الجمعة ، ٢٦ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠١:٥٥ مساءً

الجُبناء لا يصنعون مُستقبلاً !

محمد سعيد الجبري
الخميس ، ٠١ أغسطس ٢٠١٣ الساعة ١٠:٤٠ صباحاً
شهدت أمتنا في تاريخها الطويل صنفين من القيادات: قيادة الشهداء وقيادة الجبناء. عندما تصدّى الشهداء لقيادتنا، فتحنا العالم، وحررنا الإنسان، وتربعنا في القمة من حركة التاريخ.. وقدنا الحضارة البشرية.. وصنعناها. كان الرجل منهم وهو يتولى «المهمة»، يصوم عن الملذات، يفطم نفسه عن المتع المباحة، ويحيا زاهداً، متقشفاً، صامداً بوجه الإغراء، رغم أنه في قمة العالم. وكان يزداد فدائية، وشجاعة، وإقداماً.. يرفض منطوق الخوف والجبن والتردد.. يستأصل بقايا جذورها من نفسه.. حيث لا يتبقى هناك سوى شيء واحد: عشق الشهادة وكراهية الحياة. ويصعب على الإنسان، وهو محاط بنعيم الدنيا، أن يتمرد على الدنيا.. يصعب عليه وهو يحظى بالأمن والفرح، أن يتجاوزهما إلى مواطن الخوف والحزن. لكنهم بالإيمان الذي فجره الإسلام في قلوبهم تمكنوا من تجاوز قوى الشدّ والهبوط، وتحرّروا من الضرورات.. وأصبحوا، بذلك ولذلك، أهلاً لأن يلووا عنق التاريخ، ويمتطوه إلى أهداف ومصائر ما حلمت بها أمة في التاريخ. كثيرون منهم ماتوا أو قتلوا أو اغتيلوا وهم يجاهدون نفوسهم وأعداءهم على السواء، من أجل أن يظلوا متحررين.. أن يبقوا على مستوى المسؤولية، كما أراد الله ورسوله أن تكون. والذين ماتوا منهم على فرشهم وأسرّتهم، ذهبوا وهم يحملون في قلوبهم الحسرة على أن لم يلقوا ربهم في ساحات القتال. صفّ من الشهداء عبر تاريخنا الطويل.. وأمتنا تقاتل الجاهلية العربية فتنتصر عليها.. وتقاتل الفرس والروم فتنتصر عليهم.. وتقاتل الهنود والصينيين والقوط فتنتصر عليهم.. وتقاتل التتر والصليبيين فتنتصر عليهم.. وتقاتل الروس والأوروبيين فتنتصر عليهم.. ورغم أنها كانت في معظم صراعاتها الأقل عدداً وعدّة، فإنها كانت في معظم لقاءاتها تخرج منتصرة.. مؤيَّدة. ويوم أن بدأنا نخسر المعارك، ونعاني الهزائم، ونتراجع عن مساحات واسعة من الأرض التي حررناها.. فلنا أن نعرف أن سبباً كبيراً من أسباب الخزي والهزيمة يكمن في غياب قيادة الشهداء وحلول قيادة بديلة عنها هي قيادة الجبناء. يتسلّق الرجل منهم قمة المسؤولية من أجل أن يحصل على ملذة أكثر، ويحظى بمتعة أكبر، ويندفع وراء مظاهر الجاه والسلطان، حتى يبني بها بينه وبين أمّته سدّاً. وكان الرجل منهم كلما انقضت الأعوام على قيادته، ازداد أنانية وجبناً وإحجاماً.. يرفض منطوق الشجاعة والإقدام.. يستأصل من نفسه بقايا جذور الخير فيها، ولا يتبقى هناك سوى شيء واحد؛ حب الحياة وكراهية الموت. وإذ كانت الهزائم العابرة، وسط الانتصارات الحاسمة، تسحق قادتنا الشهداء.. تسلب أمنهم وراحتهم فلا يقر لهم قرار حتى ينتصروا أو يموتوا هماً وحزناً.. إذا بالهزائم الساحقة، تمنح قادتنا الجبناء راحة وأمناً، وتزيدهم شحماً ولحماً.. وهم متكئون على كراسيهم يبرّرون هذه الهزائم بألف مكر ومكر ويغطون عليها، بانتصارات تافهة عابرة يمطّون فيها لكي تقدر على تغطية الهزائم الفاجعة النكراء. من أجل ذلك هُزمنا أكثر من مرة.. لكن كل الهزائم التي منينا بها شيء.. وهزائمنا المتتالية أمام بني إسرائيل شيء آخر. ماذا لو استيقظ قادتنا الشهداء، أو أطلّوا من قبورهم.. فرأوا بني إسرائيل يجلدون أحفاد الصديق وعمر وعلي وطارق .. صباح مساء؟!