الجمعة ، ٢٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٤٤ صباحاً

انظر ماذا يرجعون

نبيل مبارك عجرة
الخميس ، ٢٦ سبتمبر ٢٠١٣ الساعة ١٠:٤٠ صباحاً
وجه ملك الإنس، والجن وكذلك الطير برسالة من فلسطين إلى مأرب اليمن مع خبير الاستطلاع لتلك المنطقة فأوصاه بعد أن يسلم تلك الرسالة بوصية فقال له: { ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون } تول عنهم: تنح إلى مكان قريب وكن قريب منهم ثم تأمل وتفكر ما يقولونه بمسمع منك، لتعرف رد فعلهم، وماذا يرجع بعضهم إلى بعض من الكلام حول ما ألقيته عليهم؟ تأنى حتى تنقل المشهد كاملاً متكاملاً فإن العجلة في الحكم على الآخرين تفوت عليك النهاية والتي بطبيعة الحال تكون الخلاصة والقرار النهائي، ولكون التنحي بعد تسليم الرسالة أو بعد إلقائها من أحسن الآداب التي يتأدب بها الرسل المبعوثون إلى الملوك.

فهذه وظيفة داعي الحق معرفة حاجة الداعين ثم إرساله إليهم وبعد ذلك الاستنتاج، هل أدت هذه الحاجة ما يرجونه أم نقصت؟ هل هم ممن يقتنعون بهذه الوسيلة أم يريدون تدرجاً إلى وسيلة تكون أقنع وأقمع لما في نفوسهم؟ لن نعرف ما في نفوسهم إلا أن يبوح به بعضهم إلى بعض فإذا لم يكن هناك من يسمع ويرى ما يدور بينهم من القول وإلا فقد ذهب جهد الداعين سودى!.

فيا أيها الداعي، والمعلم، والمرشد انظر ماذا يرجعون لا تستعجل الثمرة التي تريد أن ترى أثرها في مجتمعك فلذا تول عنهم لتسمعهم عن كثب لتتلافى ما فاتك في هذه المرة للأخرى لا تتولى قلباً وقالباً بل انتقل من مكان لآخر جسداً واترك الحس يستنتج ما يرجعون، بهذا سترى بذرات الرشاد والخير لن تأتي ألا بخير.

فعند أن يؤدي الخطيب خطبته، والأستاذ درسه، والدكتور محاضرته، عليه أن يتمهل وينتظر في مكانه ذلك لعل سائل يسأل، أو مستشكل يستشكل عن شيء يجول في باله مما سمعه لتتم الفائدة للجميع، إن هذا الانتظار لا تختص به فئة دون أخرى بل عام لكل أهل التخصصات في كل فن فكل في فلك يسبحون بما يجول في خواطرهم من الأفكار التي وهبها الخالق سبحانه، فوظيفة الداعي إيصال الفائدة بكل وضوح وسهوله إلى عقول المستمعين فلا تجعل بلاغك كحمل يثقلك تريد أن تضعه على عواتق الآخرين وترحل بل إنك تعرض أعظم بضاعة فاعرضها بين الداعين بأرقى وسيلة مباحة بين البشرية أجمع فإن من المستمعين معاندين، ومن يفهم الكلام على غير مراده، ومن يريد أن يتزود منك لكن يمنعه كبر أو حياء فانتظر لتعالج كل هذه القضايا واهتم بمن يريد أن يفهم وابعد عنه المعوقات التي تحيل بينك وبينه اتركه يخرج ما في نفسه ثم صوبه أو خطأه مع ذكر الصواب من غير عناد منك، وإذا كان العناد ضدك فتجاهله، كن سهلاً بشوشاً مقبلاً منصتاً ليكون أدعى لجلب أهل الحياء واتعاظ أهل التكبر وإياك والاستهتار أو التضجر مما قد يطرح عليك من استشكالات حول ما ألقيته بل تقبله بروح يملؤها حب لمعرفة ما عند الآخرين فلعلك أن تكون حامل فقه إلى من هو أفقه منه.