السبت ، ٢٧ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٣:١٢ صباحاً

للقلوب أوتار تعزفها الأحداث

عبدالرحمن محمد أحمد الحطامي
الأحد ، ١٣ اكتوبر ٢٠١٣ الساعة ١٢:٤٠ مساءً
خرجت ذات مرة من أحد الجوامع بعد صلاة الظهر وكالمعتاد تجد على أبواب الجوامع غالباً أصحاب الحاجات من الفقراء والمعوزين بغض النظر عن احترافية البعض منهم ! . خرجت فوقعت عيناي على مسن يمد يده اليمنى يسأل الناس أن يعطوه ويمسك عصاه بيده الأخرى ، وهذا مما ألفناه وألفته أعيننا حتى في الجولات وعلى الأرصفة ، لكن هذه المرة وقعت عيناي على مسن روت عينيه فصولاً من أحداث مؤلمة وحياة قاسية ذاق منه كؤوساً مرة أنهتها بدموع كانت تحاول جاهدة للعبور على وجنتيه تأكيداً وتوثيقاً لتكون أشبه باليمين المنعقدة ، وتحسست علَي أجد ما أنفقه عليه لكن الفاقة طوقتني لأرثي حالي البائس ،إذ كنت حينها لا أملك وظيفة ولا أملك مصدر رزق أقتات منه ، وكنت يومها طالب دراسة جامعية ، وعدت للبيت أرثي عجزي ومشهد المسن والدموع التي أرادت أن تسيل على وجنتيه حرَى تشكو قسوة الظروف وقسوة الإنسان العابث بماله هنا وهناك ولا يلتفت لأمثاله ! ويمسك هذه الدموع لتبقى شاهدة ومؤثرة لكل قلبٍ يمتلك أوتاراً تستجيب للترانيم الحزينة إذا ما وقعت عيناه على مسكين أو عاجز أو يتيم تقرأ من وضعه وحاله كلمات لا تنطقها الشفاه وإنما دموع العين الرقراقة على الوجنتين تضرب أوتار القلب على أنغام أنشودة الوجع الأنين !

كم هي المشاهد التي بعضها نراها والبعض منها نقرأها أو نسمعها ونتصورها كأنما حاضرة حية مؤثرة تضرب أوتار القلب لتتولد منها العاطفة الجياشة نستلهم منها الدروس والعبر والمواعظ والمفاهيم ، ولرب حادثة ضربت أوتار قلب قاطع طريق أثمرت عزمه عن التخلي عن قطعه الطريق وأعادته إلى العابد الزاهد تحكي عيناه خشوع قلب كان ذات يوم لا يعرف الرحمة ، أخاف الآمنين ، وقطع السالكين طريقهم ، وقد يسلبهم أرواحهم إذا خافهم على نفسه بعد إطلاق سراحهم ! . أو رب سارق دخل بيتاً يسرق أثمن ما فيه فتسمع أذناه ربة البيت أو رب البيت يقرأ في خشوع قول الله تعالى وهو قائم يصلي ( ألم يئن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون ) فلامست الآية أوتار قلبه فاستحى من الله وانطلق بقلب غير القلب الذي أتى به ! أليس يدل هذا على أن الإنسان وهبه الله أوتاراً تأتي بعض الأحداث وليس كلها لتعزف أنشودة العودة إلى الله والعودة إلى الإنسانية الطاهرة المتجردة من لوث المادة وركامها ؟!
ويكون هذا حين يشاء الله ، فما شيء في هذا الوجود يمتلك الحول والطول والصول إلا بمشيئته جل في علاه . كيف كان إسلام الفاروق عمر رضي الله عنه ؟ ألم يحاول وقد شهر سيفه عازماً على تخليص قريش من هذا الدعي ( محمد ) الذي فرق بين الأخ وأخيه وجرأ العبيد على سادتهم وسفه آلهتهم ، فرده رجل ممن يخفي إيمانه إلى بيت أخته وكان عندها مع زوجها سعيد خباب يقرأ عليهما آيات من القرآن ، فاشتط غضباً وأخذ يضرب زوجها ولطمها على وجهها فأسال دمها ، وسألها أن تعطيه الكتاب الذي كانا يقرآنه ، فأبت حتى يغتسل من نجاسة شركه ، ولما فعل وأخذ يقرأ الآيات ( طه . ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى ) الصدر الأول من سورة طه ، تحركت الأوتار المتأثرة بجلال الآيات وهابها عمر ليسلم على إثرها . هذا الفاروق بعد إسلامه يستحضر أيام خلافته مشهد البعير المتعثر على طريق العراق ويخاف أن يسأله الله لماذا لم تسو لها الطريق يا عمر ؟! .

ليس أحد منا إلا وتستوقفه صورة حية رأتها عيناه مباشرة أو سمع عنها فتصورها بقلبه وأحس برغبة في البكاء بحسب ما رأى أو سمع إن كان فرحة لعزيز أو حزنا على عزيز ، وقد يكون ممن نعرفهم أو ممن لا نعرفهم ، المهم هي هبة الله بين حنايا هذا الإنسان يحرك الله أوتار الرحمة فيه متى شاء وقتما يشاء . فسبحان الذي بيده كل شيء وهو على كل شيء قدير .