السبت ، ٢٧ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:١٩ صباحاً

رسالة الى أهلنا في الجنوب ...

محمد حمود الفقيه
الأحد ، ٢٠ نوفمبر ٢٠١١ الساعة ١٠:٤٠ صباحاً
إليكم أيها الإحبة في جنوبنا اليمني الشرفاء ، إليكم أيها المناضلون الأحرار ،أخط إليكم رسالتي والقلب ليحزن على ما أصابنا من محن ، أرسل إليكم قلمي وبجواره دلالة حب لكم وزهور شغف بكم ، إليكم حروفي هذه من أنامل بريئة عن ما حدث لكم في الماضي ، إليكم هذه الحروف ودمعتي تبلل الأوراق أمامي ، إليكم هذه السطور وفؤادي يحن للقاء بكم من جديد ..
أيها الأحبة انكم تعلمون يقينا بما أصاب بلادنا من محنة وما حلت عليه من الأزمات تلو الأزمات ، وليس يخفى عنكم ما يجري الآن في الساحات ، و كما تعلمون فإن الشعب اليمني من أقصاه الى أقصاه قد خرج ملبيا النداء ، يطالب بإعادة حقوقه المشروعة بالطرق السلمية ، كي يخلص اليمن من أيادي الفاسدين الذين أودوا ببلادنا نادي الفقر والشقاء ، ودفعوا به نحو الحروب تلو الحروب راح ضحيتها آلاف الشهداء والجرحى من أبناء اليمن الواحد ، كل هذا جرى في غفلة طويلة من الشعب اليمني على مدى أكثر من ثلاثة عقود،
فنحن نعلم يقينا ان ما أصابكم قد أصابنا من قبل الوحدة وبعدها ، ولدينا شعورا ان ما حل بكم قد حل بنا ، فلا تعتبوا كل الذي حدث على وحدتنا فالوحدة ليست طرفا في الفساد ولا طرفا في الحروب وليست الوحدة التي قامت بيننا هي التي جلبت لنا الويلات و المحن ، فالوحدة اليمنية بريئة كل البرائة مما حدث ، فلا ينبغي للعاقل منكم ان يتهم الوحدة بكل ماجرى ، أو ان يجعل الوحدة سببا في فقرنا ومرضنا أو تخلفنا أو ان يعتقد جازما ان وحدتنا تشكل عائقا يحول بيننا وبين تقدمنا وتطورنا كلا ..!

فالوحدة اليمنية وجدت لنقل الشعبين اليمنيين في الجنوب وفي الشمال الى الرفعة والتقدم والبناء ، هذه الأسس التي قامت من أجلها الوحدة اليمنية ، والتي منها تخليص المجتمع اليمني من براثن القتل والخوف والفرقة والشتات ، منها جمع شمل الأخوة الفرقاء بعد ان فرقهم وباعد بينهم الزمن. ، منها اقامة كينونة يمنية قوية أمام التجديات العصرية التي تحيط بمجتمعنا العربي والمسلم ، لكننا شعرنا بعدها ان هنالك شرذمة قليلة من الذين استحبوا الحياة الدنيا من الذين يحملون غريزة الشهوة يقدمونها على كل شئ بحياتهم ، شرذمة كانت نواياهم الخبيثة استغلال شعور الانسان اليمني تجاه وحدته ، فصادروا الممتلكات والحقوق الانسانية لدى اليمنيين أجمع لم يفرقوا بين مواطن يسكن الشمال أو آخر يسكن الجنوب ، هذه السياسية المتعمدة مورسة ضد كل أبناء الوطن دون تمييز لم يسلم منها أحد .

والذي يؤسفنا أننا نسمع أصوات نشاز بينكم يا أهلنا في الجنوب ، تنادي الى الانفصال ، وهذه الدعوات ليست من العقل ولا من المنطق بشيء ، بل ان مثل هذه الأصوات قد تساعد النظام الذي يوشك على نهايته ان يجر البلاد والعباد الى شيء لن يحمد عقباه ، ولذا فإن من المسؤولية الوطنية تجاه بلادنا ان نرفض هذه الدعوات وان نقف صفا واحدا أمامها ، وعلى الذين ينادون بالانفصال ان يرجعوا الى عقولهم وبصائرهم ، وان يدركوا انهم لوحدهم وان أخواننا الجنوبيين هم من سعو الى توحيد البلاد والعباد ، فلتسقط هذه المطالب حفاظا على الجنوب أولا ، واليمن بأسره ثانيا ، فكم من متربص بهذا الوطن وكم من حاقد عليه ، وهذه المطالب ليست من أخلاق الجنوبيين الشرفاء وكل الشرفاء ، فليست حل مشكلة الجنوب بإظهار مشكلة أخرى أعقد منها ، فالجميع يعلم وخصوصا هذه الأصوات التي تنادي بالانفصال يعلمون جيدا ان اليمن ليست رهينة بيد أحد كما كانت في الماضي ، الآن اليمن سيكون بيد أبنائه الآن اليمنيون خرجوا من بيوتهم غير آبهين بأحد ولا يريدون جزاء ولا شكورا من أحد وذلك خروجهم من أجل اعادة اليمن الى أبنائها بعد ان سرقت لعدد من السنين .

الكل يعرف قوافل الشهداء تلو الشهداء الذين قضوا نحبهم من أجل قيام الوحدة اليمنية المباركة ، فأنا واحدا من الذين لم يحصلون على أي مصلحة تذكر ناهيك عن اني تحملت أعباء جمة بعد قيامها ، لكنني أدرك اني حصلت على أكبر ثروة في حياتي وهي العزة بالوحدة اليمنية ، عرفت بعد الوحدة اليمنية اني يمني الهوية وليس شمالي الهوية أو جنوبي الهوية ، عرفت انه لابد من جمع الفرقة ولابد من التئام الشرخ الكبير الذي خلفه الاستعمار الأجنبي في بلادنا ، حتى ولو لم نستطع ان نقنع هؤلاء القليل القلة في ان بلدنا الحبيب لم يكن مقطع الأوصال فاليمن هو اليمن بكامل ترابه تاريخا ومجتمعا وجغرافيا ، اليمن الموحد هو موجود قبل وجود الفئات والأحزاب والحكومات ، موجودا قبل وجود النظريات الفدرالية والنظريات الوضعية فلا يمكن بأي حال من الأحوال ان يعيش الرجل بنصف قلب ببطين أيمن وأذين أيمن ، كذلك اليمن لا يمكن ان ينفصل جسده وينقسم الى نصفين .

ان الانسان العاقل الذي يتمتع بصحة جيدة ، لا يمكن ان يبيع وطنه مقابل مصالحة الشخصية ، ولا يمكن ان يفرط ببلاده تحت مسميات ما أنزل الله بها من سلطان ، اليمني الغيور على بيته غيور على وطنه ، لا يختلف تماما الانسان اليمني الذي يدافع عن أرضه وبيته وعرضه عن الآخر المدافع عن وطنه وما قد يستهدفه ويحوق به من أعداءه ، هذا هو الحال فينا وهذه هي الحقيقة التي نشعر فيها بداخلنا ووجداننا نحن اليمنيون الشرفاء ، لا يمكن ان نستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير أيا كانت التضحيات ومهما قدمنا في سبيل اليمن الموحد فإن ذلك شرف لنا على مدى العصور القادمة .

أقول لاولائك الذين يحاولون ان يعيدوا عجلة التاريخ الى الوراء كفاكم كفاكم ، فا التاريخ اليمني بجسد واحد وليس جسدا برأسين منذو ان خلق الله الأرض ومن عليها ، وأقول لمثل هؤلاء ان ينظرون الى من حولهم ، العالم أصبح قرية متداخلة بعضها ببعض بفضل الثورة التكنولوجية ، والعالم من حولنا يسعى الى ايجاد كتل سواء كانت كتل اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية أو دفاعية مشتركة ، ناهيك عن السعي الى تكوين الاتحادات الإقليمية والقارية العملاقة ، أصبحت أوروبا دولة واحدة وعملة واحدة ومجتمعات نراها متنوعة لكنها واحدة ، قامت الولايات المتحدة الأمريكية على الاتحاد الفدرالي فأصبحت تقود العالم ، لم تبلغ هذه القوة والمنعة قبل ان تتوحد ، ولكن وصلت الى ما وصلت اليه بفضل أنها تماسكت كقطعة واحده ، يمكن لأمريكا ان تتوزع الى أكثر من خمسين دولة ، لكن لايمكن ان يبرز اسم ولاية واحدة لوحدها أمام العالم ، فلنجعل الأخرين مثالا لنا.. بعد ان لم نستطع ان نكون قدوة لغيرنا .

أيها الأخوة في جنوبنا اليمني الأبي : إنني أقول لكم وأنا هذا الانسان المواطن اليمني البسيط الذي هو معتمد على نفسه ، ليس له مصلحة من أحد ولا له أجر من أحد ، لا تنجروا وراء المخططات التي تضيق بكم ذرعا ، فالمشكلة ليست بأننا توحدنا !! وإنما كانت الأشكالية أنها توحدت الأرض قبل ان تتوحد القلوب ، وتوحدت الجغرافيا قبل أن تتوحد الضمائر والعقول ، توحدت المسميات قبل ان تتوحد المسلمات ، وازيلت الحدود التي كانت بين أبناء البلد الواحد قبل ان تزال الكراهية والبعضاء من القلوب ، لذا فإنه يجب علينا ان نوحد قلوبنا ويجب علينا توحيد أفكارنا ومبادئنا من جديد .

يا أخواننا في الجنوب : اننا نؤكد لكم مرارا وتكرارا بأننا لن نقبل أبدا بتكرار ما حدث تجاهكم ، وأنتم تعلمون بأننا كلانا أكتوينا بنار النظام السابق ، واذ نعدكم أننا لن ننسى ما قدمتم من تضحيات في سعيكم الى الوحدة والأندماج ، أننا نعلم جميعا وكلنا في شمال الوطن ، ان أخواننا في الجنوب سعو مساعي حثيثة في مراحل قيام الوحدة اليمنية الخالدة ولا يستطيع أي أحد يملك الهوية الوطنية ان ينكر هذا الأمر ، فإذا كان دورنا في الشمال كبير في قيام الوحدة الوطنية فإن دوركم أكبر من دورنا وهذه حقيقة تاريخية وليس مجرد كلام في الصحف أو المنابر .

وكما تعلمون إخوتنا أننا على مقربة من التخلص من النظام الذي زاد في معاناتنا وأنتم كذلك ، أننا ندرك أيضا انه كانت هناك عوامل قصور بعد اعادة توحيد اليمن ، من بينها ان الوحدة بدأت من الهرم السياسي وكان الأجدر ان تبدأ من وحدة الانسان قبل وحدة الأرض ، كان الأحرى بزعمائنا آنذاك ان يجروا عملية استفتاء شعبي عام في القطريين اليمنيين قبل قفبل الإعلان عن قيامها ، فتتم الموافقة أولا من القاعدة الشعبية ، وبعدها يتم اعتمادها من مجلسي الشعب لدى الجانبين ، لتقتصر اعتمادات الرؤساء فقط كمن يدلي بشهادته لعقد الاتفاق بين الطرفين ، فطرفا الوحدة ليس بعلي صالح أو علي البيض ، وإنما الأطراف الحقيقية في عملية اعادة توحيد اليمن هم الشعب اليمني .

لذلك .. أحبتنا في جنوب اليمن الأعزاء ما نريده منكم هو العمل على توضيح المفاهيم لدى الذين ينادون الى الانفصال ، وليعلم هؤلاء ماذا يجري في الميادين والساحات في أكثر من ثمانية عشرة محافظة يمنية يجوبون الشوارع مطالبين أولا بإعادة حقوق الجنوب التي أخذت ، وليعلم هؤلاء الذين يحاولون شق الصف اليمني ، ان اليمنيون جميعهم من الشمال والجنوب قد أفاقوا من غفلتهم واستيقطوا من سباتهم فها نحن نراهم اليوم يقدمون التضحيات والشهداء خلال الانتفاضة المباركة ضد الظلم والإستبداد والفساد ، نسأل الله. العظيم بمنه وكرمه ان يؤلف بين قلوب اليمنيين أجمعين وان يبعد عنهم الشتات والفرقة انه على ذلك لقدير ...