الجمعة ، ٢٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٥٩ مساءً

الانتخابات ,,,, ونظرات الشجن

عباس القاضي
الاربعاء ، ٢٢ فبراير ٢٠١٢ الساعة ٠٩:٥٠ مساءً
عندما وقفت في الطابور الذي سيقودني إلى اللجنة المكلفة بإدارة الاقتراع, أخذت دوري نهاية الطابور عند وصولي, ثم تقاطر الناس من خلفي, كنت أتعمد أن أنظر إلى وجوههم لأرى من خلالها الوطن, الذي افتقدناه منذ ثلث قرن, وقرأت المستقبل المشرق في نظراتهم, وكانت الابتسامة هي اللغة المشتركة.

وأنا في هذا المشهد, كان أمامي رجل كبير السن, يركز بنظره نحوي وكأنه يترجاني أن أسأله, في صدره شيئا يريد أن يبوح به, قلت في نفسي : لقد قرأت في عينيه الموجز, فلماذا لا أطلع على التفاصيل, رفعت عيني إليه - حيث كان أطول مني بعض الشيء– كان نحيف الجسم قد حفرت السنين على وجهه تجاعيدا , تدل على أنها نالت منه أكثر مما نال منها.

قلت له : ما الذي جاء بك ؟ قال : أغرس شجرة, وإن كنت وأنا في هذا العمر قد لا أجني ثمرتها ولكن حتما سيجنيها أبنائي وأحفادي.

صراحة , أعجبني طرحه وفلسفته لهذا الحدث, قلت له : تعتبر هذا الاستحقاق الوطني ؛ غرس شجرة, فأين الأرض, وأين الماء, العناصر الأساسية في هذه العملية البيولوجية ؟؟ رغم أنني متوقع ما سيقوله إلا أنني أختبر هذا الرجل الذي أتوسم فيه الحكمة, قال : يا بُنَي, الأرض هو الوطن, وأخصبها هي ساحات وميادين الحرية والتغيير, بطول الوطن وعرضه, حرثناه قيما وأخلاقا وسلوكا وإبداعا, عانينا فيه المواسم المختلفة بردا وحرا, ووضعنا فيه سمادا بصبرنا ودعائنا وسلميتنا, إلا أن النظام أرادها عنفا, فقتل المئات وجرح الآلاف, سالت فيها الدماء فكانت هذه الدماء رواء للأرض, وأصبحت صالحة للزرع والغرس.

جاء الموسم في وقته, قلت له : والزرع السابق الذي كان , أين هو ؟ قال : أصبح هشيما تذروه الرياح, الأرض يا بُنَي, تحتاج إلى تغيير محاصيلها بين وقت وآخر حتى تنتج بشكل أفضل, الأرض أهملت منذ فترة طويلة, وهاجمتها الحشائش الضارة, حتى المحاصيل التي بقيت على قلتها بددها من ائتمناه عليها , الأراضي التي في جوارنا تنمو وتزدهر, وأرضنا تسوء وتنحسر, لدينا مزارعون جيدون , يعملون في مزارع الجيران, يشعرون بالتعب جسديا وبالمعاناة نفسيا, لأنهم لم يتمكنوا من زراعة أرضهم, حتى الرِّكاز التي كانت موجودة تحت الأرض استخرجها واستأثر بها هو وحاشيته.

قلت له : التصريح والإفهام بدلا عن التلميح والإبهام , قال : هذه الانتخابات التي نحن على بعد خطوات منها سترسي دعائم الديمقراطية والتبادل السلمي للسلطة, هل لاحظت معي اختفاء أولئك النفر,الذين كانوا يضعون أفواههم, في آذان الناخبين, يوصوهم بانتخاب شخصا بعينه ؟ واختفاء مظاهر الفوضى العارمة التي كانت في الطوابير,والوجوه المتجهمة والأنفاس اللاهثة وراء المصلحة الآنية لإبقاء الوصاية علينا؟ هذا هو بداية عصر جديد يبدأ الآن, يتشكل الآن, من خلال هذه النظرات المحبة والإحساس بالأخوة.

جئت بإرادتي, لأنتخب شخصا, يحكمني بإرادتي, قالها ونحن في باب الفصل ليدخل, ودخلت بعده, اقترع قبلي ورفع إصبعه المغموسة بالحبر, دنا مني هامسا, لن أمسحه, فهذا الحبر سينير لي دربي لأزرع به أرضي .