الجمعة ، ٢٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٢:٣٢ مساءً

خدعوك فقالوا الأمن في صعدة

طارق عثمان
الثلاثاء ، ١٨ فبراير ٢٠١٤ الساعة ٠٧:٥٩ صباحاً


في تباهيهم بالحركة الحوثية يقول أنصارها الظاهريون منهم والمتسترون إنظروا إلى حالة الأمن الذي أوجدته الحركة ، أو كما يقول صديقي العزيز نزيه العماد بطريقة أكثر ذكاءً ( لا أتذكر أن طريق صعدة كان في يوم اكثر أمناً من طريق تعز،،،
لكنه اليوم اصبح كذلك ..)

صديقي لم يجانبه الصواب فيما يقول بالنظر لمفهوم الأمن الذي يعرفه العامة أنه عدم الخوف على مقتنياتك حال عبورك هذا الطريق أو إقامتك في تلك المدينة . لكن فاتهم أن مفهوم الأمن يتعدى ذلك بكثير .

وقبل الخوض في تناول المفهوم الحقيقي للأمن تعالوا نتوقف قليلا في قندهار لنشاهد الملا محمد عمر وهو يقود 30 رجلا فقط لتحرير فتاتين اختطفتا من قبل أحد قادة الفئات المتحاربة أنجز الرجل المهمة وعلق الخاطف على عمود المشنقة بعد ذلك بعدة أشهر كان الرجل يقود ألوفا من المحاربين ليطبق على المدينة كلها ثم في أقل من عامين كان يعلن من كابول إمارته الإسلامية على أنقاض عشرات من أمراء الحرب .
خلال فترة وجيزة تم إعادة الأمن والاستقرار.و توحيد معظم الأراضي الأفغانية و القضاء على الفساد الأخلاقي وتم جمع الأسلحة وحصرها بيد التنظيم كما تم القضاء على طبقة أثرياء وامراء الحرب .

وقفة أخرى سنقفها مع جلال بلعيدي في إمارة زنجبار ، قال المواطنون أنهم شعروا لأول مرة بالأمن بعد إقامة الإمارة الإسلامية ، تم الضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه كسر النظام ...

إذا من ناحية المبدأ فهذه ليست ميزة في الحركة الحوثية بل إن أي حركة مسلحة تريد أن تفرض ( الأمن ) فهي قادرة على فرضه خلال ساعات بآلة القمع والعقوبات الفورية التي لا تنتظر بيروقراطية التقاضي ومقدماته .. يكفي أن تقطع يدا ورقبة ليتوارى اللصوص كالجرذان .

ذلك بالطبع لا يؤسس للأمن من مبدأ جعل الناس تحترم القانون بل من مبدأ جعلهم يخافون العقوبة كما أنه لا ينشىء بالضرورة أجهزة ومؤسسات يناط بها حفظ الأمن ، يكفي فقط أن تنشر الرعب، إعتمد الإمام أحمد على هذا ويروي الأجداد قصصا تخدم الفكرة ، أي شخص في عصر ما قبل الدولة الحديثة يستطيع فعل هذا لكن لا يكتب له البقاء ، بل حتى لم يدم في تلك الدول التي أقامت الأمن بإشاعة الخوف في أنظمتها البوليسية القمعية مثل الإتحاد السوفيتي حيث كان الفرد يخشى من مجرد إحداث الفوضى في الطابور الطويل أمام فرن الخبز لأنه قد يتحول إلى جثة ملقاة فوق الجليد برصاصة لا تخطىء قفاه ، لكن ما إن سقط النظام حتى أصبحت عصابات المافيا والجريمة المنظمة تملأ المدن ، وعبور الشارع بعد مغيب الشمس مخاطرة قد تكلفك الحياة لأن الأمن سابقا فرض بسطوة الخوف لا بقوة القانون وبناء الإنسان السوي .

عودة إلى مفهوم الأمن الذي يختزله البعض بعدم التعرض للسرقة ، وهو ما تحاول تروجيه الأنظمة القمعية والبوليسية في كل مكان .
الأمن يتجاوز مسألة عدم الخوف على المقتنيات إلى مسائل الشعور بالأمان في المعتقدات و في الأراء والأفكار والسلوك الشخصي والممتلكات الخاصة والعامة والأمن على المستقبل .
ما فائدة أن لا أحد سيقتلني ليسلب مني 1000 ريال لكنه سيقتلني لأني ملتحي مثلا ، أو لأنه يشك في انتمائي الديني أو الحزبي أو المذهبي أو العرقي أو لأني استمع لأغنية بصوت صاخب.
مافائدة أن لا اشعر بالخوف على سيارتي في الطريق لكني أخاف على مستقبل أبنائي في ظل وضع لا تعرف حتى توصيفه
هل يجب أن أحمد هؤلاء على الأمن لأني مازلت في بيتي في حين أن غيري نسفت بيوتهم ،
كم أنت آمن فقد تم تشريد 100 ألف من حولك وأنت ما زلت بين أهلك وخلانك .

في هذه الحالة أنت لست آمن بل أنت محظوظ ياعزيزي .

بهذا الفهم السطحي للأمن يكون الفلسطيني في ظل الإحتلال الإسرائيلي أكثر ( أمنا ) منه في غزة أو الضفة الغربية أو في وسط القاهرة أو بيروت ، لكن هذا لم يجعله يعتقد أبدا أنه فعلا آمن لأن الأمن الحقيقي هو الأمن الذي يحفظ الحرية وليس الأمن الذي يحرس المحفظة .
التعامل مع البشر على أنهم قطيع من الشياه يحميهم راعي مدجج بالسلاح من الوحوش المفترسة وعليها أن تحمد الله أن لن يأكلها الذئب بل سيأكلها الراعي نفسه فيه استنقاص من إنسانية الإنسان ..
عند العرب قديما العبد أكثر أمنا من السيد لأنه ليس معرض للإيذاء من الخصوم بل ربما في عرفهم أن إيذاءه عار قد يلحق بمن تعرض له ، لكن هل يمكن أن نمن عليه ونقول له أنت آمن لأنك في كنف غيرك تأكل وتشرب ولا أحد يتعرض لك . إذا فقد فهمنا الحرية والأمن بشكل خاطىء ، العصفور في القفص أكثر أمنا منه في الغاب لكن هو لا يفهم بفطرته أن هذا هو الأمن الذي ينشده .