الجمعة ، ٢٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:٥٧ مساءً

الأبعاد الإستراتيجية لحركة الحوثي الدموية

إبراهيم القيسي
الاثنين ، ١٠ فبراير ٢٠١٤ الساعة ٠٨:٤٠ صباحاً
حركة الحوثي لم تأت من فراغ وإنما غرست بسماد دولي وتلقيح إيراني وتهوية سعودية مع رعاية محلية فقد توفرت لها عوامل سياسية خصبة أهلتها للنمو السريع الذي يقترب من الطفرة السياسية وقد تناسب ذلك النمو مع المناخات السياسية المتقلبة بين النجاح والخفوق فقد استغلت ضبابية الأحوال السياسية لتزرع حركتها العدوانية على تربة الأرض اليمنية مستغلة الطقس المناسب الناتج عن الفراغ السياسي والفوضى الأمنية فانتهزت الفرصة في هذا الظرف الزمني لتنطلق إلى الهجوم المباغت والحرب الخاطفة لتنتزع لها نصرا وواقعا سياسيا حيا بالمدفع والبندقية لتكون عند مستوى الحدث في حال التفاوض والمقاسمة السياسية في إطار الحدود الإقليمية وهي في عدوانها قد توثقت بشراء الولاءات القبلية والعسكرية الأمران اللذان خولاها لتحرز ذلك التقدم العسكري بتفوق واقتدار كون معسكرها يمتلك كرازمية عسكرية عالية الجودة من حيث التدريب والمهنية أمام مليشيات القبائل التقليدية التي تنطلق من خلال عشوائية لا تجيد الكر والفر ولا التخطيط للخدع الحربية الذكية .

فالحركة الحوثية تنطلق من خلال أبعاد إستراتيجية ستة :
البعد الأول : يمثل البعد العنصري وعودة الإمامة والقضاء على ثورتي سبتمبر وأكتوبر وإلغاء الثورة الشبابية وهذا البعد يتداخل مع هوى الرئيس المخلوع لينتقم من كل العناصر الثورية التي وقفت بصمود لإسقاط نظامه في 2011م فبدوره قد قدم للحوثي كل الإمكانيات العسكرية واللوجستية ومهد لإقناع القبائل المتعاونة معه بعقد اتفاقية سلام من أجل الإطاحة بخصومه وذلك ماشهدناه متجليا في سيطرة الحوثي على حاشد وإلحاق الهزيمة بآل الأحمر في حوث والخمري وتفجير بيت آل الأحمر زيادة في النكاية والتشفي .

أما البعد الثاني : فإنه يتعلق بالأهداف الإيرانية وتصدير الثورة من أجل قيام الدولة الشيعية الكبرى والتي مافتئت تعمل وتخطط لها منذ قيام الثورة الإيرانية 1979م إلى أن أعلنت أهدافها الإستراتيجية في اليمن على يد حسين الحوثي في صعدة الذي خاضت حركته الحروب الستة واستماتت في السيطرة على صعدة وبعض محافظات عمران وصنعاء وهي تستبسل في الوصول إلى صنعاء لإسقاط حكومة الوفاق وإعداد المخططات السياسية والعسكرية والأيدلوجية لتحويل اليمن إلى دولة شيعية كبرى في مدة زمنية تتواكب مع عام 2017م كل ذلك يصب في إستراتيجية الدولة الإيرانية الكبرى والدليل واضح من خلال تنامي هذه الحركة وتصاعدها المستمر باتكائها على اختيار الحرب الدموية الشاملة .

أما البعد الثالث : فإنه يتعاطى مع الأهداف الأمريكية التي تدير الصراع في الشرق الأوسط وهي تسعى لقوة بديلة تحل محل الرئيس صالح لتقف في تواز أو تتغلب على القوى الإسلامية التي يمثلها الإصلاح ومن يتحالف معه من القوى القبلية للوصول إلى معادلة سياسية تعمل على أمن واستقرار النشاط السياسي والاقتصادي والعسكري في نطاق الدولة اليمنية الناشئة لتضمن التوازن الدائم والحفاظ على سيادة مصالحها الاقتصادية والسياسية .

أما البعد الرابع : فهو بعد سعودي يجري عملية قيصرية لاستخراج مولود الثورة السلمية ووأده قبل اكتمال نضوجه وولادته الطبيعية إضافة إلى الإطاحة بالقوى الإسلامية المتمثلة في حزب الإصلاح المكون الأساسي للإخوان في اليمن والسعي للانقلاب على المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار حتى لا يخرج اليمن من واقع الكبسولة السياسية المفروضة عليه إلى شاطئ الأمان والديمقراطية التي تخيف دول المحور في الخليج العربي وعلى رأسها السعودية .

أما البعد الخامس : فهو يتعلق بأمن إسرائيل فالدولة العميقة في اليمن قد كلفت بإدارة الصراع لتغليب كفة الحوثي على كفة القوى الثورية التي تخيف بصعودها المتنامي الدولة العبرية في إسرائيل فالحوثيون يرفعون شعار الموت لأمريكا وإسرائيل من قبيل الخدعة الساذجة لأتباعهم المغرر بهم وهم في الحقيقة متفقون مع الدولة العبرية بعهود ومواثيق وذلك ما أفصحت عنه الصحف الإسرائيلية مؤخرا بارتياحها من تصاعد الحركة الحوثية وانتصاراتها المتتالية على أرض الوطن اليمني .

أما البعد السادس : فهو ربك سلمية حزب الإصلاح التي بنى عليها آماله وطموحاته طيلة الفترة السياسية الماضية لتترك الحزب مشتتا بين السلمية المهددة بإرهاب الحوثي أو التحول الأيدلوجي إلى القوة للدفاع عن منجزاته السلمية ففي حال بقائه على سلميته سيفيد الحركة الحوثية عسكريا في تحقيق تقدمها نحو أهدافها المرجوة بدون مقاومة تحد من طيشها وعتوها الإرهابي وفي حال التفكير باستخدام القوة سيكون أمام الحزب نقلة إستراتيجية مربكة تحتاج إلى التخطيط والإعداد الأمر الذي يتطلب موازنة كبيرة وعقول عسكرية وتدريب وسلاح ومدة زمنية كافية لنضوج الفكرة وخروجها إلى حيز التنفيذ بقناعة واطمئنان كونه لم يطرح هذه المفاجآت في ضمن جدوله واستبعدها من إستراتيجيته بسبب انهماكه على مدى عقود ثلاثة للتخطيط الإستراتيجي للوصول إلى الحكم عن طريق الطرق السلمية المشروعة وهو في هذا الحال يكون قد وصل إلى النقطة الحرجة في تعقيد المشهد السياسي بالنسبة إليه وهي خطة مرسومة أدارتها القوى الدولية والإقليمية للإيقاع به في الفخ السياسي ذو التلافيف المتوهة ليظل في حيرته مرتبكا حتى تأتيه الضربة المفاجئة التي رسمتها القوى الدولية بإتقان .

وهناك أمر آخر في حال اختيار القوة لاستخدام مليشياته للدفاع عن مكاسبه وعن الثورة والديمقراطية فهو في هذه الحالة سيعد إرهابيا وسيدخل في القائمة الأمريكية السوداء وستقوم الطائرات الأمريكية بإسقاطاتها اليمنية ملاحقة عناصره من مكان إلى مكان كونه لا يمتلك غطاء سياسيا يشرع له الدفاع عن منجزات الثورات اليمنية سبتمبر وأكتوبر والثورة الشعبية الشبابية وقد تجلت تلك التهمة بسفور للجانب السلفي في دماج على الرغم من اعتداء كتائب الحوثي وقتلها ومحاصرتها لعناصره من طلاب العلم لكن التقرير الدولي والمحلي أدخلهم في دائرة الإرهاب وقضى بتهجيرهم من أوطانهم لصالح الحوثي ظلما وعدوانا ليصفو الجو للتصادم الإستراتيجي بين الحوثي والإصلاح في بعض اتجاهات حلفائه من القبائل اليمنية وهكذا نلمح عن كثب ذلك الصراع الذي ترعاه الدول الكبرى لتحييد القرار وتجيير الانحياز لصالح القوى الشيعية والنظام الإيراني المتصاعد الذي يرفع شعار العداء لأمريكا وإسرائيل ظاهرا ويبطن الولاء والتفاني لحماية أمن إسرائيل ورعاية المصالح الأمريكية .