الجمعة ، ٢٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١١:٣٤ صباحاً

ماذا يعني أن تكون يمني ..!

د . أشرف الكبسي
الاربعاء ، ١٦ مايو ٢٠١٢ الساعة ٠٦:٤٠ صباحاً
أن تكون يمنياً فهذا يعني أنك تعيش جملة من التناقضات الاستثنائية والفريدة ، فأنت – حضارياً - تقع في المنطقة الحائرة الوسطى بين تاريخ عظيم ومستقبل مجهول ، كما أنك – جغرافياً - تنحدر من شبه الجزيرة العربية ، المنطقة الأكثر ثراءً في العالم ، إلا أن الدولة التي تنتمي إليها بالفعل هي إحدى أكثر دول العالم فقراً وفاقة..!

أن تكون يمنياً ، فذلك يعني أنك عشت العقود الاخيرة من عمرك تحت تأثيرات إعلام مزيف صور لك ، وبلا كلل أو ملل ، مشاهد وأرقام لإنجازات تنموية هائلة ، ومكتسبات اقتصادية عملاقة ، تحققت في ظل نظام سياسي ديمقراطي فريد ، وبما أن حقيقة معاناتك ترسم واقعاً معكوساً ، تبدأ مظاهر الشك لديك تحوم حول كفاءة قدراتك العقلية ومصداقية أدوات التمييز لديك ، فتتساءل : من يتوجب علي تصديقه : ولي الأمر أم حقيقة الأمر، عيناي وأذناي أم شاشة التلفاز وسماعة المذياع ..!؟

أن تكون يمنياً عائداً إلى أرض الوطن – بعد سفرك إلى الخارج - فهذا يعني أنك تشعر بالحسرة تتسلل إلى نفسك ، والدمع يشق طريقه إلى عينيك – حتى ولو كنت رئيساً للوزراء – فقد رأت عيناك في أوطان الغير ما كنت تتمنى أن تراه يوماً في وطنك ، وأدركت عندها كم هو البون شاسع بين أحلامك وأمانيك وبين واقع عيشك وحياتك ، وبين حبك اللامتناهي لبلدك ووطنك ، وبين مكانته المتواضعة في قائمة الأمم والبلدان ..!

إن كنت يمنياً ، فأنت وبلا شك تحب المجتمع اليمني وتنتمي إليه ، إلا أن عليك التمتع بقدرة هائلة على التحمل والصبر، إزاء ما تعتبره تدهوراً في الذوق والسلوك المجتمعي ، فتلزم الصمت حين يقيم أحدهم عرساً بخيمة نصبت في وسط الشارع ، ولأيام متتالية ، تتحمل ضجيجاً مدوياً يستمر حتى ساعات الفجر، سواءً عبر مكبرات الصوت الضخمة التي تصدح بإيقاعات ، هي أقرب للتعذيب الصوتي منها إلى الفن ، أو عبر دوي (الرصاص) الذي يخترق سكون الليل ، معلناً قدوم العروس (رامبو) ، حينها تدعوا الله أن يعجل بانتهاء فرحهم المبكي وسرورهم المؤذي ..!

أنت يمني ... إذاً أنت معتاد على دوام انطفاء الكهرباء، تعيش الظلمة مرارا وتكرارا ، حتى تحسب أن برجك ليس العذراء أو الجوزاء وإنما برج الكهرباء ...! ولا تعرف من عليك لومه أو تحميله المسئولية ، تيار الكهرباء أم تيار السياسة ! وحين يسألك صغيرك عن سبب الظلام الذي يخيم على احلام طفولته البريئة ، تجيبه في يأس : اسأل اصحاب مأرب ..!

أن تكون يمنياً ، فهذا يعني أن لك قلباً كبيراً صافياً ، وشخصية بسيطة وتلقائية ، تقول ما في نفسك بصدق ، وتهتم للآخرين اهتمامك بنفسك ، منذ صغرك تحمل – إضافة إلى همومك - هموم الأمة ومشكلاتها على كاهلك ، فلا تهنأ عيشاً لأن القدس محتلة ، وينفطر قلبك دامعاً لفقدان أم طفلها في حرب العراق ، ويتقطع فؤادك للبؤس والجوع في الصومال ، إلا أنك مع هذا كله تؤمن بالله ، وتعلم يقيناً أن بعد العسر يسر ، وأن ظلام الليل يعقبه الفجر...!