الدولية الشهيرة التي صدرت بحقه والتي كان لها مردود عكسي على عفاش الذي قام بإيقاف الحرب في صعدة في تلك الأثناء أو بعدها ببضعة أيام عقب صدور تلك المذكرة ، بل إنه أعلن العفو العام عن الحوثيين من جانب واحد .
علاقة صالح مع الحوثيين كانت حرب كسر العظم والعالم والمنظمة الدولية والدول الاقليمية لم تتعامل مع الحوثي كما تتعامل مع القاعدة وهذا يعطينا مؤشر أن الغطاء الدولي والاقليمي للمواجهة الشرسة مع الحوثيين غير واردة ،
تجربتنا كعرب ومسلمين مع أمريكا والامم المتحدة مريرة وتجربتنا كيمنيين مع السعوديةأكثر مرارة ولذلك فأنا لا أعقد كبير أمل على ما يحدث اليوم في مؤتمر الحوار الوطني للوصول الى الاهداف التي تكلمت عنها في بداية المقال وعلينا التعامل معه بحذر من قبل السياسيين الاسلاميين و أن يُدركوا هذه المخاطر والفخاخ التي تنتظرهم .