السبت ، ٢٧ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:١٧ صباحاً

المغترب اليمني "المجهول"... بين وحوش البرية ورصاص الحدود

إبراهيم القيسي
الجمعة ، ٢٩ مارس ٢٠١٣ الساعة ٠٦:٥٥ مساءً

يقضي المغترب اليمني حياته في البؤس والحزن ويتقلب بين ألم المعاناة وسخرية العدم قد أحوجته الحاجة واضطرته المسغبة إلى مغامرة سريالية تكتنفها مخاطر الرحلة بين دولتين الأولى فقيرة والأخرى غنية تجمعها بالأولى وشائج الجوار غير أنها تحمي حدودها من المتسللين إليها من أبناء الدولة الفقيرة وفي هذه الأثناء يقوم الفقراء من أبناء الدولة الفقيرة تحت داعي الحاجة والفقر والمسغبة بالتسلل إلى داخل أراضي الدولة الغنية وفي هذه الرحلة الخطيرة تحدث العجائب وتحكى الأساطير حول رحلة المغامرين فمنهم من يموت في الصحراء نتيجة الظمأ والجوع ومنهم من تنهشه الثعابين والحيات فلا يجد مسعفا فيقتله السم ومنهم من تأكله الوحوش في البرية فلا يعلم بمصيره ومنهم من تعتدي عليه الكلاب المسعورة فيضطر للرجوع إلى بلده ليتداوى من مضاعفة الشبق ومنهم من يقضي نحبه شهيدا برصاص جنود الحدود ...الخ.
ومن تجاوز هذه الأخطار واستطاع الدخول وحصل على عمل فإن صاحب العمل يستخدمه حتى يحين سداد أجره فيحتال عليه باستدعاء جنود الترحيل فيرحل مظلوما مكدودا مسلوبا من أجره ومنهم من تأخذه دورية الترحيل وهو في عمله أو في فراش نومه أو في الشارع فلا يسمح له بلبس ثوبه أو أخذ أجره فإذا وصل إلى بلده ماطله صاحب العمل في إرسال أجره وهكذا يظل في أتون الظلم لا قيمة لإنسانيته ولا اعتبار لحرمته ولا ضمير حي يفي له بعرق جبينه .
ومن أخذ للترحيل ولديه مبلغا من المال فإن كان في حدود الألفين فما فوق صودر كاملا وإن كان أقل من الألفين أخذوا منه نصف المبلغ فإذا وصل إلى سجن الحجز رمي مع مجموعة كبيرة في غرفة صغيرة ينام بعضهم على بعض ويقضون حوائجهم في نفس المكان تطفو عليهم مياه البيارات فلا يؤدون صلاة نتيجة مستنقع القاذورات فإذا جاء وقت الترحيل أخضعوا للبصمات ورصوا بين السيارة كرص البطيخ بعضهم على بعض فيتحملون الأذى ويقل التنفس فإذا وصلوا إلى منفذ الطوال أنزلوا في ذلة متناهية فيقطعون المسافة من منفذ الطوال السعودي إلى منفذ الجمارك اليمني في حرض في جماعات تسد الأفق حفاة عراة مشيا على الأقدام ومن يقف في الجانب الآخر لجمرك حرض يرى تلك الجماعات بجلاء لا ينقطع سيرهم على مدى الأربعة والعشرين ساعة .

وعندما يصل هؤلاء إلى المنفذ الحدودي يكون التعب والجهد قد بلغ بهم إلى حال يرثى له ولأن الكثير منهم لا يملك قوت يومه فيضطر لمد يده للشحذ من أجل الحصول على مبلغ مالي يسد رمقه من الجوع وأجور مواصلات تصله إلى البيت هذا إذا وجد من يتصدق عليه فإذا وصل إلى بيته يكون الألم والأسى قد بلغ به الذروة ولم لا ؟ فهو سيقدم على أهله وأولاده بعد غربة طويلة ينتظرون منه الهدايا وخاصة الأولاد الصغار الذين ينتظرون الحلوى على أقل تقدير .

هذا حال المغترب اليمني وهذه صورة مبسطة لبعض معاناته فقد تجشم كل المصائب وتحمل كل المخاطر في هذه الرحلة الأسطورية القاتلة والتي ينتظره فيها الموت الزؤام ويتربص به الخطر من كل مكان فلا رحمة ولا شفقة ولا اهتمام ولا عناية وفي المقالات القادمة سأذكر نماذجا من قصص مروعة لمغتربين ماتوا برصاص الحدود أو بنهش الثعابين أو بافتراس الوحوش إن شاء الله .
28/3/2013م