الجمعة ، ٢٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١١:٣٤ مساءً

التفخِيخ في البديل لمادة العزل السياسي!

د. علي مهيوب العسلي
الأحد ، ١٧ نوفمبر ٢٠١٣ الساعة ١٢:٤٠ مساءً
أعتقد أن المُفخخات كثيرة هي في النص البديل لمادة العزل السياسي!

فلوا ناقشنا بعض البنود البراقة التي تجذب المتابع ، وتبدوا له وكأنها تسن تشريعات في تفصيل شروط شغل الوظائف العليا في الدولة ، غير أن الحقيقة أن هناك مفخخات قد تكون سببا للتوترات والاختلافات في قادم الأزمان حول تفسيرها ، فما أُريد له ان يكون موجهات دستورية للدستور القادم في هذا المقترح البديل ..هو في حقيقته تفصيلات يتولاها القانون ولا تُعد موجهات دستورية كشرط مثلا "أن تكون أو يكون المتقدم للوظيفة العليا تعينا أو انتخابا من أبويين يمنيين" ،وهذه لا تضيف شيء لما نحن بصدد مناقشته من تفخيخات!

لقد توافق فريق عمل الحكم الرشيد بمؤتمر الحوار الوطني الشامل على نص بديل لمادة العزل السياسي، وقد حدد النص البديل شروط من يترشح أو يعين في مناصب رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء، ورؤساء المجالس التشريعية ورؤساء الاحزاب والتنظيمات السياسية وامناء العموم، وكل المناصب القيادية والسياسية في الدولة. وقضي النص الجديد بأن "ينص في الدستور على وجوب توفر الشروط لمن يرشح أو ينتخب في المناصب السابقة وعدد نقاط الاتفاق بخمسة عشر فقرة تبدء بفقرة "أن يكون مسلم الديانة" ، وتنتهي بفقرة "أن لا يمارس عملاً تجارياً اثناء توليه المنصب". وسأركز على بعض الفقرات في التحليل وعلى النحو الآتي:

أولاً: - الفقرة الثالثة والرابعة التي تشترط على المتقدم لأي من المناصب السابقة تعينا أو انتخابا "3- أن لا يكون متزوجا من أجنبية وأن لا تكون متزوجة من أجنبي. 4– أن لا يكون حاملا لجنسية دولة أخرى غير جنسيته اليمنية" . فعلى من فصلت هاتين الفقرتين، فهل هما مفصلتان على أشخاص بعينهم كأن نقول الرئيس علي سالم البيض أو الرئيس علي ناصر محمد؟؛ وكذلك أي شخصيات مهمة بحجمهما أو أقلمنها ، ويراد إبعادها على المشاركة السياسية في الدولة الجديدة .أعتقد أن هذه التفخيخة الأولى؛ فكيف إذا شخص سياسي أُبعد عن وطنه بالقوة أو بقرار سياسي من قبل الانظمة المتعاقبة كونه خصم ساسي ، فاضطر ذلك الشخص أن يطلب اللجوء السياسي ، ومن ثمّ يطلب الجنسية في البلد الذي سمح له باللجوء إليه على سبيل المثال ، وكم من أشخاص وهم كثر رافقوا صالح في زياراته ولم يعودوا من سياسيين وحتى صحفيين!

ثانياً:- الفقرة الخامسة والسادسة " أن يكون حاصلا على شهادة جامعية.6 – أن لا يكون قد تولى منصب رئاسة الجمهورية أو رئاسة الاحزاب أو رئاسة البرلمان والشورى، أو رئاسة الوزراء، لفترتين رئاسيتين". فماذا يراد من هاتين الفقرتين ؟؛هل الاعتراف بأمية الرؤساء السابقين ،وتلاعبهم بالدساتير والفترات الرئاسية ،فهذا شيء طيب إن حصل ذلك ،ولكني أشك في ذلك لأن الفريق في الحكم الرشيد المتوافق لن يسمح بالإساءة لمن اعتبرهم لفترة من الزمن من أنهم هم من بنوا اليمن ،وهم الموحدون المتميزون المبدعون ولولاهم لكانت اليمن في خبر كان!؛ولكني أعتقد أن هاتين الفقرتين هما مصدر التفخيخة الثانية ،فالشرط الجامعي صار مُيسرا وبسيطا!؛ فكم من شخص قد وظف بقرار جمهوري ، وتبين لاحقاً من أنه لا يحمل شهادة جامعية ، لكنه قدم شهادة أدعى أنه حصل عليها من جامعة معينة ، فإذا بالجامعة تُصرح من أن ذلك الشخص لم يتخرج من الجامعة ولم تمنحه شهادة قط ،باختصار شهادة مزورة وحتى لو طلب المنصب ؛ أي منصب شهادة دكتوراه فسيتم احضارها بكل يسر! ؛فصار المتطلع حتى لا يخجل من التزوير، أما من ناحية أن لا يكون المتقدم قد تولى ولفترتين منصب الرئاسة ،فإن هذا إقرار فيما إذا أقر بأن اليمن الجديد رئاسي وهو مالم يتم اقراره بعد من فريق العدالة الانتقالية فهو استباق تفخيخي!!؛ ولا يعالج أصل المشكلة من أن علي عبد الله صالح قد مُنح حصانة ويستحق وفقا لذلك العزل السياسي !؛ ثم أي إنسان سيتبرع وسيقوم بالدفاع والتفسير فيما إذا أقرت هذه الفقرة من أنها لا تعني الماضي باعتبار أن المتحاورين يتحاورن لرسم معالم مستقبل اليمن ،وأن أي تشريع سيطبق بعد اقراره بالدستور الجديد أي من بعد الاستفتاء عليه، وطالما والمقترح يقترح أن يكون في الدستور الجديد ،وبالتالي فلا ينطبق هذا النص بأثر رجعي ، وانما سيطبق لاحقا على من يرشح للرئاسة أي من بعد فترتين رئاسيتين وكأننا هنا نحقق الرغبة الجامحة والكامنة عند الشيخ سلطان البركاني المتمثلة بتصريحه الشهير "تصفير العداد" ثم ما دخل إدخال الاحزاب وبقية السلطات الواردة في الفقرة باختيار الرئيس ،فالرئيس يجب أن يُختار ولا يعين إذا ما اتفق المتحاورون على النظام الرئاسي ؟؛ فإدخال رؤساء الأحزاب يدل على خلط لا مبرر له على الاطلاق، فالأحزاب هي التي تختار رؤسائها ولا تُعد وظيفة عامة يتقاضى بموجبها رئيس الحزب راتبا من الدولة ،ويمكن بدلا من ذلك من الاشارة - إن الحزب الذي يختار رئيسا له لثلاث دورات فإنه بحكم الدستور يُحرم من حق الترشح لرئاسة الجمهورية- هنا ربما تستقيم الأمور كون التشريع يفرض على الأحزاب تجديد ذاتها ،لأن البعض من رؤساء الأحزاب قد أنهى عمره في رئاسة الحزب!؛أما رئيس الوزراء فهو يخص الحزب الذي فاز بأغلبية الأعضاء هذا إذا كان النظام برلماني أو مختلط ،وبالتالي ما ينطبق على رئيس الحزب ينطبق ايضاً على رئاسة الوزراء، أي بمعنى إذا أراد الشعب منح حزبا معينا أصواته مرتين متتاليتين، فهل لا يجوز للحزب وبخاصة إذا حقق نجاحا لتحقيق مصالح الشعب من خلال حكومته بشخص منتمي إلى ذلك الحزب من أن لا يكون في رئاسة الوزراء مرة أخرى؟؛فانه من غير الانصاف ان يحرم الحزب الذي يسهر ليل نهار على خدمة المواطنين من تشريع يحرمه من الترأس مرة أخرى ..وهكذا بقية المسميات.. لا أريد الخوض فيها أكثر فهي فقرة ملغمة ومفصلة فقط على أشخاص .. وهي ربما تصلح لأن تكون حلا فقط للمشكلات القائمة أو لفترة انتقالية ، وليس ليمن المستقبل!

ثالثاً:- الفقرة الثامنة والتاسعة والعاشرة والثالثة عشر "8 – أن لا يكون قد صدر بحقه حكم قضائي بات، في تهمة مخلة بالأمانة والشرف، أو قضايا فساد، أو أي جريمة جسيمة، ما لم يكن قد رد إليه اعتباره. 9 ــ أن لا يكون ممن لا يستطع القضاء النفاذ اليهم لإدانتهم على أي انتهاكات بسبب قيود قانونية تعرقل القضاء. 10 – أن لا يكون قد تورط في ارتكاب انتهاكات جسيمة بحقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، وفقا للمواثيق والعهود والقوانين الدولية (جرائم الحرب، جرائم الإبادة الجماعية، جرائم ضد الإنسانية). 13 – أن يتضمن القسم الذي يؤديه لتولي المنصب التزامه بالدستور واحترام حقوق الإنسان والانصياع لحكم القانون ومبادئ الحكم الرشيد، وأن يعمل بكل نزاهة ومسؤولية للصالح العام وليس لمصلحته الشخصية". وهذه المواد المتناقضة والمفخخة هي مربط الفرس لمقالي هذا ،خصوصا والإعلام والتهييج الإعلامي قد لجأ مؤخرا إلى الترويج من انتصار ثورة الشباب ،ومن أنها قد انتزعت الموافقة على العزل السياسي للرئيس السابق صالح ، مما أثار حفيظة المتحزبين له وعملوا بما استطاعوا أن ينهوا تلك الفقرة المتعارف عليها بالعزل السياسي لمن مُنح الحصانة ..فالطبيعي والمنطقي من أنه على الأقل يُحرم كل من حُصِّن من النشاط السياسي مستقبلا ،وهذا هو منطق الأشياء فأرادوا إفراغ هذا المطلب الموضوعي بهذه المتاهات من البدائل غير المنطقية وغير العملية عند التطبيق .. فالفقرة التاسعة تتكلم عن شخص قد يكون ممن لا يستطع القضاء النفاذ إليهم لإدانتهم على أي انتهاكات بسبب قيود قانونية تعرقل القضاء ، فكيف يتم إثبات أن الشخص المرشح هو ليس ممن لا يستطع القضاء النفاذ إليه ،وهذا النص في نظري مَعيب جدا ،حيث يجب أن نُبرز هيبة القضاء ومن أن لقضاء لا سلطان عليه ،فالقضاء والقانون هما الفيصل في الحكم على الأشياء والأشخاص، كذلك الفقرة التي تليها تتكلم عن نص دولي وقانون دولي ،فهل يمكن اراد عبارة في الدستور من أنه اذا فشل القضاء المحلي في إدانة الشخص المسئول عن الجرائم والانتهاكات ،فإنه يحق للدول ملاحقة من ارتكبوا جرائم ضد الانسانية؟؛وهل يتطلب ذلك تشريع محلي ؟؛ لا أظن ذلك !؛فما جاء بالفقرة الثالثة عشر يؤكد بما لا يدع مجالا للشك من أن الرؤساء في بلداننا يمارسون عكس ما جاء في فقرة أداء اليمين أو القسم مع كل أسف!

رابعاً :- الفقرة الحادية عشر والثانية عشر " 11 – أن لا يكون منتسبا للمؤسسة العسكرية أو الأمنية، ما لم يكن قد ترك عمله في المؤسستين قبل فترة لا تقل عن 10 أعوام. 12 – أن يقدم إقرارا بالذمة المالية له ولأولاده وبناته وزوجاته، وأن يعلن عن جميع ممتلكاته المنقولة وغير المنقولة في الداخل والخارج، وأن يرجعها للوطن قبل الترشح". فهل الفقرة الحادية عشر تنطبق على علي عبد الله صالح ؟؛باعتباره كان لا يلبس البدلة العسكرية إلا فيما ندر ؟؛إذا كان صالح ممن لا ينطبق عليه كونه قد أدار قمع الثورة الشبابية بعسكره !؛فهل ينطبق النص على الرئيس الحالي هادي ؟إذا كان لا ينطبق عليه على اعتبار أنه كان يمارس الوظيفة المدنية منذ تسعة عشر سنة كنائب للرئيس !فلماذا إذا منحه صالح رتبة المشير مؤخرا وقبلها ؟؛ثم كم من وزراء هم عسكريون ويمارسون عملا مدنيا؟؛ فهل يعتبرون ممن قد خرجوا من العسكرية أم لا؟ ؛وفي الفقرة التي تليها اقرار الذمة المالية!؛ فما دخل أولاده وبناته وزوجاته ؟؛ ثم لماذا يرجع أمواله المستثمرة من الخارج مثلا إلى الداخل قبل ترشحه لأي من المناصب الواردة في شروط شغل الوظيفة المقترح؟؛ هناك صياغات غير عملية ربما يلجأ اليها المتحاورون اضطرارا ، فهي لا تلبي ما يتطلع اليه الشعب اليمني ، وأحياناً لا تخدم حتى من يتحاورون أنفسهم.. فلا داعي أن تدخلوننا في قضايا فرعية - تفصيلية ،فربما قد تكون سببا في فشل حواراتنا !

وخلاصة القول فإما الحصانة والعزل السياسي لمن يطلب الحصانة ،وإما اللاحصانة ومن حق اي إنسان يمارس عمله السياسي ويحاكم إذا أجرم وأدين .. هذا هو منطق العدل والانصاف يا متحاورين.

أردنا بهذه الملاحظات أن ننبه إلى أن ما تم اقتراحه من بديل قد يكون هو سببا لانشقاقات واختلافات مع تقديرنا لمن توصلوا لهذا الاتفاق من أنهم حَسِنُوا النية ويريدون أن يعبروا بالسفينة إلى بر الأمان.