الجمعة ، ٢٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٨:٢٩ مساءً

الضحك في حضرة الموت..!

د . أشرف الكبسي
الاثنين ، ٠٧ يناير ٢٠١٣ الساعة ٠٢:٤٠ مساءً
لا يكاد ينتهي مَلك الموت من قيامه بالعمل الذي يجيد ، مخلفاً ورائه – إلى حين - قلوباً مكلومة ، وافئدة مهمومة ، وأعين باكية ، حتى تتوافد الجموع إلى الدار المنكوبة ، مواسية أهلها ، ومعزية مصابها ، في مشهد إنساني بديع ، قوامه التعاطف والشعور بمعاناة وألم الآخر، إلا أن ذاك المشهد سرعان ما يفقد تمام معانيه ، عندما تصل الأحداث إلى تشييع الجنازة والسير في ركابها ، حيث تبدو غالبية الوجوه أكثر بشاشة مما ينبغي لها ، يتبادل المشيعون أطراف حديث لا ينتمي للحدث الأليم من قريب أو بعيد ، كما يتبادلون العناق والقبلات المعبرة عن سرورهم باللقاء بعد غياب ، وشيئاً فشيء تعلو ضوضاء الزيف المجتمعي ، فمن الحضور من لم يعرف يوماً (الراحل) المحمول على الأكتاف والأعناق ، ولا تربطه بأهل العزاء دفء مودة أو رحمة ، كما تخلوا جرابه من الاهتمام لشيء إلا لنفسه ، وجُل ما يعنيه من الأمر ، تحسين رصيده من العلاقات النفعية المجتمعية ، وتسجيل حضوره في قزحية هذا أو ذاك ، وكلما كان (الراحل) أو ذويه أكثر وجاهة ونفوذ ، كلما كان الجمع أكبر ، وكان سعي البعض أكثر للانتفاع على حساب مشهد الرحيل الحزين..!

بُعيد العصر ، تنتقل الجموع إلى قاعة العزاء ، في إحدى صالات المناسبات العامة ، والتي كثيراً ما تحمل مسميات من قبيل: صالة ليالي الأنس ..! أو قاعة بهجة الحياة..! كما تطغى على أثاثها وتجهيزاتها الألوان الاحتفالية الزاهية ، وتنتشر على جدرانها كتابات : ألف ألف مبروك..!!

يصطف ذوي الشأن ، بأعينهم المنتفخة ، وقلوبهم النازفة ، لاستقبال وفود العزاء ، التي سرعان ما تتموضع في مجموعات هنا وهناك ، تلتهم وريقات القات بشغف ونهم ، تماماً كما تلتهم الكلمات والأحاديث وربما الطرائف ، حتى أن البعض لا يكاد يذكر سبب مجيئه ، ويصبح من العسير عليه ، التمييز إن كانت الفعالية القائمة عُرساً بهيجاً أم عزاءً أليماً..!

عندما يطفو الزيف والنفاق على السطح المجتمعي ، تتساوى أفراحك وأتراحك في أعين من لا يرى إلا نفسه ، ولا يشعر إلا بذاته.. تعلو أصوات البعض بالضحكات من هنا وهناك ، غير عابئة ببكاء الباكين ، وأوجاع المحزونين ، ناسية أو متناسية ، أن الضحك ليس هذا مقامه ، وأنه يفسد العزاء كما يفسد الصلاة ، وأن (ليالي الأنس) ما زالت في حضرة الموت ، الذي يرقب المشهد عن كثب ، ممسكاً بقوائم الحصاد القادم..!