الجمعة ، ٢٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:٣٨ مساءً

خليج سرت ,,, خليج الحرية

عباس القاضي
الأحد ، ١١ مارس ٢٠١٢ الساعة ٠٩:٤٠ صباحاً
على مدخل حديقة خليج سرت - ساحة الحرية بمدينة إب – كشف لنا محدثنا سر هذه التسمية, والتي تعود إلى سنوات عديد مضت, عندما زار معمر القذافي هذه المدينة , واستقبله أبناؤها, شأن المراسيم الشعبية التي كانت تُحشَد لهكذا مناسبات طواعية أحيانا وبالإجبار معظم الأحيان, بعضها تحمل صور الضيف, والأغلب تحمل صور المضيف.

كان أحد المستقبلين من أعيان المدينة, قد التحم بالمرافقين, فوجدوه أنها الشخصية التي تمثل مدينة إب.
وشأن جوقة المطبلين أراد أن يتحسس أحد المرافقين مشاعر أبناء هذه المدينة نحو العقيد, من خلال هذا الرجل الفاضل, فقال له : ما رأيك بالعقيد معمر القذافي ؟ أحتار الرجل, ما ذا يرد؟ الموقف محرج ! أيقول الحق ؟ والذي يؤمن به, وهو ما لا يسر هذا المرافق ولا زعيمه, فقد يقابل بتصرف لا يحمد عقباه, فكر مليا وتحت إصرار هذا المرافق الذي يجلده بسؤاله المتكرر, ما رأيك بالزعيم ؟ رد عليه بلهجته الإبية المتميزة " ما بوش مِنُّه " وهي تقابل باللهجة المصرية " ما فيش منه " مضمرا في نفسه : بأنه لا يوجد أخس منه, ولكن المرافق فهمها بأنه لا يوجد أحسن منه, فهمس هذا بأذن زعيمه, فضحك الزعيم ضحكته المشهورة, التي لا تعرف أنه يضحك أم يبكي, ارتاح لهذه الإشادة,,وقرر أن يعمل شيئا لهذه المدينة التي اعتبرته فريدا من نوعه, وكان موكبه خارجا من المدينة القديمة, فوقع عينه, على مساحة تحيط بها الشوارع, من جميع الجهات هي عبارة عن مقبرة, فاختارها ليموِّل حديقة عليها ويسميها حديقة خليج سرت. نسبة إلى مسقط رأسه.

مرت السنوات والأعوام, وجاءت ثورات الربيع العربي, فوصلت نسماتها إلى اليمن ولأن إب هي رئة اليمن التي تتنفس من خلالها, ,كانت ساحة الحرية فيها فاختاروا هذا المكان.

كنت أشاهد فعاليات الثورة من خلال منصات الساحات, فقد كانت ساحة خليج سرت وعبر منصتها أكثر تميزا, تجد البراعم والزهور كأنهم كبار,وتجد الشيوخ التي تعتمر رؤوسهم العمائم كأنهم شباب, المرأة كان لها حضور ملفت, الأنشودة الحماسية كانوا روادها.

ذات ليلة كانت الفقرة الرئيسية, هي المسرحية, خشبة المسرح – المنصة – تتكئ على الحديقة - المقبرة - , وبينما الممثلون يؤدون أدوارهم التي تبين بشاعة النظام الذي كان, والجمهور متسمر في أماكنه, عيونهم جاحظة متعطشين لتلك المشاهد التي تعزز قناعاتهم التي خرجوا من أجلها, إذ برجل طويل القامة عظيم الجثة, ملابسة عبارة عن أسمال من بقايا كفن قديم, والغبار يكسو جسده وشعره,,يأتي من صوب المقبرة, يصيح بصوت ارتج له المكان, فشهق الجمهور وأنقلب أولهم على آخرهم خوفا وفزعا وهربت بعض النساء, بينما الممثلون صامدون على خشبة المسرح, يواجهون قدرهم, ماذا تريد؟ سأل أحدهم هذا الذي جاء من القبر, فرد عليهم, ماذا تريدون أنتم؟ أزعجتمونا, أقلقتم سكينتنا’ ليل نهار, بمكبرات الصوت, أناشيد , هتافات,,ثم تابع هذا الذي خرج من القبر : خرجت من القبر ممثلا عن بقية الموتى , رد عليه أحد الممثلين برباطة جأش قائلا له: أخرجنا الظلم والفساد, أخرجنا القهر والتوريث, وإزهاق النفوس, ولكن هذا الذي خرج من القبر, سألهم من الذي يحكمكم؟ ردوا عليه بصوت واحد : علي عبد الله صالح, رد بصوت عال : أوا ما زال يحكمكم ؟ لقد مت منذ 25 عاما وما زال هذا الظالم جاثم على صدوركم !, وعاد هاربا, وهو يصيح, الله يعينكم,,,الله يعينكم,,,لا أحدا يلومكم, ولا يمكن أن أبقى دقيقة وهذا الرجل ما زال يحكم, واختفى عن الأنظار, والناس وقفت على أقدامها تشاهد هذا الرجل الذي دس نفسه في حفرة كانت هناك.

اندهش الناس أكثر عندما خرج الممثلون ومعهم المخرج واقفين يصفقون, حينها عرف الجمهور أن هذا المشهد المرعب إنما هو جزء من المسرحية استفادوا من البيئة المحيطة بالساحة.