الجمعة ، ٢٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١١:١٤ مساءً

عقول للإيجار..!

د . أشرف الكبسي
السبت ، ٢٩ ديسمبر ٢٠١٢ الساعة ١٢:٤٠ مساءً
لطالما راهن الخطاب الإعلامي (الثور- سياسي) على الثروات الطبيعية (الهائلة) الكامنة في هذا البلد ، وجاءت وعود (المتغيرون) الجدد تحمل تباشير الرخاء والحياة الكريمة لهذا الشعب ، على زعانف الثروة السمكية ، وأنابيب الغاز الطبيعي ، وبعد عام ونصف من الوعد والوعيد والحكم (اللارشيد) لم يحضر السمك ولكن ذهبت العقول..!

بعد أن فقد أشياء كثيرة ، يفقد هذا البلد عقله شيئاً فشيئاً دون أن يدرك ، فالهجرة الجماعية للأكاديميين والمفكرين ، وذوي التأهيل العالي من المهندسين والأطباء وغيرهم ، في رحلة البحث عن فرص أفضل للحياة والعمل في دول الجوار والعالم ، باتت تشكل اليوم مؤشراً خطيراً على سوء المشهد القادم... فإن سلمنا – والحال كذلك - بأن تلك الشريحة تمثل (عقل الوطن) ، فماذا سيتبقى لنا بعد رحيلها إلى بلدان أخرى تستثمر عقولها وقدراتها..! يهمس البعض تهكماً: ستبقى العضلات واسماك القرش..!

ليس سراً قومياً أننا نحتل الصدارة في قائمة الأمية بين دول العالم وشعوبها ، وهو ما يفرض علينا التفكير ألف مرة قبل التفريط في طليعة الثروة الحقيقية، التي نمتلك ، ألا وهي الثروة البشرية ، التي يتوجب استثمار طاقاتها وإدارة قدراتها في البناء والتنمية ، وإذا كانت الظروف الإقتصادية الراهنة تقتضي ، التسليم بقبول - بل والعمل- على توفير الفرص لاستيعاب العمالة المحلية من الفئات قليلة ومتوسطة التأهيل في دول الجوار – إلى حين – مع توفير كل الضمانات الكفيلة بحفظ حقوقها ، وعدم تعرض أفرادها للانتهاك والإساءة في بلاد المهجر كما يحدث اليوم ، فإن الأمر يختلف كلياً عند الحديث عن الصف الأول من الكوادر الأكاديمية والمهنية عالية التأهيل..!

تغفل التوجهات الرسمية والشعبية القائمة على مبدأ (ما بدي بدينا عليه) ، النتائج الكارثية المترتبة على هجرة العقول ، بل أن حكومة (اللفاق) قد أدارت ظهرها كلياً لكل المسيرات والاعتصامات التي نظمها الأكاديميون - لشهور عدة- بهدف إصلاح الوسط الأكاديمي ، والبدء – كخطوة أولى - بخلع القيادات الفاسدة وتغيير النظم البائدة ، التي أحالت الجامعات من (مصانع للرجال) إلى (معامل للطرد المركزي للكفاءات) ، إلا أن شيئاً من ذلك لم يتحقق ، فوجد أساتذة الجامعات – كغيرهم – أنفسهم يقفون على طابور الانتظار الطويل بأبواب السفارات والملحقيات ، يرفعون لافتات كتب عليها : عقول للإيجار..!

إن لم ندرك جميعاً وفي مقدمتنا رئيس الدولة وحكومته (بشقيها) أن عقولنا ترحل عنا ، وأن البحث عن الأسباب والوقوف على المعالجات الكفيلة بالحد من ظاهرة (تسرب العقول) ، يمثل أولوية وطنية قصوى ، فإننا قد نصحو يوماً لنتساءل : متى أضاع هذا الوطن عقله..!!