الجمعة ، ٢٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ١٢:١٦ مساءً

عطش الأمومة ( 12)

عباس القاضي
السبت ، ٢٤ نوفمبر ٢٠١٢ الساعة ٠٧:٤٠ مساءً
كانت القاعة التي اختارتها جنى لا يوجد فيها منصة عرض ، وذلك لقناعتها ، بأن القدرة المالية ، واجتماع الأسرة ، وتتويج رحلتها الدراسية بمناقشة الدكتوراه – نِعَمٌ من الله ، لا تستقيم معها ما يتم عرضه في تلك القاعات من غناء ورقص ، كذلك لتوقعها حضور إبراهيم المكلوم بموت زوجته نادية وأيضا حِدِّية أخيها حامد الأكثر التزاما وتدينا في الأسرة ، أسباب إضافية لهذا القرار ،، وهذه القاعة لها مميزات أخرى مثل النوافذ الواسعة ذات الزجاج الرقيق الشفاف من خلاله يرى الجالس داخل السفينة والأمواج تتلاطم كأن الماء سوف يغشاه ، كما أن لهذه القاعة سُلَّم إلى السطح مع وجود كراسي للجلوس .

انتهوا من العشاء ، جاء " النادل " ليستكمل الطلبات لكن جنى بادرت باستدعائه لتهمس في أذنه أن يؤجل أطباق الحلوى إلى وقت لآخر ، فأبوها الدكتور سالم الذي أشار إليها وهم قادمون إلى الشاطئ أن تعامله كطفل – تخاف عليه ، كونه مصاب بداء السكري ،،، فهو لا يستطيع أن يقاوم منظرها ، فيأكل فيكون ضررا عليه .

يمر الوقت و إبراهيم يفتعل السرور ويتصنع النكتة ، ليداري حزنه الذي ينتابه بين الحين والآخر ، و هو يرى وجوه الحاضرين وبتذكر نادية بذات المكان ،، ويقول في نفسه : أين أنت يا نادية ، وكان قبل أن يأتي إلى الشاطئ قبل مر على المستشفى ، الذي تعود على المرور عليه منذ دخلت نادية الثلاجة ،، وجد نادية وتحسس أطرافها فلما وجدها باردة ، كاد قلبه أن يقفز من صدره ،،، وهو يرى إلى وجهها الذي ما زال هو ، هو ذاك المحيى الجميل ، فرغم مرضه الطويل ما زالت الحمرة لم تغادر خدها وأنفها الشامخ سيتعصي على غطاء وجهها ،، وهو يسبح في هذه الذكريات ، نظر إلى جنى وقد لاحظت شروده ، فابتسم ، عندما تذكر وصية نادية في الأيام الأخيرة ، وهي تقول له : تزوج بامرأة سمينة لتعوضك نحولي فقد سمعت أن المرأة السمينة لديها مقاومة كبيرة للأمراض ،،، لا أريدك يا إبراهيم أن تتعب معها كما تعبت معي .
ردت عليه جنى بابتسامة مثلها ، غير أنها لا تدري أسباب ابتسامته.

لاحظ الدكتور سالم شرود إبراهيم ، فأراد أن يخرجه من شرنقة ذكرياته قائلا : نصعد إلى سطح السفينة ، صعدوا وجلسوا على كراسي متقاربة ، ليتفرقوا بعدها كل اثنين معا ليتحدثوا بِهَمٍّ مشترك ، وتصرفوا بذكاء بحيث وجد إبراهيم و جنى أنفسهم وجها لوجه بعد أن تفرقوا .

بادر إبراهيم الكلام بتأسفه عن سرد حكايته مع نادية بحضرتها ،، لكنها قالت : والله لن يزيدني كلامك إلا قناعة بك ، فوفاؤك لنادية هو وفاء لي ،، صدقني يا إبراهيم لقد أحببت نادية من خلال كلامك ، وقد صححت وضعا كان يؤرق الأسرة كلها ،، وأجبت على تساؤلهم ،،، كيف تخطبني وما زالت نادية لم تدفن بعد ،،، فقد أزال حديثك الوسواس من قلوبنا جميعا .