الجمعة ، ٢٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:٤٢ مساءً

البكاء .. حين يطغي على كبرياء المسؤولية ..

محمد حمود الفقيه
الاربعاء ، ١٤ ديسمبر ٢٠١١ الساعة ٠٨:٤٠ صباحاً
اطلت دموع الرئيس التونسي الجديد المرزوقي على أعين المشاهدين في جميع انحاء العالم وهي تذرف بغزارة معبرة عن ألمِ وفرحِ شديدن ، ألم على الماضي التعيس ومواساة للشهداء ، وفرح على سقوط الدكتاتورية التونسية و عودته من المنفى الذي عاش به لحوالى عشر سنوات من الزمان .

انها دموع التسامح _ التسامح الذي لم يحصل عليه المرزوقي في عهد الجبابره التونسيون ، انها دموع التعبير عن التواضع ، المرزوقي الرجل المعارض الشريف ، الذي اشفق على وطنه وهويته التونسية ، فلو قسنا وقوفه ضد الظلم والدكتاتورية على أنها مطامع دنيوية _ لكنا خلصنا الى انه لديه المال والتعليم والمهنة التي تمكنه الى جني الأموال الطائلة وذلك من خلال الشهادة والخبرة اللتان يحملهما منذ عقود ، إضافة الى ذلك تقلده أكثر من منصب في حياته العملية ، ولكنه ليس له اطماع دنيوية ، وإنما أهداف في الح...ياة تجاه شعبه وامته ، عمل جاهدا لأجل تحقيقها ، وقد واجه من أجل تلك الأهداف السامية معاناة كثيرة منها السجن والنفي وغيرها ، فخرج من صلب تلك المعاناة رمزاً للحرية والكرامة ، ونال منها أيضا شرف ثقة الشعب بالمسولية الجديدة المتمثلة بانتخابه رئيسا مؤقتا على الشعب التونسي .

نعم لقد ابدى الرئيس المرزوقي نموذجاً مميزاً بين الحكام العرب ، حينما تبللت وجنتيه بالدموع حزناً على محمد البوعزيزي الذي أشعل نفسه وأشعل محيطه العربي بنار الحرية ، وعلى الشهداء التونسيين الذين قضوا نحبهم بالثورة السلمية التونسية ، هذه الدموع نكاد لا نراها منذ أكثر من أربعة عشرا قرناً من الزمان ، حين ظهرت بأولائك الأجلا من الصحابة رضوان الله عليهم وتابعيهم ، حين استشعروا عظم المسؤولية التي كلفوا بها تجاه الدين وتجاه الناس أجمع ، ذلك لأن المسؤولية التي تتصف بالشرف والأمانة ليست بالأمر السهل أبداً ، إنما هي تكليف وتحمل وصبر وخدمة يقدمها من نال عليها الى الرعية الذين وكل بأمرهم وأمور دينهم ودنياهم .

منذ ان نالت الدول العربية استقلالها الى الآن ، لم نشهد يوما ما دموع حاكماً عربياً أبداً رأفة بشعبة ، ذلك لأن كثير منهم لا ينظر الى أحوال الناس البسطاء والضعفاء والمساكين و اليتامى والأرامل ولا يعرف ماذا يجري في البلاد ..إلا ما نقلته اليه وسائله الإخبارية المتنوعة ، فهو لم ينزل يوماً من كرسيه الى الشوارع العامة وتقاطعات الطرق ، كي يرى ما لا يراه في قصره ، ليطلع على أوضاع الضعفاء والمساكين .

ان المتتبع لدموع القادة الشرفاء في ( عالمنا العربي الجديد ) ، ليشعر بالطمأنينة والوناسة ، ويشعر بالأمل المشرق الذي بدأت علاماته تلوح في الأفق ، فقد سئمت مسامعنا من خطب قياداتنا السابقة الرنانة التي لا تحمل في صداها إلا مشاعر العظمة والكبرياء وحب الذات ، وتكررت الكلمات والعبارات نفسها يوما بعد يوم فأصبحت خاوية من المعاني قليلة من المنافع ، وملت أعيننا من النظر الى عروض الفخامة و الجلالة العبثية ، التي لم تسمن يوما ولم تغني من جوع الفقير و المسكين وصاحب الحاجة ، و ضلت وظيفة الحاكم وظيفة تحصيل للمصالح الذاتية دون غيرها ، وأدى عدم تواضعه في رعيته الى تغلغل التخلف في مجتمعاتنا العربية ، وظهور الفقر والمرض ، واتساع دائرة الجهل ، وكذلك انتشار الفساد السياسي والاقتصادي الكبير .