الجمعة ، ٢٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٧:١١ مساءً

اليمنيون والخطيئة السابعة ..!

د . أشرف الكبسي
السبت ، ٠٤ فبراير ٢٠١٢ الساعة ٠٩:٤٠ مساءً
لقد عشنا جميعاً – ولعام كامل – سقوط كل شيء: سقوط القذائف ، سقوط الشهداء ، سقوط أبراج الكهرباء ، سقوط العملة ، وحتى سقوط الضمائر ، ولكننا لم نشهد يوماً سقوط الأقنعة ، وإن استبدلها البعض بأخرى.

رأينا مختلف الصور في توجيه الاتهامات والاتهامات المضادة ، لكننا لم نشهد اتهاماً للذات ولو لمرة واحدة ، ولم تكتحل اعيننا برؤية هذا أو ذاك يقر بخطأ ، أو يعود عن زلل ، فهل يعني هذا أننا جميعاً كنا وما نزال على صواب فيما اعتقدناه وقلناه وفعلناه لعقود مضت..!!

أليس من مقتضيات الإيمان والحكمة ، - التي نفاخر بأننا أهلها - العودة إلى جادة الصواب والإعتراف بالخطأ والإعتذار عنه ..!! ألا تقوم ثقافتنا القبلية في جوهرها على الإقرار بالذنب وطلب عفو الآخر ، سواءً من خلال التحكيم في المنازعات، أوالتقدم طواعية بما يسمى (معبر النقاء) ، وغيرها الكثير من صور إقرار الحقوق لاهلها.. !!

لكننا – ومع ذلك كله – لم نرى وزيراً واحداً ، طلب الصفح والعفو عن تقصيره في أداء مهامه - عن قصد أو بدون قصد - بعد أن عانى تأنيب الضمير ، ومحاكمة الذات ، كما لم نسمع قاضياً واحداً، يفصح عن أخطائه وأوجه قصور أدائه ..!!
لماذا لم تتواتر الأنباء عن أحد السفراء ، وهو يقر بذنبه تجاه اليمن وشعبها ، لتقصيره في تمثيلها كما ينبغي ، وارتضاءه للعمل في منظومة يصفها الآن بالفساد وبكل قبيح.. وإذا كان جميع سفرائنا على قدر المسئولية والكفاءة والنزاهة ، فمن المسؤول اذا عن الصورة المخجلة لأداء هيئاتنا وبعثاتنا الدبلوماسية في الخارج ...!

لماذا لم يتقدم أحد رجالات البرلمان ، ليقول أنه يعترف بقصور ادائه وانشغاله بمصالحه الشخصية عن قضايا الوطن والمجتمع، ويقر بعجزه عن تنفيذ تلكم الوعود التي طالما قدمها لناخبيه خلال حملاته الانتخابية الزائفة.

لماذا لم نسمع بعالم من علماء ديننا الأفاضل ، يعود عن خطأ في قول أو فتاوى ، ويعتذر عنها بعد أن تبين له الصواب ، أم أن علمائنا ومشائخنا من أهل العصمة ..!!
تتوالى تلك التساؤلات تباعاً، لتطال قادة المؤسسات وموظفيها ، التجار والإعلاميين والاكاديميين ، وكل فرد منا وصولاً بها إلى كاتب هذه السطور وقارئها...!

هل باتت ثقافتنا المجتمعية تقوم على اتهام الغير فقط ، ولا تتعداه إلى اتهام الذات ومحاسبتها ، وهل صرنا جميعاً نؤمن بالمقولة الشائعة (اطلب الباطل يأتيك الحق) ، بدلاً عن ( لو انصف الناس من انفسهم لما وجد القضاة عملاً)
ولو أننا تتبعنا ملفات القضايا في المحاكم ، فإننا قد لا نجد إقراراً واعترافاً واحداً بالذنب، وإنما دفع الدعاوى بالإنكار القاطع لكل ما جاء فيها جملة وتفصيلا، بما فيها جرائم القتل. فهل يعني هذا أن كل من تم إعدامه قصاصاً في هذه البلاد بريء ومظلوم !!

حتى ذلك الإعتذار(الهش) الذي تقدم به مؤخراً من تربع على كرسي السلطة لثلاثة عقود ، سرعان ما بادرت أصوات وأقلام إعلامية رسمية للتقليل من شأنه ، والإنتقاص من حجمه ومقاصده ، وكأن ذلك الإعتذار رذيلة في قاموس سياساتهم ، ومعجم مبادئهم..!

أليس بين ظهرانينا اليوم رجال - كما ينبغي لشعب الايمان والحكمة – ولاسيما من أهل الحل والعقد ، من سياسيين ، ومشائخ ، وعلماء ومثقفين – وفي مقدمتهم أولئك الذين وظفوا شعارات الفضيلة ، وسيلة توصلهم إلى منصات الخطابة ومراكز القرار في قيادة ثورة الشباب والتغيير - رجال يجدون في أنفسهم شجاعة الإقرار والاعتراف بالذنب ، كخطوة جوهرية ولازمة نحو إعادة بناء الثقة المهدورة ، والظفر بشرف المبادرة في ترسيخ فضيلة محاسبة الذات ، فيكونوا بذلك – على اخطائهم - قدوة يحتذى بها ، فتتوالى تباعاً (تلك الفضيلة) لتوقظ الضمائر النائمة في كافة شرائح المجتمع وأفراده لتؤدي دورها الطبيعي في التأنيب والتهذيب، وبهذا فقط يحدث التغيير الحقيقي الذي ننشده جميعاً ، نقطة تحول في الوعي الثقافي المجتمعي ، تقوم على مبدأ محاسبة الذات أولاً ، والانتصاف منها ، ليكون العدل والفضيلة واقعاً نعيشه لا شعارات نرفعها هنا وهناك ، أو نتلوها في الصلوات ، فإنه ومن الواضح أن مجتمعاً لا تكون القيم الأخلاقية فيه مرجعا أساسيا ، لن تجدي نفعاً في إصلاحه كافة قوانين ودساتير أهل الأرض..

قد يبدو ذلك للبعض طرحاً مثالياً ، لا يمت للواقع بصلة ، ولكن دعونا نتذكر أننا لا نفترض غلبة الفضيلة في كل فرد ، ولكن حتمية تواجدها عند البعض ، ففي شعب الإيمان والحكمة – وبدون شك- من يؤمن يقيناً بأن عدالة السماء ستطال يوماً ما عجزت عنه عدالة الأرض ( بما تضمنته من قوانين الحصانة والمصالحة وغيرها ) ، وهو من سيتقدم الصفوف يوماً ليقول وبصدق : أخطأت ... واعتذر للشعب اليمني !!