السبت ، ٢٧ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:٠٥ صباحاً

شابع دنيا ..!

د . أشرف الكبسي
الخميس ، ٣٠ أغسطس ٢٠١٢ الساعة ٠٩:٥٠ مساءً
يُقال أن أحد عُمال الإمام على بعض المناطق اليمنية ، ممن كان يستقبل شكاوى المواطنين البائسين ، ويُملي على كاتبه ما يراه مناسباً من توصيف لحالاتهم المختلفة لرصد وتوثيق شكاواهم رسمياً ، فهذا اقعده المرض ، والآخر أنهكه الفقر ، وثالث يخشى الثأر ، ...الخ ، وعندما تقدم أحدهم قائلاً : سيدي ، أنا مريض وفقير ومظلوم ومشرد و..! ما كان من العامل إلا أن قال لكاتبه : ارصد (سجّل) شابع دنيا ..!

شابع دنيا ... أليس هذا هو التوصيف الدقيق للحالة التي يعيشها غالبية الأفراد منا ، حيث نقوم بسرد الحياة لكننا لا نعيشها ، فبينما نفتقر لأبسط احتياجاتنا الإنسانية من مأكل وملبس وحرية وعدالة وأمن ، نشعر بالتخمة من الأقوال والشعارات والوعود ، ونشعر بالامتلاء في اذهاننا المنهكة بمتناقضات الإعلام والإعلام المضاد ، ومهاترات الساسة الجوفاء ، وحماقات النخبة العرجاء ، وخذلان الفتاوى العمياء..!

ولو أن حزباً سياسياً جديدا تأسس اليوم ، وتم إشهاره تحت مسمّى : (حزب الشابعين دنيا) لأقبلت عليه الجماهير بكثافة ولأضحى في أيام قلائل حزب القاعدة الشعبية العريضة بلا منافس..!

لقد مثلت الثورة (الشبابية) الشعبية (للشابعين دنيا) في هذه البلاد الأمل الأخير في إنقاذهم من زهدهم (القسري) في الحياة ، ولكن وبعد عام ونصف وأكثر يبدو جلياً أن الثورة نفسها بحاجة ماسة للإنقاذ ، وأنها اكتسبت تسمية مماثلة لتصبح هي أيضاً (ثورة شابعة دنيا)..!

يصنّف الحكماء الزمان إلى أربعة ، حسب طبيعة الراعي والرعية ، فإن صلح كلاهما فتلك خير الأزمان ، وإن فسد أحدهما فتلك نصف المصيبة ، ولكن فساد الراعي والرعية معاً هو شر الأزمان وأسوأها على الإطلاق ، وهو ما نخشى أننا نعيشه اليوم دون أن ندرك ، فهذا الحزب يريد اصلاح ديننا ، وكأنه هو الدايان ، وقد نسي أو تناسى أن (صلاح الأبدان مقدم على صلاح الأديان) ، وذاك التيار ينادي بالانفصال ، ليس لخيره وخيرنا وإنما ظناً منه أن ترسيم الحدود سيمثل الحد الفاصل بين الحق (الأنا) والباطل (الآخر) ، وهكذا أراد الأنا ، وتلك قبيلة جُل شعارها في التغيير: نقل ثورتك حيث شئت من الهوى ، فما الحب إلا للشيخ الأول !

علينا جميعاً أن نستعيد حقنا في الحياة ، وفي خوض التجربة واتخاذ القرار ، فخيراً لنا أن نتحمل نتائج اخطائنا من تحمل تبعات خطأ وصوابية ما يمليه علينا تجار السياسة والدين والقبيلة ، كما أن علينا ونحن نزعم محاربتنا للفساد النظر في المرآة من حين إلى آخر ، وانتهاج ثقافة نقد الذات الحرة المستقلة ، بدلاً من ممارسة ثقافة الببغاء حزبياً وطائفياً ومذهبياً ، وهو ما يحتم على اتباع الأحزاب التقليدية ومكونات المعارضة الثورية – ولاسيما الشباب منهم – وهم رواد التغيير ، تغيير واقعهم من (مستلقين) إلى (مستقلين) والبدء أولاً بإعادة هيكلة تلك الأحزاب – فكرياً وتنظيمياً - وترحيل قياداتها الديناصورية إلى متحف الأحفوريات السياسية ، مالم فإننا سنظل وإياهم كما كنا دائماً ...شابعين دنيا..!