الخميس ، ٠٢ مايو ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٥٨ صباحاً

برمج نفسك كيفما تحب

عبدالرحمن محمد أحمد الحطامي
السبت ، ١٣ ابريل ٢٠١٣ الساعة ١٢:٤٠ مساءً
في علم التنمية البشرية ما يسمونه البرمجة العصبية ، وهو مجموعة الرسائل التي تحدد بها مستقبلك الذي تصنعه لذاتك يختزنه العقل الباطن ليجعل منها برامج عملية سلوكية تترجم تلك الرسائل كأهداف يسعى صاحبها ليجعل منها واقعه الجديد . وبحسب إيجابية الرسائل أو سلبيتها فإنها تؤثر وتوجه صاحبها للعمل وفق البرنامج الذي تمليه عليه دلالات الرسائل ومعانيها ، فإن حدثت نفسك وحددت لها طريق النجاح في مشروع يعود بالنفع عليك أو على غيرك وتجاوزت رسائل التثبيط والمعاذير والمعوقات وحدثت نفسك بالأجر والمثوبة من الله تعالى وحدثتها بجميل الإحساس حين ترى أثر ما صنعت في الآخرين من السعادة والبشر فتكون سبباً لرفع الضر والألم عن مريض عليل ، أو أغثت ملهوفاً ، أو أطعمت جائعاً ، أو أحصنت شاباً وفتاة جمعتهما على العفاف والطهر ، أو مسحت دمعة يتيم ، أو كففت عائلاً ذو عيالٍ عن السؤال ، وتكون بكل هذا وبعد هذا صنعت من نفسك خلقاً عظيماً عدت نفسه من العيش لذاتها وأبت إلا لتعيش للآخرين !!

وهكذا ربى الإسلام أتباعه ولا يزال يربي فيهم فكرة العيش بالنفس للغير لا لذات النفس ، ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) . ونصوص القرآن والسنة تزخر بالرسائل الإيجابية البناءة التي ترقى بالإنسانية وتزينه سمواً ورفعة ، وبالمقابل تنهاه وتحذره من أن يقبل بأيِ رسائل سلبية تقعده عن العمل والإنتاج والعطاء والعمران ، هذا المصطلح المعاصر ( البرمجة العصبية ) علمٌ رائع ومؤثر استفاد الناس منه كثيراً ولا يزال تعتمد عليه وتدرسه وتعمل به الكثير من الجهات والمؤسسات والأفراد ، لكن ما لا يدركه الكثير من المسلمين أن الإسلام له فضل السبق في هذا المضمار وحقق من النجاح والنتائج التحسينية في حياة المستهدفين ما لم يحققه ما يتفاخرون به المسمى با ( البرمجة العصبية ) ! . وإليكم البرهان : أمة من الناس اعتادت أن تشرب الخمرة كما يشربون الماء وهم على ذلك منذ سنوات وكان هذا المشروب تمتلئ بها قدورهم وآنيتهم ، استطاع الإسلام بمراحل متدرجة أن يجعلهم يكبونها في الشوارع والأزقة بل ويرددون : انتهينا انتهينا حين نزل النص القرآني في تحريم الخمر ( فهل أنتم منتهون ) . وما كان لينتهوا لولا أن الوحي برمجهم في دورة تدريبية متدرجة حقق من خلالها تبغيضهم وتنفيرهم منها حتى عفتها نفوسهم وحرضهم على تركها وزكاهم بالإيمان الذي ينتسبون إليه فهل يستطيع أرباب هذا العلم أن يستهدفوا المدخنين مثلاً ويصلوا معهم إلى مرحلة الإقلاع النهائي عن التدخين ؟. فإن فعلوا فنعم ما يفعلون ونذكرهم فقط بلزوم الإخلاص الذي يستوجب لهم الأجر والمثوبة ويكونون بأخذهم بهذا العلم يتبعون هدي الإسلام ومنهجه في التأثير على الآخرين والتغيير من قناعاتهم السلبية الخاطئة بقناعات إيجابية بناءة معطاءة محبة للخير ، لقد سنت دوائر الكفر في أوروبا القوانين التأديبية الرادعة لمنع التدخين وشرب الخمر قبل حوالي عشرون عاماً أو يزيد وتكبدت الخسائر المادية لتحقيق هذا الهدف ولكنها لم تفلح ، لأنها لا تمتلك ما يمتلكه الإسلام من رسائل تحفيزية ورسائل تحذيرية ورسائل مطمئنة ورسائل حوارية توحي إليهم أنهم برغبة منهم وقناعة تركوها لا بإكراه . إنني هنا لا أهاجم هذا العلم أو أقارنه بالإسلام ، إنما أريد القول أن الغرب يكتشف أساليب ووسائل مؤثرة في حياة الناس ويظن الناس وخاصة الشباب أنهم أتوا بجديد ! بينما بالبحث الجاد والفهم الفطن ندرك أننا نمتلك في ديننا هذه الوسائل وهذه الأساليب لكننا لزهدنا وضعف همتنا ننتظر من الآخرين ليفاخرونا بجديد حتى نبحث ونفتش في موروثنا الحضاري لنكتشف بعد ذلك أن ما معنا يفوق ما أتوا به أضعافاً مذهلة . إننا نمتلك برامج تغيير فعالة ومدى فاعليتها طويلة تتجاوز الحياة ذاتها ، قال عليه الصلاة والسلام ( إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها ) ومعروف أن النخل بعيدة الثمرة ، وأن قيام الساعة نهاية حياة البشرية فلم الغرس إذا ؟! إن لم تكن الرسائل الإيجابية حتى آخر لحظة بل ما بعد لا شيء في العلم البشري والمنطق البشري لكنه الإيمان بحب الخير دون انتهاء .