الجمعة ، ٢٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٠:٣٠ صباحاً

روسيا إلى منظمة التجارة العالمية (حلال حرام، حلال حرام..!)

أحمد إبراهيم
الثلاثاء ، ١١ سبتمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٣:٥٠ مساءً
لم يعد جدار كرملين قادرا على إيهام البصير والضرير الروسيين، بالدبّ العملاق لهما خلف الجدار بالمرصاد، ليعيد البصر للضرير ويقفع عيون البصير، إن أتياه طوعا او كرها على التوالي .. والقابعون وراء الجدار أنفسهم غير قادرين على إعادة النظارة السوداء إلى أعينهم، بعد أن خرجوا من نعوش الشيوعية الإشتراكية العُظمى يمشون على تراب الأرض .. وباتوا مشاة لن يعودوا للنعوش بأرجلهم، إلاّ جثامينا على الأكتاف ولو بالموت الرحيم.

منذ ثلاثين سنة أكتب وأكتشف أن مقالا ورائه قصة حقيقية، كتابته ممتعة قرائته أمتع، فلم افتعل قصصا وهمية في كتاباتي .. قصتي بروسيا ببدايات تفكّك الإتحاد السوفييتي، بإنتهاء سفري من دبي الى كازاخستان (المآتا) ومنها بتحريض من المستشار القانوني السوداني المرافق آنذاك (ورحمه الله لاحقا) الى العاصمة موسكو، لإعتقاده عروضا تجارية مغرية لنا من كبار المسؤولين بكازخستان، غير مسموح التداول بها او التعامل معها دون الرجوع الى المرجعية العليا (موسكو)، وهكذا خسّرنا (بفتح الّراء) المرحوم الزول سامحه الله، حُفنة دولارات إضافية إلى موسكو، كانت أولى بزوجتي واولادي في بيتي المتواضع في دبي .. لكن الامر لله، وإنطلق بنا القطار إلى موسكو.

وقبل موسكو نتوقف ولو قليلا بكازاخستان، دخلناها أيام انجذاب الجمهوريات الستة (كازاخستان، تركمانستان، طاجيكستان، أوزبكستان، آذربايجان وقرغيزيا) ذات الأعراق والجذور الإسلامية الميّالة للاسلام والمسلمين، وجدنا فيها قوما كلما دخلنا عليهم ذكّرونا (بانهم مسلمون) ولسان حالهم يقول: “هذا اللي يسمونه إسلام، يقولون عنه شي كُويّس هذا..! وان الحلال والحرام ايضا يقال عنهما كُويّستان..!” .. هكذا كنا نسمع ونرى ونحن جلوسٌ ومشاةٌ بينهم.

مطعمٌ تناولنا فيه العشاء بالمآتا، صاحبة المطعم (مدام آينة) رأتني أكتب بقلمي من اليمين لليسار، جرت نحوي بقطعة ورقية مقوى (كرتون سجائر) “انت تكتب بالعربي؟ طيب إكتب لي هنا (بسم الله الرحمن الرحيم) سأعلّقها على باب المطعم..!”، ثم أرسلت لنا الخبز وهى تبتسم عن بعد بصوت مرتفع “حلال حرام، حلال حرام” ثم إقتربت من طاولتنا تسأل مبتسمة “هل تحبوا ويسكي حلال حرام حلال حرام.!”.

سالتها عبر المترجم كيف يمدام؟ ويسكي وحلال.!، أجابتني: “هذا اللي يسمونه “حلال حرام حلال حرام” يقولون عنها شغلانة كويسةا..!” .. فلو تواصلت مع المدام (آينة) لكانت أتتنا المدام تلك الليلة برقص حلال حرام، ملاهي ليلية، دسكو وحتى معاشرة العذارى الروسيات بحلال حرام، حلال حرام.! (طبعا وكلّ هذا بحسن النية والله العظيم).

المبيعات كانت تزيد على السواح المسلمين بحلال حرام، فتذكرت صديقا من أصل لبناني مقيم في باريس، يقول سألت يوما المدير التجاري لشركة الدواجن الفرنسية التي أعمل فيها: “لماذا سيدي تختمون على العلبة “مذبوح على الطريقة الإسلامية، ونحن نذبحها بالمكينة.؟” فأجابه المدير “مفعوله سحري يزيد مبيعاتنا في الشرق الأوسط..!” وهكذا “حلال حرام” بديا أخوان رضاعة على ألسنة هؤلاء الذين وجدتهم بروسيا في التسعينيات، إنهم يحبون الإسلام لكنهم لايعرفونه.!

إنطلق القطار نحو موسكو، وإكتشفنا أننا جلوسٌ بالخطأ في عربة كبار الضباط، لم نكن قاصدين ولا عارفين، جاء القبطان (قائد القطار) ليرمى بنا خارجه.! تحدثنا معه عبر المترجم، اننا غرباء لانجيد اللغة، الوسيط يبدو أخطأ الحجز.! لم تُمهّد لنا صلابته العسكرية طريقا للتفاهم، اما ان تخرجوا الآن او ستُرمون من باب القطار السريع، بادر زميلنا التاجر اليمني بإخراج مئة دولار من جيبه وقدمه للقبطان، اندهش من الورقة الزرقاء، تغيرت لون بشرته وبريق عيونه ولمعانها، خرج كالأسد وعاد كالنمر بعد دقائق بمجموعة قاصرات روسيات بملامح العذارى البريئات، وهو يخاطبنا عبر المترجم: “ياشيوخ فليأخذ كل منكم واحدة منها للمُتعة في السفر، يبدو ان الروس ايضا عندهم زواج المتعة لكن عشرة بمئة دولار..!

بادر الى ذهني سؤالا طرحته على زملائئ الفرحون المستبشرون بالصفقة: (أكيد ياشباب السلعة ايضا ضمن حلال حرام..!) .. طبعا لم يكن بينهم شباب، الكلّ في الأربعينيات والخمسينيات أولادهم بأحفادهم في بيوتهم وبلدانهم، كنت أنا أصغرهم سنا 32 وابا لطفلين، وبالإجماع تحوّلوا الى شوّاب وعجزة مراهقون بجوار تلك الجواري، ألسنتهم تنطق “نعوذ بالله، استغفرالله، وإنّا لله” .. وقلوبهم تضمر “يلاّ بسم الله..!).

لم نتوقف مع فرقة “حلال حرام” بالحلال بيّن والحرام بيّن، مدام (آينة) صاحبة المطعم، لو تواصلت معها بآيات أخرى بعد آية (بسم الله) لأنتقلت المدام من الكرتونة الى المصحف الكريم، لكني تركتها بعلبة سجائر عليها (بسم الله)، ولهثت جريا وراء سماسرة الظلام ولصوص عمولات الليل نحو موسكو، تركت الآيات خلف ظهري وألصقت الدولارات بصدري، لكن حُفنة دولاراتنا لم تكن تتجاوز أصابع اليدين، فلم نجلب تلك الجمهوريات كما جلبتها عواصم اليورو والدولار، اصبحت (روسيا) رسميا العضو رقم 156 في منظمة التجارة العالمية WTO بعد 18 عاما من المفاوضات الشاقة، منذ حلمنا بقطار الإقتصاد الإسلامي، لكن قطار “عذارى روسيات” فوّت علينا القطار.

باب التجارة من اوسع ابواب التلاحم بين الشعوب، أندونيسيا المسلمة الكُبرى، وراهاء تجار الجزيرة العربية الذين مرّوا بها، تلك الجمهوريات المستقلة عن الكرملين، لودخلناها بكرا بالحلال دون الحرام لكنّا ثقّفنا ثُلت سكانها، مئة مليون مسلم بين 300 مليون ضائعون، المسلمون فيها من تناقص إلى تزايد، يوما كان يُقتل فيها طفل المسلم خوفا على المئوية الديموغرافية للشيوعية العظمى، واليوم المسلم فيها بالزوجة الرابعة بحلال دون حرام، والمسلمون مئة مليون.!

لم نقترب منهم بديننا وقرآننا، ألصقناهم بدينارنا ودرهمنا، ذهبنا إلى أسواقهم شهبندرا، والى ناديهم وملاهيهم بجُــبّة قيس وخمريات ابي النواس، يلقيها على الشقراوات (روميو حرف الضاد) بالثوب العربي، ويترجمها الأفندي إسلاموف ومحمدوف بتراتيل “حلال حرام، حلال حرام.!”

نصُّ خبر اليوم (حصلت روسياعلى العضوية الكاملة) يوحي ان هناك عضوية كاملة وناقصة، يمكن حالة تركيا هى الناقصة، تبكي وتتوسّل بأوروبا من عقود لعضوية الاتحاد الأوروبي، تُطرد مرة انها غير مؤهلة، واخرى لأنها غيرمتسوفية ،وثالثة لأنها بلحية “الملاّوات” فتحلقها أنقرة، ثم لانها بشوارب “البشوات” فيحقلها إسطنبول، وقد يُطلب منها العودة حليقة الرأس محمرّة الشفتين بمكياج الأنوثة الفاتنة، وستفعلها تركيا من أجل اليورو والدولار، لأن تركيا اثبتت انها تعمل اي شي من أجل الدولار، المكياج وتغيير الجنس، وقد شرّع برلمانها السماح بالزنا بالقانون في دولة 79,749,461 من سكانها محمّديون، محوّطون بمليون مئذنة ومناراتُ مساجد العثمانيين.!

ياترى يوم انضمّت روسيا الى منظمة WTO بعد 18 سنة من الكفاح المرير، هل فكرنا بمنطقة سكانها يفوق مصر وتركيا مسلمون متعطشون للإسلام ، كانت في مهدها تبحث عن الحلال دون الحرام، ترى ماذا فعلنا لنروّي هؤلاء العطاشى؟ أخطونا نحوهم خطوة بالإسلام القرآني والتعامل الإيماني؟ أم لازلنا نسير قُدما في ذلك القطار الشهواني.؟!