الجمعة ، ٢٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٢:١٦ مساءً

لقد فاتني أن أكون ملاكا

جلال غانم
الثلاثاء ، ٠٤ ديسمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٦:٤٠ مساءً
الغوص في أعماق المُجتمعات بكُل أفراحها وتعاساتها تصيبك بحالة دوخة دائمة خاصة عندما تتم قراءة سيرة مُجتمع على أنقاض الهاوية .

وأنت في عقدك الثالث تتذكر تفاصيل الخُبز الحافي وما حملة الكاتب المغربي محمد شكري في وجدان روايته من سيرة مُجتمع مليئة بالقُروحات والالتهابات بحثا عن الخُبز في زمن الفجيعة التي كانت تغط بها المغرب جراء سياسات المُستعمر الظالمة .
سيرتنا لا تبعُد كثيرا عن سيرة الخُبز الحافي , فنحن لم نولد مع موسيقى الكمنجات , ولم نُمارس لُعبة البايسبول , ولم نعتلي قمة إفرست , نحن في طوابير نُخيط شكل المُستقبل لنختصره في خيارات أقل ما يُمكن تسميتها إنسانيه خوفا أن تُصيبها طلقة رصاص طائشة أو حُلم مغدور ينتهي عند أول مُنازلة مع القدر .

سلسلة إخفاقات اجتماعية تُراقص حنين جيل ضائع لم يعرف إلا نقيض هويته كضريبة حتمية يدفعها كبندول يومي ويُدافع عنها بأكتافه النحيلة .

هذا التدافع في أعماق البؤس كانتشال للهوية وإفراغ للمفهوم البشري كان قد كتبها يوما جُون بول سارتر عندما قال :
((عرفنا كُل شيء في الحياة إلا كيف نعيشها))

ما عرفنا يوما ما كيفية أن تنتصر القوة على الضُعف , كيف ينتصر الخنجر اليماني على آله العدل , كيفية أن يتخذ القهر من المُبدعين أوطانا , وكم تستوطنهم ظُروف لا يستطيعون أن يُفارقوها بحثا عن إيجار شقة سكنية .

القدر عندما يتم إسقاط كُل مُعطياته في ظرف زمني مُعين , لا يُمكن قراءة هذه المُعطيات بشكل طوعي أو عفوي لان التداخل في آلية العيش وتناقُضاتها مع الحُلم تحول كارتداد طبيعي لهذه العلاقة الناقصة.

هُنالك أشياء نعيشها بمساحات أقل ما يُمكن أن نقول إنسانيه وهُنالك مساحات أخرى تُفرض على شكلية حياتنا وندفع ثمنها مُضاعف هذا الثمن يتمثل ويتجسد في انحناءات المواطنة ووصولها إلى حالة اضمحلال وإلصاقها فقط بالطبقة المُسببة لكُل مسخ وطني .

الانتصار لا يُمكن أن يكون مصدر للهزيمة إلا عندما يكون مصدر الاختلال لاصق في ذاتنا , عندما يبقى الاحتدام هُو البديل لآي آلية للتعايش .

علينا أن نوجد وصل نهائي بين واقعنا المعقوف وبين عُروق وطاقات التدفق التي نُريدها كخروج عن أي نص قاتل لا يمنحنا إلا أزمنة وقُرون من الشقاء والبُكاء .

لا يجب أن ندعي الانتصار وما زال مُجتمعنا يعُاني من شروخ لا تدعك تُقيمه بشكله الصحيح.

علينا أن نبني لُغة بحجم الجُثث التي دُفنت , بحجم الشُهداء الذين واروا الثراء.

فالثورة كحالة صخب وجُنون لا يُمكن أن تستقيم بأي نوع من البجاحة أو من التخلُف أو في رثاء حظ عاثر أو قدر محتوم .
علينا أن نبني جِدار قادر على تحمل أي هزة جليدية لا نعُود معها إلى سُطور الأولى خارج أي المُهمة الأولى والأخيرة في الوجود .

لن نحتمي من أي برد ما دُمنا نُصدر كل القطرات , ولن ننتصر في أي حرب قادمة مادامت سُيوفنا من خشب ولن نعي أننا قادرون على التماهي خارج سُطور الفوضى إن لم نُؤسس قانون ونظام عادل نستضئ به.

ولسنا بحاجة مرة أخرى أن نلعب كُرة البايسبول أو نرفع علامات الشرف على ظهر جبل سُماره تيمنا تمثال الحُرية نحن نُعاني الويلات والعثرات التي تجعلنا أحيانا لا نعي ما نكتب وما نقرا .

لن نقول يوما ما ((لقد فاتني أن أكون ملاكا )) كما قالها الكاتب المغربي والروائي الراحل محمد شكري لإننا لم نعد نحلم بالمدينة الفاضلة أو بالارتقاء بقدر ما نحن نريد أن نعيش.

نريد أن نعيش , نريد أن نعيش