الجمعة ، ٢٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٥١ مساءً

2013... عام التناقضات السياسية والانتكاسات الثورية للربيع العربي

إبراهيم القيسي
الاربعاء ، ٠٨ يناير ٢٠١٤ الساعة ١٢:٢٥ مساءً
الزمان يدور مع فلك الليل والنهار ومع كل لحظة زمنية تحدث تغيرات متضادة بين تياري الخير والشر وتتبادل العناصر المتضادة بين الموت والحياة والعز والذل وعلى فلك الزمان الدوار تتبادل الأدوار فيسقط العزيز ويرتفع الذليل ويفتقر الغني ويغنى الفقير وتظل المتضادات تتعارض أحيانا وتتوازي أخرى ويتضخم رصيد البشرية إما إلى الخير وإما إلى الشر فهناك قوتان متصارعان تتخذ من ميادين النفوس ومن ساحات الأرض ميادينا للصراع الأزلي فتارة يدال للخير وتارة يدال للشر .

عام مضى مثقل بالدماء قد ركبته حمولة الظلم وغشيته أمواج الطغيان ذاب فيه العدل كذوبان الملح في نهر الفرات وتلاشت زروع الحرية بنيران الجبروت تتراكض فيه أمواج الاستبداد بلا حدود وتثور فيه براكين العنجهية بلا قانون وتموج الغطرسة الدولية بلا ضمير فرضت فيه أجواء التبعية وطقوس الإذلال ظهرت فوق سطحه سحب غائمة من التطبيع أخذت الذئاب البشرية تجسد ملاحمها الأسطورية تسكب الدماء كالوديان وتكتسح البشرية كالطوفان تنفجر بفتن مائجة تسبح فوق ساحات الوطن المغلوب تهدر برعود مجنونة وتعصف برياح حاقدة تدمر كل شيء مازالت كوارثها تجري وعتوانها يتجدد وعلى كل الأصعدة تتفاقم مخاطرها وتتعاظم أخطارها دخلت البيوت من غير أذن وهدمت المساكن بدون إنسانية قتلت الأطفال بدون رحمة وثنت بالنساء والشيوخ بلا استثناء تارة ترسل قذائف الموت الصاروخية وحينا دانات الدبابات القاتلة أشعلت الأرض بنيرانها وأمطرت من السماء دمارها لقد عاث أولئك الجبارة في الأرض فسادا أهلكوا الحرث والزرع ما تركوا وسيلة للحياة .

إنه عام الفضائح الديمقراطية ظهرت فيه سوءات الأمم المتحدة ودول الخليج العربي وبرزت التغيرات الأيدلوجية الكامنة لدى الكثير من الأحزاب القومية والإسلامية وطفا على السطح ما كان مستترا من تلك الدوافع التي كانت وراء الربيع العربي وانكشفت حقيقة أمريكا الرأسمالية حامية الحقوق والحريات لقد تحول ذلك الأسد الحامي للديمقراطية إلى خنزير خبيث يسرق الثورات الشعبية من صندوق ربيعها العربي ويجيرها إلى عملاء الموساد الإسرائيلي مستخدمة سياسة مزدوجة تعمل بمسخ وتحوير على اتجاهين متضادين الأول يقترب من الحقيقة والثاني يجافيها وكلا السياستين تنطلق من كثبان الخليج العربي الوكيل الوحيد في الشرق الأوسط للتجارة والاستيراد تتحرك بتوجيه من البيت الأبيض لإطلاق مفرقعاتها الصوتية في جانب الدعاية الكاذبة بإعلان الحقوق والحريات ورعاية التغيير الديمقراطي السلمي وفي الجانب الآخر تسير الأمور على العكس مما قدر لها فتقوم الدولة العميقة بدورها بقيادة الربيبة المدللة " إسرائيل " وبتعاون دول النفط على تغيير المسار الثوري بواسطة وسائل تتكئ على ذرائع أضعف من خيط العنكبوت تعززها المليارات المتدفقة والدعاية الإعلامية لمؤسسات الموساد الإسرائيلي .

إنه عام المتناقضات وزعيم العجائب تقاطرت فيه ازدواجية راديكالية زاوجت بين ثورات الربيع العربي وانتكاستها وبين التضحية بأمن إسرائيل وحمايتها وبين التدخل العسكري في ليبيا والنكوص عنه في سوريا وتداخلت السياسة الأمريكية في متاهة اللعبة الإيرانية السعودية أمسك الأمريكان بطرفي الحبل لسياسة الدولتين حينا تشد الحبل مع إيران وحينا ترخيه وحينا تزاوج بين الدولتين عندما ترى السياسة تخدم الطرفين وظلت المتناقضات تؤتي أكلها على كل المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية وتنحدر إلى أعماق الأحزاب والجماعات الإسلامية ذات الاتجاهات الأيدلوجية المختلفة فمصر تمر بتجربة ديمقراطية رائدة فاز بها الإخوان المسلمون تسقط هذه الديمقراطية بفعل ثورة مضادة قادها العسكر بتغطية جماهيرية ودعم دولي وإقليمي ... يقف السلفيون في مصر مع الانقلاب العسكري وتقف تلك الذقون العريضة مع العلمانيين وتلتحم مع النصارى وتتوجه بسياسة الخليج فبغوا على الشريعة وتمردوا على الشرعية وغرتهم الدنيا فعملوا على الإطاحة بالرئيس الشرعي بمصر على الرغم من إعلانه المشروع الذي يتبنونه كمبدأ لتطبيق الشريعة الإسلامية أما في اليمن فقد جاءت الأمور عكسية عما حدث في مصر فقد احترق السلفيون في دماج وكتاف واصطلوا بمحرقة الحوثي المدعوم إيرانيا وأمريكيا وإقليميا فهو يعمل على تصفية عنصرية للسلفيين في صعدة ليخلو الجو لفكره الحوثي المتكئ على السلالية العنصرية ذات الأبعاد الشيعية المختلفة

والسؤال الذي يطرح نفسه ما هي الأسباب التي حددت بالجارة السعودية وجعلتها تدعم الحوثيين في صعدة على حساب السلفيين ؟ لماذا نسقت مع السلفيين في مصر وخذلتهم في اليمن ؟ ولاشك أن الأسباب ترجع إلى شقين أساسيين الشق الأول يتعلق بالسياسة الدولية وتوجهها الإيراني ولاسيما بعد توقيع إيران على الملف النووي فهناك في السياسة الدولية ما يسمى بلعبة التعادل الأمريكية وهي لعبة تقوم على التنافر والتضاد بين الأقطاب المغناطيسية المختلفة فقد حفزت أمريكا تلك القوتين قربا وبعدا وولدت منها قوة كهرومغناطيسية تعمل في مجالها الخارجي بواسطة غرفة تحكم سياسية حيث لا تسمح بتصادم القوتين ولا بتباعدها بل تظل تبتعد وتقترب على قدر مثل لعبة خذروف الوليد التي يتحكم الطفل في لعبتها بواسطة الخيط الموصل من طرفيها فأمريكا تعد إيران للسعودية وتعد السعودية لإيران حتى تتاح لها الحرية الكاملة في إدارة الصراع في الشرق الأوسط ولا يستبعد أن تكون هناك سياسة دولية مشتركة ترغم الطرفين على سلوك معين يصب في مصلحة الطرفين فهناك بعض التسريبات الاستخباراتية تقول بعقد اتفاقية بين المملكة وإيران تتعلق بالوضع السوري واليمني كون إيران تتخلى عن دعم الحوثي والسعودية تتخلى عن دعم الجيش الحر في سوريا .
أما الشق الثاني فيتعلق بالحدود السعودية اليمنية وبالتنقيب النفطي في الجوف إضافة إلى عرقلة المسار الثوري في اليمن والتصدي لتيار الإخوان من الوصول إلى الحكم فهناك روايات تقول بأن المملكة تملك 35% من احتياطي البترول في العالم واليمن يمتلك 35% أخرى تتركز في حقل الجوف ولهذا تطالب المملكة الرئيس الانتقالي هادي بترسيم الحدود والتوقيع عليها ليتسنى لها الأمر للحفر في هذه المناطق الحدودية لاستنزاف هذا الحقل البترولي الكبير لتحصل على امتلاك 70% من احتياطي العالم لهذه الأسباب وغيرها ضحت ناصرة السنة بالسلفيين في دماج وكتاف وعملت على دعم الحوثي من أجل إرباك المشهد السياسي المتأزم والحيلولة دون الخروج باليمن إلى مرحلة انتقالية عادلة ولتأخير عملية التنقيب والحفر في الجوف والشاهد على ذلك انتكاسة السلفيين في كتاف بسبب خذلان القبائل المناصرة والذين انسحبوا من كتاف بخائنة من العين السعودية الأمر الذي مكن الحوثي من تأمين هذه الجبهة ليتفرغ للمشروع الجديد المتفق عليه بفتح جبهة في الجوف تتواكب مع الهبة الحضرمية المطالبة بفك الارتباط والمطالبة باستقلال حضرموت لتكون دولة خليجية بانضمامها إلى مجلس الخليج العربي وذلك ما شهدناه مباشرة بعد السيطرة على كتاف وتفجير مسجد دار الحديث .

فعام التناقضات والانتكاسة احتوى على ثنائيات متضادة رشحت لانتكاسة شاملة لثورات الربيع العربي بدأت بأزمة في مصر وانتهت بخلع الرئيس الشرعي عن طريق الانقلاب العسكري الذي دعم بحركة شعبية مدعومة بملايين الدولارات ضخت من الإمارات والسعودية والكويت مع إشارة من خائنة الأعين الأمريكية وفي ليبيا وتونس لازالت الأمور يعتريها الضبابية والغموض وهي تسير في بوتقة داخلية توشك على الانفجار وفي سوريا تضرب الحركة الجهادية في القصير بتخطيط اشترك فيه النظام وإيران وحزب الله مع غض الطرف الأمريكي السعودي وبعدها حدثت الضربة الكيماوية التي راح ضحيتها المئات من الأبرياء وأخذت الصواريخ والدبابات وقاذفات الطائرات تدمر الشعب السوري دون التمييز بين مدني ومقاتل وثائر وغير ثائر فقتل الشعب السوري وشرد أبناؤه وظل مجلس الأمن الدولي في تناقضه الثنائي بين مؤيد للتدخل ورافض حتى جاءت الحماسة الأمريكية بعد الضربة الكيماوية تهدد وتزبد وإذا بها تتلاشى في محيط السياسة الغامض .

وظل التناقض جليا يمتد على المشهد السياسي العالمي بين الأمريكان وحلفائهم وبين الصين وروسيا وحلفائهما... هذا يعمل مشروع قرار وهذا يلغيه بقوة الفيتو وظل ذلك التناقض مستمرا والأمة تتقاتل فأصبح مجلس الأمن مجلسا مفرغا من معناه وعلى المستوى العربي نجد إيران تؤيد الثورة الشبابية في اليمن في حين نجدها تقف ضدها في سوريا وتقف بجانب النظام السوري داعمة له سياسيا واقتصاديا وعسكريا وعلى العكس من ذلك نجد المملكة العربية السعودية تقف مع الثوار في سوريا بينما تقف حجر عثرة أمام نجاح الثورة الشبابية في اليمن ويظل التناقض مستمرا حتى بين قوى الثورة الشبابية فبعد تلك الشراكة الثورية وزخمها المتواكب بإسقاط صالح نجد تغيرا كبيرا في الوفاق السياسي فقد تصدعت تلك الصخرة بفعل المبادرة الخليجية والتي لعبت دورا سياسيا حاسما في تفكيك صواعق الثورة وتركتها حجما بالونيا مفرغا من حقيقته يصدر أصواتا وهمية ومفرقعات تتلاشى في حال انفجارها وقد واستطاعت بروتينها الممل أن تحجم الثورة الشبابية وتكبسلها داخل إطار مؤتمر الحوار الوطني حيث مثلت فيه بنسبة مئوية ضئيلة ثم وضعتها أمام تحديات سياسية واقتصادية وأمنية كبيرة بفعل مشروعها القانوني الذي خرج بضمانة قانونية لصالح وشركائه من أي محاكمة في المستقبل على أي عمل أحدثه سالفا أو لاحقا فقد أعطت متنفسا للقوى المناهضة لمشروع التغيير لتفكر وتخطط لإفشال هذا المشروع واستطاعت أن تعطيها الفرصة لتجمع قواها وتتحالف مع أصحاب المشاريع الصغيرة لتكون حلفا رباعيا مع القاعدة والحراك والحوثي .
فقد بدأ الحوثي يسعى للسيطرة الكاملة على صعدة وبدأ الحراك في الجنوب يطالب بفك الارتباط ومضت فلول النظام الساقط تثير الزوابع لإرباك حكومة الوفاق ونفذت القاعدة بتسهيلات لوجستية كثيرا من الاغتيالات والتفجيرات كان أشنعها مجزرة العرضي التي ظهرت فيها بصمات متعددة تدل على أصابع ذلك الحلف الرباعي القاتل إضافة إلى الاغتيالات المجهولة للشخصيات الوطنية والأمنية والعسكرية وتخريب أنابيب البترول وقطع كابلات الكهرباء والذي تواكب باستمرار على المدى اليومي الأمر الذي أدى إلى تواصل الأزمات الاقتصادية والخسائر المادية التي بلغت بالمليارات فقد وقفت تلك القوى التخريبية في صف واحد تهدم في صرح هذا الوطن وتحول دون نجاحه

فالمشترك اليمني يحتوي في داخله على متناقضات معقدة وأيدلوجيات مختلفة مابين إسلامية واشتراكية وقومية وعنصرية إمامية كل قوة داخل المشترك بدأت تفكر في الغنيمة القادمة وتسعى لامتلاك أكبر قدر من الكعكة وبدأت التوسع بإجراء تحالفات خارج المشترك لتحظى بتأييد شعبي لأهدافها المختلفة فهناك من وقف مع الحوثي وهناك من وقف مع الانفصال وهناك من يصطف مع الهبة الشعبية في الجنوب هذه العجينة السياسية تصب في صالح السياسة الخارجية فهي تراقبها وتزيد من عصيدها لتبقى لها القدرة على تشكيلها في رقائق تعد للخبز في أفران السياسة الدولية .