الجمعة ، ٢٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:٥٣ مساءً

هذه حقاً ثورة

د . محمد حسين النظاري
الثلاثاء ، ٠١ نوفمبر ٢٠١١ الساعة ١٠:١٠ صباحاً
• ظهر علينا في هذه الأيام مصطلح الثورة وتحديداً منذ عشرة أشهر وابتداءً بما حدث في تونس إثر إحراق البوعزيزي لنفسه في يناير من مطلع هذا العام 2011م، وسرعان ما غزا التقليد لدول أخرى، وإن اختلفت المسببات والأهداف والنوايا والطرق المستخدمة، فكل من رأى انه مظلوم حتى وإن كانت قضيته شخصية انتفض ليعلن عن ما يسميه ثورة.

• (الثورات) العربية أو بما يحلوا للبعض أن يسميها ب"ثورات الربيع العربي" أو ثورات الصهيوني "برنالد ليفني" الفرنسي الجنسية والذي رافق كل مشاهد العنف التي اجتاحت المنطقة، ليرسم واقعاً مغايراً مفاده أننا أصبحنا في حاجة لمساعدة كل ما هو غربي أو لنقل كل ما يرتبط بمصالح الصهيونية العالمية.

• إن الثورات العربية التي سُطرت على صفحات التاريخ كأروع ما تكون التضحية ومنها أم الثورات العربية أعني بها ثورة الشعب الجزائري العظيم التي تصادف يوم الثلاثاء الأول من نوفمبر، والتي تُعد بحق أعظم ثورة عربية من حيث التضحيات المقدمة التي بغت مليون ونصف مليون شهيد، حتى لم يخلوا أي بيت جزائري من ثائر أو مجاهد أو شهيد، وأضف إليها تاء التأنيث لأنها كانت مؤازرة لأخيها الرجل في كل شيئ، وستظل المجازر الفرنسية يندى لها جبين العالم الحر، وهي مطالبة اليوم بتقديم اعتذار عن حقبة اقل ما نقول عنها دموية مأساوية .

• إن ما حققه الشعب الجزائري البطل في الفاتح من نوفمبر عام 1954م من انطلاق ثورة خالدة ضد المحتل الفرنسي، ليتوج المجاهد الجزائري ثورته المجيدة باستقلال بلاده من محتل حوّل أرضه لمقاطعة تابعة لفرنسا، فعلى مدار 132 عاماً مارس المحتل أفظع أنواع النهب للثروات وسخّر كل الإمكانيات لخدمته فقط في ظل حرمان كامل لأهل الجزائر الأحرار .

• إن الاحتلال الفرنسي الذي جثم على أرض الجزائر الحرة ابتداء من عام 1832م، لم يكن يستهدف الأرض والثروات فقط، بل ذهب حقده على تراث الجزائريين ليطمس هويتهم العربية والإسلامية، عبر فرض لغة المحتل واستبدال اللغة الفرنسية عوضاً عن لغة القرآن ولغة الضاد، ولكن هيهات لمخطط كهذا أن ينجح في بلد جعل أهله الإسلام عقيدة راسخة، والعربية لساناً خالداً، ولهذا فقد ذهب كل مخطط فرنسي لعين إلى مزبلة التاريخ، تحت أقدام المجاهدين الذين ضربوا أروع أمثلة الفداء والتضحية.

• لهذا كله تعد هذه هي الثورة الحقيقية التي سعت لتحرير الأرض وبناء الإنسان وإعادة الهوية وترسيخ التسامح، وهو ما حصل للجزائريين، لهذا فينبغي ألا يمر الفاتح من نوفمبر مرور الكرام بل يجب أن يقف عنده كل عربي غيور على أمته يبغض شتى أنواع الاحتلال القديم، ولهذا سعت الدول المحتلة لأوطاننا في السابق إلى تغيير نهجها، فسعت ومنذ مطلع هذا العام إلى طمس الثورات الأم سواء في العراق أو مصر أو اليمن أو سوريا أو تونس أو في ليبيا، والتي كانت موجهة ضدهم، لتخلق حالة من الثورات الغربية المصطنعة، من اجل إخفاء ملامح البطولات التي فجّرها أحفاد العرب الأشاوس ومنهم المجاهد عبد القادر الجزائري ورفاق دربه.

• نعم إن فرنسا وبريطانيا وايطاليا تسعى جاهدة إلى أن ينسى هذا الجيل ثوراتهم الخالدة ضد تلك البلدان التي استعبدتنا وأذلتنا وقهرتنا عشرات السنين من دون تقديم أي اعتذار، ومن المُحال بعد كل ذلك أنها تعود اليوم بوجه المحب والصديق، بل بوجه هو أشد وطأة من احتلال الأرض، إنه احتلال الفكر الوجدان، فالغرب يريد أن يُصور للعالم العربي انه جاء لإنقاذه من أبناء جلدته الذي صنعوهم فلما انتهت حاجتهم إليهم بدأو بالبحث عن وجوه عصرية، قد تجعل الإسلام وجهاً جيداً باسم العلمانية لتبدأ حقبة من الاحتلال (الناتوي) وان لم يستقر المحتل هذه المرة على الأرض، إلا انه سَيُحفر في نفوس وأدمغة (الثوار الجدد).

• هيهات لأغراض غربية دنيئة كهذه أن تنطلي على بلد المليون ونصف المليون شهيد، هذا البلد الذي يعد اكبر بلد عربي من حيث المساحة، والذي لن يحتاج للعون المادي الغربي في وجود مخزون بشري يقارب الأربعون مليون نسمة متسلح بالعلم، فخور بماضيه الجهادي ضد كل ألوان الاستعباد الاحتلال، وأن يعطي الجزائر ميزة إضافية أنها أيضاً ترتكز على ثروات هائلة، مكنته من النأي بنفسه عن هيمنة تلك الدول، ل وتجاوز مبكرا ربيعهم المزعوم عندما تغلب في العشرية السوداء وخرج منها أكثر قوة عبر التسامح والإخاء وحب الوطن.

• إن المتتبع للسياسة التي تنتهجها الجزائر منذ استقلالها وحتى الآن سيجدها تدعوا إلى السلام البعيد عن السيطرة، فهي ما زالت الشوكة ضد الصهيونية بكافة أشكالها، وهي مازالت تدعم حق إخوتنا الفلسطينيين وتمدهم بكل شيئ حتى تُقام دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريف، فالجزائر لم تغير مواقفها من أشقائها العرب بل زادت روابط الألفة والتواصل معهم، وذلك لإيمانها الراسخ بعدم التدخل في شؤون الغير، بعكس دول عربية أُخرى سخّرت أموالها وللأسف الشديد في إضعاف أشقائها.

• سيظل اليمنيون يذكرون وقوف أشقائهم الجزائريين إلى جانبهم في أحلك الظروف، فقد ساهم الشيخ الفضيل الورتلاني عند مقدمه إلى تعز أتيا من عدن ساهم في بلورة أفكار الثوار اليمنيين في ثورة 1948م وان لم تنجح حينها إلا أنها كانت الشرارة إلي قادت إلى قيام ثورة 26 من سبتمبر 1962 في شمال الوطن والتي تبعتها ثورة 14 من أكتوبر 1963م ضد الاحتلال البريطاني، وما إن أُعلنت الجمهورية العربية اليمنية حتى كانت الجزائر أول بلد يفتح سفارة في صنعاء بعد أن ساهم جيش جبهة التحرير الجزائري في تدريب الثوار اليمنيين في جبال لأوراس البطلة، لن ننسى مشاركة فخامة الرئيس عبد العزيز بوتفليقه شخصياً في احتفالات بلادنا بالعيد العاشر للوحدة المباركة، وذلك إيماناً من الجزائريين بعظمة الوحدة اليمنية - التي تحققت في ظل قيادة فخامة الرئيس علي عبد الله صالح- ويتمثل ذلك في دعم الجزائر لأمن واستقرار ووحدة اليمن أرضاً وإنساناً.

• إن أوجه التعاون بين اليمن والجزائر قد تركز معظمه في الجوانب العلمية والثقافية، سعياً من الجزائر رفد اليمن بمئات الخريجين في مختلف التخصصات عبر المنح المجانية التي تقدمها الجزائر في مراحل (البكالوريوس والماجستير والدكتوراه)، لأن العصر هو عصر العلم، ومن هنا فقد رأس الجنة المشتركة العليا بين البلدين وزيرا التعليم العالي والبحث العلمي، وفي الجانب الثقافي سلمت مدينة تريم اليمنية نظيرتها تلمسان الجزائرية مطلع هذا العام مِشعل عاصمة الثقافة الإسلامية، ليختزل ذلك الترابط التاريخي الذين يجمع بينهما أرضاً وإنساناً .

• من النقاط المضيئة بين الشعبين الشقيقين تأسيس جمعية الإخاء اليمنية الجزائرية في مدينة صنعاء، مطلع العام 1995 من طرف المناضل اللواء علي عبد الله السلال – نجل أول رئيس لليمن- ممثلاً للجانب اليمني والسفير الجزائري الأسبق مصطفى بوطرة، والتي جاءت تتويجاً للعلاقات المتينة التي تربط بين قيادتي البلدين، ومن الأسماء التي ساهمت في تطوير عمل التعاون من الجانب اليمني اللواء حمود بيدر والأستاذ حسن الخولاني نائب رئيس الاتحاد العربي للرياضة للجميع، والمرحوم اللواء محمد شايف جار الله والسفيرين الدكتور أحمد عبد الله عبد الإله والأستاذ جمال عوض ناصر، ومن الجانب الجزائري السفراء السابقون في صنعاء عبد الفتاح زياني سعد بلعابد وعبد الوهاب بو زاهر، ولا أنسى هنا البروفسور بن عكي محند آكلي الذي له إسهامات كبيرة في الاتفاقيات العلمية خصوصا في الجانب الرياضي، وللجمعية دائرة شبابية طلابية برئاسة الباحث في العلوم السياسية علي حسن الخولاني، واحد الذين يُفعّلون ذلك التعاون عبر مشاركته المتميزة في التلفزيون والإذاعة الجزائرية وكتاباته في الصحف.

• إن ثورة كهذه صنعت بلدا عملاقا وشعبا متعلما وثقافة عربية إسلامية راسخة يحق لنا أن نفاخر العالم بها، ولهذا ستبقى الثورة الجزائرية خالدة ليس فقط في عقول الشعب العربي بل وفي أفئدتهم، فما إن تُذكر حتى يستحضر المجاهدون في كل مكان عظمتها ونبلها، ومن هنا جاء استهدافها واستهداف كل الثورات العربية التي سحقت المحتل الغاصب ، فهنيئا للجزائريين احتفالاتهم بثورة الثورات العربية ودامت الجزائر وبقية الدول العربية حرة أبية مستقلة، والمجد والخلود لشهداء الأمتين العربية والإسلامية الأبرار.