الجمعة ، ٢٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١١:٤١ صباحاً
الاربعاء ، ٠٢ اكتوبر ٢٠١٣ الساعة ١٠:٤٠ صباحاً
وحيداً جلس إلى (مدكاه) ، مستحضراً ذاته وأدواته.. (علاقية الأرحبي) ، قنينة الماء البارد ، (الكندا السفري) ، وبالطبع (منشة) الذباب البلاستيكية ، بلونها البرتقالي الفاقع... ولم تخب توقعاته مطولاً ، بشأن الهجوم الذبابي المحتمل على صومعة إنفراده... ترنحت ضحيته السوداء الأولى مبتعدة ، لثوان فقط ، عادت لتحط بعدها على أنفه الكبير، متحدية وبجرأة حجمه وإرادته وقواه العسكرية.. تساقطت الواحدة تلو الأخرى ، عشرات الجثث الصغيرة ، المتناثرة هنا وهناك ، جعلته للحظة يشعر أنه نابليون في ميدان انتصاراته..!
ممسكاً بسلاحه البرتقالي ، أشعل سيجارة (الكمران) وبدأ يحدث نفسه في صمت ، عن السلم والحرب ، عن حقيقة الانتصار والهزيمة ، فجموع الأعداء وإن فارقت الحياة ، قد حققت بإصرارها وتضحياتها أهدافها بنجاح ، إفساد وحدته الذهنية ، وهدم عزلته الكونية ، وقد جعلت من نفسها مركز الحدث ومحور الاهتمام ، وتمكنت من جره – خلافاً لإرادته – إلى مربع الصراع معها ، والانشغال بعدوانها على مفردات سكون مقيله..!
على سطح الطاولة الخشبية ، وبجوار (ولاعة) صينية الصنع ، كُتب عليها (كلنا مؤتمر) كانت إحدى الجريحات عبثاً تحاول النهوض.. اقترب منها ، عله يتبين ملامحها ودوافعها ، ويقرأ في الألم بوجهها متناهي الصغر، حقيقة وجوده ومعناه ، فهي – كما هو - لابد خلقت لتؤدي دوراً وجودياً ما..! كيف يكون الحق في الوجود مبرراً لإلغاء الحق الوجودي للآخر.. ولا فرق إن كانت نفساً بشرية أو حشرية ، حتى أن ضحايا الإنسان من الأنفس البشرية أكثر من مثيلاتها الحشرية ، وهل صراع الموجودات بحد ذاته غاية وجودية (أنا موجود ... إذا أنا موجود) بينما تقتصر المثل العليا على تهذيب الجزء الواعي من الصراع لا إلغائه..؟

مهزوماً... لم يكن يعرف أن ذاكرة الذبابة قصيرة للغاية ، ثوان معدودة فقط ، تفقد بعدها مفردات ذاكرتها تلك ، وهكذا مجدداً وبلا انتهاء ، ما يعني أن إصرارها الأسطوري ، وشجاعتها النادرة ، في ارتكاب وتكرار الحماقات ، ليست إلا بصمة هباء ومحض غباء ، تماماً كما هو حال الكثير من البشر..!

أوشكت علاقية (الأرحبي) على النفاذ ، لم يعد يرى الذبابات تحوم حوله ، وتحط بوقاحة على طاولته وأنفه ، لكنها كانت هناك ، طنين المئات والآلاف منها في رأسه... وكأنه استحال ذبابة بمقياس إنساني ، لم تعد رؤيته ضبابية ، بل ذبابية.. أسقط من يده (البرتقالية) وبينما كان يتمم بشيء ما عن (الصراع) راح يحدق وببلاهة في مسدسه روسي الصنع..!