الاربعاء ، ٠٨ مايو ٢٠٢٤ الساعة ٠٢:٤٥ مساءً

القرآن في رمضان تلاوة وثواب وهداية

إبراهيم القيسي
الأحد ، ٢٨ يوليو ٢٠١٣ الساعة ٠٤:٤٠ مساءً
يعيش المؤمن في رمضان متصلا بكتاب الله يستنشق عطره ويقطف زهره ويرتشف جداوله وينعم بحدائقه الغناء ويطير في واحاته الفيحاء يصدح بترتيل آياته ويستظل بظلال سحبه المنهمرة ويطوف بين أزهاره الملونة مستمتعا بنضارة المشهد ومطمئنا بحدائق المعهد فترش عليه سحبه صوب الغمام وترفده ثماره بالعطاء التمام فيشرق بالأضواء النورانية ويغمر بالهبات الرحمانية ويغشى بالرحمات الإلهية فيتقلب بين نعيم القلوب ويتشرب أنس النفوس ويرتاح إلى سكينة العقيدة وطمأنينة الإيمان فيشعر بالأمن في مسار الحياة وبالثقة في سلوك طريق النجاة فيستمتع بالحب المتولد من تلاوة الآيات فيغدو في درب الحق بطلا وفي سماء الخلود طائرا وفي جنان القرآن لابسا تاج الكرامة مرتديا عباءة التكريم فيطير بريشه الأخضر وبجناحه الأقدر محلقا بسمو الروح إلى عالم الملكوت فيشرب من كؤوس دهاق من أنهار العسل المصفى ومن جداول السلسبيل .

وكم هي الكرامات المنهمرة والفضائل المتدفقة التي نجنيها من قوله تعالى : " إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور " (فاطر 19 ـ 20) والخيرية المطلقة متعلقة بقوله :ـ صلى عليه وسلم ـ " خيركم من تعلم القرآن وعلمه " البخاري . والرفعة والمجد متعلقة بقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ " إن الله تعالى يرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين " مسلم . ويبين ـ صلى الله عليه وسلم ـ علاقة المؤمن والمنافق بالقرآن في ثنائية بيانية تعطى تلك الدلالة بالاتصال والانفصال عن هذا الكتاب في تجليات بيانية رائعة تحمل روعة البيان في أمثال منتزعة من بيئة الحياة الملامسة لطبيعة البشر في دلالة عقلية وحسية " مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة لاريح لها وطعمها حلو ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر ومثل المنافق الذي لايقرأ القرآن كمثل الحنظلة ليس لها ريح وطعمها مر " متفق عليه .

ولقارئ القرآن حسنات مضاعفة وأجور عظيمة تكتب عند الله لا يفوت منها شيء قد أحصاها الله في كتاب لايغادر صغيرة ولاكبيرة قال : ـ صلى الله عليه وسلم ـ " من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول (الم ) حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف " الترمذي . والاجتماع لقراءة القرآن فضيلة عظيمة ليس لها حدود وترفد المشهد بكرامات ثرة " ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده " مسلم . ومن تلك الكرامات قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ " عليك بتلاوة القرآن فإنه نور لك في الأرض وذخر لك في السماء " ابن حبان . ولقارئ القرآن نصيب من الأجر سواء كان ماهرا أو متعتعا " الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران " متفق عليه .

والقرآن صديق وفي ورفيق لاينفك عن صاحبه حتى يدخله الجنة " يجيء صاحب القرآن يوم القيامة فيقول القرآن : يارب حله فيلبس تاج الكرامة ثم يقول : يارب زده فيلبس حلة الكرامة ثم يقول : يارب ارض عنه فيرضى عنه , فيقال له : اقرأ وارق ويزداد بكل آية حسنة " الترمذي . ولا يقف عطاء القرآن عند قارئ القرآن بل يتعدى إلى الوالدين " من قرأ القرآن وتعلم وعمل به ألبس والداه يوم القيامة تاجا من نور ضوءه مثل ضوء الشمس ويكسى والداه حلتان لاتقوم لها الدنيا فيقولان بم كسينا هذا ؟ فيقال بأخذ ولدكما القرآن " الحاكم .

ويظل المؤمن يرتشف من جداول القرآن معينا لا ينضب وكلما اقترب كثيرا من المصحف أضفت عليه الأنوار القدسية ظلالا من السكينة وسحبا من الرحمة وأفعمت مشاعره بالحب الإلهي الخالد فيستروح في ظلال تلك الحدائق ويستنشق أريج الأزهار الشذية في روحانية مطلقة ويحلق بنفسه في معارج الصعود فيصل إلى أوج المبتغى ويكسب التجارة الرابحة مع الله بتلاوة كتابه فيظل يتضاعف الأجر والثواب في تلك الليالي المباركات التي يتجاوب فيها أصوات التالين في روعة تملأ النفس قدسية مطلقة وتضيء الوجوه بإشراقة الحق المبتسمة فتتورد الأرواح بألوان من الشفق وخضرة من أنوار الفجر فتذهب تلك الدكنة السوداء من النفوس وتحل بها شموس الحق المتولدة من نجوم الهداية ومصابيح الاجتهاد .