الجمعة ، ٢٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٩:١٨ صباحاً

سراديب صنعاء ..أو معاشيق عدن ؟!

وائل حسن المعمري
الاربعاء ، ٢٢ أغسطس ٢٠١٢ الساعة ٠٩:٤٠ صباحاً
منذ شهور ونحن نرقب رئيسنا الجديد ونتطلع لقراراته التاريخية التي نعتقد أنها وحدها بعد رحمة الله بنا الكفيلة بإعادة سلطة الشعب للشعب , ولكننا وللأسف الشديد كتب علينا كما أظن أن ننتظر طويلآ ولا نرى في نهاية النفق إلا بصيص من نور لا يكاد يلبي حتى الحد الأدنى من التطلعات , ولا يتواكب كذلك وحجم التضحيات المبذولة من أجل الهدف المبتغى ...., نعم لقد أصبحنا بالمقابل لا نسمع وللأسف الشديد إلا أخبار تعرض الرئيس ومواكبه ومقراته لعمليات إستهداف أمنية فجة تثير كثير من علامات التعجب وأكثر منها من الإستفسارات التي غالبآ ما لا نجد لها أي من الإجابات الشافية والمقنعة..

إذ لا يمكن لرئيس محاط بكل هذا الكم الهائل من التحديات الأمنية التي تستهدف قدرته على العيش والحركة والعمل وحياته في المحصلة النهائية ,لا يمكن له قطعآ ولا لمحاولاته الإمساك بتلابيب الأمور إلا أن تبؤ بالفشل الذريع لا محالة..

فبينما كنا نسمع في الأسابيع الأولى من تولي الرئيس هادي لمقاليد الأمور في البلاد نيته في الإنتقال للعيش بدار الرئاسة بمجرد تسلمه له رسميآ ,إكتشفنا وإياه بعد ذلك أن الأمر أكثر تعقيدآ مما نعتقد وأن دار الرئاسة لم ولن يكون آمنآ ولا محصنآ بالإجمال أبدآ ,ومن ثم بدأ بعد ذلك الحديث عن إمكانية بقاء الرئيس في منزله الحالي الكائن بوسط شارع الستين، أحد أكبر شوارع العاصمة صنعاء ، لولا أنه ظل منزله هذا أيظآ يتعرض على الدوام لعمليات إطلاق نار متعددة خلال الأشهر الأخيرة ..،
لتتبلور كما أشيع بعد هذا فكرة بناء مسكن خاص ملحق بالفناء الداخلي لمقر القصر الجمهوري عملآ بالمثل القائل آخر العلاج الكي ،لكنه وبعد الإنتهاء من استكمال الترتيبات المتعلقة بتأمين هذا المشروع السكني الرئاسي الأخير وعزله بسور داخلي مرتفع عن المرافق والمنشآت الرئاسية الأخرى التي تتوزع في أنحاء متفرقة من الساحة الرئيسة للقصر, نفاجأ اليوم بخبر مفاده أن مستشارين أمنيين أجانب ينصحون هادي بعدم التسرع والإنتقال للإقامة في هذا المسكن الخاص الجديد الملحق بفناء القصر الجمهوري لعدم كفاية الإحترازات الأمنية أيظآ ولنعود من حيث بدأنا من جديد نبحث عن مقر آمن للرئيس وهلم جرا ...

ومن خلال هذه المقدمة أعتقد أننا لسنا في وارد إنتظار أي جديد على مستوى الوطن وتحدياته المختلفة والتي لا تحتمل التأخير بإجماع كل المراقبين في الداخل والخارج , إن كان الرئيس لم يستطع وخلال أكثر من ربع الفترة الزمنية المخصصة للمرحلة الإنتقالية أن يؤمن حياته وحياة أسرته في عاصمة أقل ما يمكن أن نطلق عليها أنها عاصمة مفخخة بإمتياز ..

نعم إنها ومع كل حبنا لصنعاء الحضارة والتاريخ الفواح بعبق التراث الموغل في القدم , صنعاء التي لم تترك لها صراعات بعض الأنانيين من أبنائها فيها والقلة الإنتهازية من أبناء المنتفعين المحيطين بها,لم يتركوا أي إمكانية للدفاع عنها كعاصمة تتوافر فيها أبسط مقومات ومعايير العواصم الآمنة في العالم ..فلا يعقل أن تظل يمننا ومشروعنا في وطن جديد رهن بعاصمة تقطع فيها الطرقات الواصلة إليها لمجرد خلاف على سيارة بين هذه القبيلة وتلك ,أو تقطع إمدادات الوقود إليها وإلى سكانها لمجرد نزوة حاقد أو أنانية مبتز , ويختطف الأجانب منها تحت مبرر عدم تسلم أحد المقاولين من أبنائها لمستحقاته المالية وغيرها من المبررات التي لم نعد حتى نحتمل سماعها ناهيك عن محاولة إيجاد المبررات لها واستساغتها..

فعلى الصعيد الأمني كذلك لكم أحبتنا أن تتخيلوا على سبيل المثال لا الحصر أن بيانات وزارة الداخلية تشير لتسجيل وقوع 673 قطاع قبلي في عدد من محافظات الجمهورية اليمنية خلال العام الماضي ,تسببت بإزهاق أرواح أكثر من 18 شخصآ وإصابه ما يقارب من 48 شخصآ أيظآ ,وخسائر مادية قاربت نصف مليار ريال تقريبآ ,,ووفقآ لهذه الإحصائية الرسمية لوزارة الداخلية ذاتها , فإن محافظة صنعاء وعمران ومأرب قد إستحوذت على ما يربو من 595 عملية قطاع قبلي من إجمالي هذه القطاعات مجتمعة ..وهذا يعني أن صنعاء والمحافظات المحيظة بها تتربع على رأس قائمة المحافظات ذات الإختلالات الأمنية وما تحمله هذه المؤشرات من دلالات وانعكاساتها على العاصمة واستقرارها ونوع الأداء فيها ,

وهذا واقع حال في حقيقة الأمر يصعب تصديق حدوثه في عاصمة ومحيطها حتى لو أننا ذهبنا في مقاربة غاية في التشاؤم ولنسقطها بأحوال عواصم العالم في أقصى أدغال أفريقيا في قرونها الموغلة في التخلف والقدم والصراعات المختلفة الإثنية والقبلية وغيرها .

إننا ونحن نضع بين أيديكم هذه الحقائق والرؤى إنما نهدف من خلالها والله يعلم لوضع تصور حقيقي يمكننا من خلاله إستقراء منطقي لواقع الحال في عاصمتنا الحالية ومدى ملائمته لظرورات حياتنا ومتطلبات اليمن المنشود التي لم تعد تحتمل التأخير أو التسويف , فصنعاء التي نحبها ونعشقها يا أحبتنا فشلت مرارآ كعاصمة سياسية , ولنا في تاريخنا اليمني القديم والحديث خير شاهد على ذلك , بدء بفترة حكم الملكة أروى بنت أحمد الصليحي وعجزها عن مواصلة الحكم من صنعاء ومن ثم إتخاذها لقرار نقل عاصمة دولتها من صنعاء صوب مدينة جبلة والإزدهار الذي تلى ذلك وقصة النجاح الباهرة التي حققتها بعد قرارها الجرئ والصائب حينها , ومرورآ بحكم الأئمة( بيت حميد الدين ) ونقل عاصمتهم إلى تعز وانتهاء بفترة حكم عبدالرحمن الإرياني واستقراره المعروف في مدينة تعز في مرحلة من مراحل حكمه ..

وبناء على ما سبق فإنني أعتقد إن مبررات نقل العاصمة من صنعاء من وجهة نظري كثيرة جذآ, فهي حقيقة لا تقتصر على ما ورد من مبرراتنا الأمنية فحسب , إذا ما أدركنا أن ماتعانيه صنعاء من مشكلات خدمية لعل أهمها وليس آخرها عائق حوضها المائي المهدد بالنضوب والذي يعد من المشكلات التي يستعصي حلها على المدى القريب والبعيد أيظآ.. حيث يكفي لنا أن نعلم أن الأمن المائي في اليمن عمومآ وفي صنعاء تحديدآ , قد يشكلان أهم العوائق التي ستقف أمامها حكوماتنا المقبلة موقف العاجز الضعيف لما لهذه المصاعب من إنعكاسات كبيرة على المستويين الإقتصادي والإجتماعي , ولما يمثله هذا العجز الضخم بين العرض والطلب على المياه في بلادنا عمومآ, فقد أشارت الدراسات البحثية المتخصصة في هذا الجانب أن هذا العجز قد يصل إلى مليار متر مكعب تقريبآ , والأدهى من كل ذلك أن عاصمتنا المراد لها أن تستمر في أداء دورها عاصمة تتوافر فيها كل مقومات العيش وأولها المياه , وكذلك جوارها الجغرافي يقعان في سلم المحافظات التي ستعاني من هذا العجز الرهيب بين العرض والطلب على المياه ,

وأعتقد أن الجميع يدركون إستحالة الرهان على تحلية مياه البحر وإيصالها إلى مناطق تبعد كثيرآ عن السواحل بالإظافة إلى بعض المعوقات الطبيعية والتي يأتي في مقدمتها فارق المنسوب الكبير في الإرتفاع الذي يظيف إلى عبئ نقل المياه عبئآ آخر يزيد من كلفة إنتاج وأيصال المياه نحو هذه المناطق المستهدفة , بحيث تتحول مثل هذه المشاريع إلى مشاريع تفتقر لأبسط معايير الجدوى الإقتصادية تمامآ ......,
وأمام هذه المشكلة المائية التي تتهدد صنعاء وفرص بقائها كعاصمة يوصي الخبراء في هذا الجانب لإعتماد أكثر الحلول واقعية والمتمثل بظرورة المحاولة الجادة والسريعة لتقليل سكان العاصمة من مليوني نسمة إلى ما يقارب من مليون نسمة فقط , ليتسنى قطعآ لصنعاء وسكانها والمحيطين بها من مواصلة أداء أدوارهم التي تتناسب وإمكاناتهم المختلفة ,إن كان في الأمانة نفسها على مستوى إعتمادها كعاصمة تاريخية مثالية لهذا الغرض ,أو بالنسبة لسكان ضواحيها الذين يظطلعون بأدوار بارزة في النشاط الزراعي المتميز والمنتج لأجود أنواع المحاصيل المتعدده وأصنافها .

ولكل ما سبق نعتقد أن ما توافر من مبررات منطقية جدآ وكافية لنقل العاصمة من صنعاء , سواء إرتكزنا على تلك المبررات المعتمدة على البعد والحقائق التاريخية السياسية والأمنية وغيرها , أو ما إرتبط بالبعد الخدماتي وانعكاساته الإقتصادية والإجتماعية , أو إن كان كذلك بالنظر إلى ما تزخر به البدائل المطروحة من مقومات نجاح هائلة , على المستويات التاريخية والثقافية والإقتصادية والأمنية وغيرها من مقومات العواصم الحضرية الناجحة إذا ما تم إعتماد عدن كبديل لصنعاء كعاصمة سياسية لليمن الواحد الموحد الجديد ,

وجهة نظر نطرحها للنقاش ونعتقد أن كل هذا المبررات تستدعي من كل الجهود الخيرة أن تتظافر من أجل سرعة إعتماد عدن عاصمة بديلة وبأسرع ما يمكن لنا من زمن ودون أي أبطاء أو تقاعس....

وأعتقد شخصيآ أن كل ما سبق ذكره من تفاصيل لم نأتي به ولم نورده من قبيل الترف , بل إن موضوعي في الأساس إنما يختزل أصلآ دواعي الوطن وأمنه ومستقبل إجياله في طبيعة العاصمة التي نريد لها أن تبني ولا تهدم .. وتؤمن ولا تثير الرعب والخوف ..وتنظر للغد بأمل ولا تقتل روح الأمل في نفوس التواقين للحياة ,

إنه لحري بنا جميعآ مباركة فكرة نقل العاصمة من مدينة يهدد فيها رئيس الدولة الشرعي المنتخب وحياته , وتحتل فيها وزارات الوطن السيادية المنوط بها أصلآ حماية المواطن والدفاع عن أراضيه وسيادة بحره وبره وأجوائه ..,

أخيرآ أقولها بصدق أنني لا أستطيع تصور عاصمة في ظل كل ما يتوافر من الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة في جنباتها وفي محيطها ,وإنني أعتقد كذلك أن هذا السبب لوحده كفيل بإفشال العاصمة ودورها , وهو ما يستدعي منا سريعآ التفكير الجدي بنقل عاصمتنا حفاظآ على الإنسان اليمني وفي المقدمة أبناء صنعاء وما حولها ,

إذ أننا لا نستطيع أن نتخيل كذلك مدى الدمار الهائل الذي قد ينجم عن نشوب أي صراع لا قدر الله , قد يكون هذفه مثلآ السيظرة على صنعاء العاصمة كخيار أخير لهذا الطرف أو ذاك , في مثل هذا الظرف من تاريخنا المعاصر وفي ظل ملابسات وضعنا السياسي والأمني الحالي والتي لا تخفى على أحد ,,

أستطيع أن أجزم أنه حان وقت خروج الرئيس /عبدربه منصور هادي وتحرره من كل إقبية وسراديب صنعاء فلا الستين تعصمه كما يهئ لي من صواريخهم المصوبة من كل حدب وصوب .. ولا السبعين في متناول اليدين ومن حوله ترسانة جبال النهدين ..ولا قصور الرئاسة سابقتها ولاحقتها كذلك آمنه وبتقدير أهل الخبرة والمعرفة والمطلعين على صدق النوايا وكثير من الخفايا ..

فوجه وجهك يا هااااااااااااااااااااااااادي شطر شوامخ جبال المعاشيق في عدن وحسب , خدمة لليمن الموحد ومشروعنا في الغد الأفضل وآمالنا المنهكة, وحبآ قبل كل شئ في صنعاء وشفقة فيها وفي أهلها الذين لم يعودوا يحتملوا تبعات عاصمتهم التي أوكلت لها مهمة القيام بدور لا يتناسب وطبيعتها , ولا تسعفها الأيام حتى بإجتياز هذا الدور الصعب في تراجيديا الفن السياسي دون صعاب جمة وتضحيات قد تكلفنا غاليآ ,

يا هادي عليك بعدن ومدنيتها وتاريخ التعايش فيها وراهن على بساطة أهلها وكفرهم بالسلاح وحبهم للعمل ,كما عليك أن تراهن على ما لعدن من مكانة وتاريخ وموقع وجاذبية متعددة الجوانب , ودع من يكدس السلاح لإحراق الحلم البرئ في صنعاء وما حولها يكدسونه , لأنهم لن يجدوا من بد بعد نقلك للعاصمة من إعادة ترسانة الموت هذه من حيث جاءوا بها بعد أن تتحول إلى تركة ثقيلة لا تخدم أحدآ ,.......

وخلاصة الخلاصة أنني لو كنت مكانك يا سيادة الرئيس هادي , لما أرتضيت لنفسي أن تذل ولا لوطني أن يرتهن بموقع جغرافي بعينه , وإن كانت صنعاء الحبيبة إلى قلوبنا جميعآ.. فاليمن ببساظة متناهية كلها بلادك وأهلها جميعهم أهلك والأهم من كل هذا وذاك أننا كلنا نقف خلف قراراتك وبحزم ,

هذا طبعآ موقفي لو كنت مكانك , لكنك دون شك مكان نفسك ولا نعلم ما هي حساباتك ولا ماذا تنتظر؟؟؟

والله من وراء القصد .