الجمعة ، ٢٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٦:٣٤ صباحاً

خبراء مؤتمر الحوار بين الخِبرة والخُبرة

د. عبدالله أبو الغيث
الأحد ، ١٤ ابريل ٢٠١٣ الساعة ٠٢:٤٠ مساءً
دفعت معظم القوى الممًثلة في مؤتمر الحوار الوطني بمندوبين لها إلى المؤتمر ولجانه التسع بأشخاص يفتقدون – في معظمهم – لقدرات الحوار، وتعجز خبرات كثير منهم عن صياغة رؤى استراتيجية لإخراج اليمن من حالة التيه التي تعيشها، وإيصالها إلى بر الأمان حسبما هو معوّل من مؤتمر الحوار.

وذلك يجعلنا نتحدث عن ضرورة تغطية ذلك العجز برفد المؤتمر بالخبرات الكفؤة والمتخصصة التي تمد أعضاء اللجان الحوارية المختلفة بالدراسات والمعلومات الدقيقة التي تحتاجها، لتتمكن من صياغة حلول واقعية وعملية تقدمها للمؤتمر لإقرارها.

ولقد وجدتها فرصة يوم الثلاثاء المنصرم عندما شاركت في حلقة نقاشية نظمها المركز اليمني للدراسات الاستراتيجية حضرها الأخ ياسر الرعيني نائب أمين عام مؤتمر الحوار، حيث وجهت الكلام إليه في مداخلتي مستفسراً عن مسألة الخبراء الذين سيستعين بهم مؤتمر الحوار.

فذكر الأستاذ ياسر بأن اللائحة الداخلية تنص على الاستعانة بخبراء يمنيين، وفي حال عدم وجودهم سيتم الاستعانة بخبراء عرب أو أجانب يجيدون التحدث بالعربية. وانا هنا أشدد على ضرورة التركيز على الخبراء الوطنيين لأنهم هم من يعيشون مشاكل البلد ويدركون ماهيتها، بينما يكتفي الخبير الخارجي بإسقاط وصفات جاهزة سبق لها النجاح في مجتمعات أخرى وليس من الضرورة أن تنجح في اليمن.

لأننا نعلم أن لكل مجتمع خصوصياته الدقيقة التي تحتاج لمعالجات عملية خاصة، فالتنظير وحده لا يكفي، خصوصاً أن هناك شبه إجماع بين القوى السياسية المختلفة على الساحة اليمنية بأن مشاكل اليمن لم تنشأ عن قصور في النصوص الدستورية والقانونية، لكنها نشأت عن تشوهات وعجز في تنفيذ تلك النصوص وإسقاطها على أرض الواقع.

سألت الرعيني عن المعايير التي ستعتمدها رئاسة المؤتمر وأمانته العامة في اختيار الخبراء؟ وعبرتُ عن مخاوفي أن تأتي العوائل التي سيطرت على مؤتمر الحوار لتعين بقية أفرادها الذين لم يحالفهم الحظ لعضوية المؤتمر بحيث يصبحون هم الخبراء الذين سنتفاجأ بتعيينهم! وأكدتُ على ضرورة أن يتم انتقاء الخبراء الوطنيين بعناية من بين صفوف المتخصصين من الأكاديميين والمثقفين وأهل الخبرة والقدرة.

رد الأخ ياسر على استفساري باقتضاب بأنهم سيقومون بمخاطبة رؤساء الجامعات اليمنية ليرشحوا لهم المتخصصين في المجالات المطلوبة.. لا أخفيكم أن ذلك أشعرني باليأس والإحباط، وجعلني أدرك أن نوعية خبراء الحوار لن تفرق كثيراً عن عينة أعضاء المؤتمر.

فكلنا يعرف أن الجامعات اليمنية مازالت تخضع لرئاسات نعلم جميعاً كيف وصلت إلى مواقعها، والطريقة التي تدير بها جامعاتها، وكيف أن معظم رؤساء تلك الجامعات هم مسيّرين من غيرهم. ويدرك الجميع بأن هناك دينصورات محنطة في كل جامعة (بتاع كله) هم من ترشحهم رئاسات جامعاتنا في كل شأن يطلب منها، ليس لأنهم الأكفأ ولكن لأنهم يمتلكون القدرة على تشكيل أنفسهم بالصورة التي يريدها المخرج! وذلك سيجعلنا نتحدث عن جماعات الخُبرة (الأصدقاء والمقربين) بدلاً من حديثنا عن أهل الخِبرة والكفاءة والاختصاص.

وحتى إن اعتمد رؤساء الجامعات اختيار أولئك الخبراء بناء على تخصصهم في شهادة الدكتوراه فذلك أمر سيشوبه القصور بدرجة كبيرة، لأننا نعرف أن كثير من المتخصصين في بعض العلوم إنما حصلوا على شهاداتهم بشق الأنفس، ولا تجد لبعضهم حتى مجرد بحث من يوم حصوله على الدكتوراه، التي صارت له غاية وليس وسيلة، وكثير منهم مع الأسف هم من يتصدرون المشهد.

وتجدر الاشارة هنا أن الجامعات اليمنية لا تملك أي أرشفات للدراسات والأبحاث التي تقوم بها هيئاتها التدريسية، ولا تتابع مشاركاتهم المجتمعية، علماً بأن قلة قليلة من أساتذة الجامعات اليمنية هم الذين ساهموا بدراسات وأبحاث تخص المشاكل الحالية التي تعاني منها الدولة اليمنية، وهم من يمكنهم تقديم خلاصة تلك الدراسات من أجل إنجاح مؤتمر الحوار.

يضاف إلى ذلك بأنه سيكون من الخطأ حصر الخبراء الذين سيستعين بهم مؤتمر الحوار في أساتذة الجامعات فقط، فهناك بعض من الذين يحملون شهادات الماجستير أو البكالوريوس وتجد أنهم يملكون دراسات وقدرات وخبرات في قضايا الوطن والمجتمع أكثر بكثير من بعض حملة الدكتوراه والأستاذية.

إذا، فالخيار الصحيح إنما يتمثل بفتح باب التنافس أمام جميع أبناء الشعب، بحيث تعلن الأمانة العامة عن فتح باب التنافس، وتحدد نوعية الخبرات التي تحتاجها، ثم تستقبل كل الترشيحات الشخصية مرفقة بسير ذاتية مع صور من الدراسات التي أعدها الشخص المتقدم في المجال المطلوب، ويتم تشكيل هيئة من خبراء مشهود لهم بالنزاهة لفحص أوراق كل المتقدمين واختيار الأنسب منهم.

نقول ذلك على أمل أن رئاسة المؤتمر تبتغي الحصول على خبرات حقيقية وكفؤة، أما إن كانت العملية ستتم عبر المحاصصة السياسية، أو عبر تفويض بن عمر والرئيس هادي كما تمت في مرات سابقة، أو أن كل شيء قد صار جاهزاً كما يقال ولم نعد بحاجة لخبرات ولا هم يحزنون، فلا نملك إلا نقول: لا حول ولا قوة إلا بالله.. وعظم الله أجر الشعب اليمني!


الحوار والقضية الجنوبية
يتفق الجميع بأن القضية الجنوبية هي أم القضايا المطروحة على طاولة الحوار الوطني، لكن أن نسمع من بعض أعضاء مؤتمر الحوار بأن كثير من اللجان لن تستطيع الانطلاق في عملها قبل أن تتلمس ملامح الحل الذي ستخرج به لجنة القضية الجنوبية فذلك ما لانوافقهم عليه.

لأن ذلك سيعني أن نلغي (565) عضواً في المؤتمر ونسلم مصير المؤتمر ل(40) شخصاً هم قوام لجنة القضية الجنوبية، عندما نربط مصير الحوار في كل لجان المؤتمر بنتيجة الحوار في تلك اللجنة.

والصحيح أن تعمل كل اللجان بوتيرة عالية وبطاقتها القصوى بمن فيها من أبناء الجنوب، لأن نتيجة الحوار فيها واتجاهه صوب تأسيس دولة مدنية حديثة وعادلة، تصحح الاختلالات التي شابت حقوق المواطنة المتساوية، وتؤسس لشراكة حقيقية في السلطة والثروة، سوف يطمئن إخواننا في لجنة القضية الجنوبية ويدفعهم للاتجاه نحو الخيارات الوطنية التي ستتشكل ملامحها في بقية اللجان.

والشيء الطبيعي أن يعتمد الحوار الوطني في لجنة القضية الجنوبية ولجنة صعدة على مسارات الحوار في بقية اللجان وليس العكس، لكي لا نكتشف بعد فوات الأوان أن نتيجة الحوار قد غردت بنا خارج السرب.