السبت ، ٢٧ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٤:٤٦ صباحاً

في رحاب أهل الله .. عبد الرحيم البرعي

عارف الدوش
الخميس ، ٠١ أغسطس ٢٠١٣ الساعة ٠٢:٤٠ مساءً
هو عبد الرحيم بن أحمد بن علي البرعي اليماني، كما ذكر الزبيدي في تاج العروس فيما ذكر البريهي في طبقات صلحاء اليمن أن أسمه عبد الرحيم بن علي المهاجري نسبه إلى ثبيلة المهاجر بجبل برع بتهامة ولد 673هـ ومات 803 هـ عاش مائة وثلاثين سنة ويشكك الأستاذ عبد العزيز سلطان النصوب الذي حقق “ديوان البرعي في تاريخ ميلاده ووفاته ويرجح انه ولد عام 770 هـ ومات عام 830 هـ ليتراوح عمره 51 عاما أو 60 عاماً فقط، وفي قريته “ النيابة “ يقع مسجده المسمى باسمه وقبره الذي يزوره الناس إلى اليوم، وقد ذكر البريهي في طبقات صلحاء اليمن: يعتبر أول خميس من رجب موساً لتوافد الزوار إلى ضريحه من برع وحراز وريمة لقراءة المولد وتلاوة القرآن والاستغفار.

والبرعي شاعر بليغ ومتصوف مشهور درس وقرأ الفقه والنحو على جماعة من علماء عصره ثم اشتغل بالتدريس والفتوى وأشتهر بالعلم والعمل، وكان شاعرًا مجيدًا له غرر القصائد وأروعها في مدح الرسول صلى الله عليه وأله وصحبه وسلم عاش في الثلث الأخير من عصر الدولة الرسولية التي حكمت اليمن قرابة 232عام واتخذت مدينة تعز عاصمة لها.

من مؤلفاته: ديوان شعر طبع عددًا من الطبعات في “مطبعة الحلبي” و”البولاقية” في مصر و”بومباي” في الهند وقد حقق الديوان الباحث المصري “محمد عبد اللطيف قناوي” في رسالة ماجستير في جامعة القاهرة وصحح النصوص الشاعر اليمني “حسن بن صغير بن حمود بن يغنم البرعي”

وديوان “ البرعي “ الذي حققه الأستاذ عبد العزيز سلطان المنصوب محقق “ديوان البرعي “ الصادر عن “ سلسلة الصفاء “ الطبعة الأولى 2003م” فيه قصائدُ في تمجيد الله عزوجل وفي المديح النبوي، وفي مدح آل البيت والصحابة وفي مدح الأولياء والمشائخ وفي الاستغفار، والوعظ وفي التشوّق لمكة والمدينة وفي الاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم، وفي الوعظ وغير ذلك يمتاز شعره بالسلاسة والبراعة والإشراق والسهولة.

ويقول عبد العزيز سلطان “ أن البرعي علم يمني امتلاء قلبه بمحبة الله ورسوله وعبر عن حبه الفياض بشعره الغزير في معناه الرقيق في أسلوبه فسطع نجمه وانتشر وهجه ليشمل أركان العالم الإسلامي من زمنه وحتى يومنا هذا والى ما شاء الله “
حج “ البرعي” إلى بيت الله الحرام عدة مرات سيراً على الأقدام وجاور في الحجاز وعاش متبتلاً زاهداً متصوفاً، وكان عالماً من العلماء وشاعراً من الشعراء وفقيهاً عميق التفكير ومصلحاً دأب على الإصلاح ثم هو ذو قلب نبيل ومشاعر رقيقة وقد كان شعره يقطر حلاوة ورقة على ما فيه من غذاء روحي من الهبات ومدائح نبوية وصوت يناجي الإنسان من داخل نفسه ليرده إلى الخير، وعلى ما فيه من عبر ونصائح وهو الحكم التي تسلح إنسان بزاد مكثف من تجارب الحياة ليصبح أقدر على فهم الحياة وأكفأ في مواجهة الأحداث.

ويذكر الدكتور ناظم عبد الملك سعيد الدبعي في مقدمة “ ديوان البرعي “ كانت له طريقة صوفية قادرية وشيخه الشيخ عمر العرابي الذي ينتهي سند سلسلته إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني وحصل البرعي على نصيب كبير من العلم ولعله درس في الأربطة الصوفية التي كانت متناثرة في تهامة وحراز وبرع في ذلك الزمان وقصر نبوغه في الشعر على مدح الله والنبي وأله فكان بحق شاعر الذات المصطفوية بحسب تعبير الدكتور ناظم .
ويقول الباجث عبد الرحمن الأهدل رحمه الله في دراسة له عن شعر البرعي “هو بحق شاعر من طراز رفيع نجد في ديوانه تقنية فنية عالية وعمقاً معرفياً بالشعر لغة ودلالة وبناء يستجلب بتركيبه ما يسمى اليوم “الشعرية” التي تتولد عن المعمار الفني في تركيب المفردات والجمل فقد كان موهوباً ويعي البعد الفني والروحي للشعر غير أنه اختلف عن سابقيه ومعاصريه في الأغراض الشعرية فلم يكن هجاءً مسفاً ولم يمدح صاحب سلطان ولم يكتسب من شعره رغم فقره”.

وفي شعره تعرض لمشايخه بالمدح سواء في درس الفقه واللغة أو في درس التصوف وطرائقه وسلم الترقي فيه والبرعي عاشق بكل ما تعنيه مفاهيم العشق وقد كان في عشقه صافي السريرة عذري الحب، فأستحق أن يوصف بأنه من العشاق النبلاء في عشقهم الذين لا يقدمون على الأفعال المشينة فهم يعشقون حتى الثمالة، ويفهمون أن الحب كحالة إنسانية ووجدانية طبيعية ويعبرون عنه بما تمليه عليهم عواطفهم المحبوكة بالقيم والكرامة والمجبولة على السمو الأخلاقي .

وغزل الشيخ الصوفي الشاعر “البرعي” بحسب الباحث الأهدل “ إذ فسر ذلك الغزل بأنه على مدى مساحة عمر البرعي، لكنه غزل صوفي ليست مقاصده هي تلك المقاصد المعروفة عن الغزل عند الناس” باعتبار أن القوم “ أهل الله” قد كشفت لهم المكنونات فأصبحت بحقهم مرئية ومنظورة وصار بإمكانهم التواجد والهيام والتغزل بها.

ويتحدث الباحث الأهدل يرحمه الله عن ما اسماه “مأزق عبد الرحيم البرعي” الذي لخصه في انه يلمس من شعر البرعي في تعاطيه مع الحياة والمجتمع أنه يتحلى بروح الشاعر وعفويته وبساطته وتسامحه وهذه الخصال تبدو في ظاهرها، أنها لا تتوافق مع ما يجب أن يكون عليه من وقار الفقيه والعالم أو القطب الصوفي أو غيرهم من حاملي المعرفة – حسب تصورات الناس عن تلك الشخصيات- لذلك خيب البرعي ظن ذلك التصور عند التقليديين من الفقهاء والصوفية فرأوا فيه خروجاً، عما يجب أن يكون عليه العارفون أمثاله فعزفوا عن الاهتمام به في الترجمات واعتباره أحد أعيان عصره باستثناء البريهي في كتابه “طبقات صلحاء اليمن” والوشلي في كتابه “نشر الثناء الحسن” وإن كان بإيجاز ثم في الأخير رسالة ماجستير عنه للأستاذ الدكتور محمد صالح الريمي – جامعة تعز- وهذه الرسالة للأستاذ ندر وجودها في المكتبات أو التداول.

ويضيف الباحث الأهدل أن “ البرعي “لم يكن صوفياً درويشاً أو مشعوذاً من الذين جعلوا الخرافة زادهم ووسيلتهم إلى الناس ولم يكن صوفياً فلسفياً من الذين طرحوا سؤال الوجود والكون وراحوا يجيبون عن ذلك السؤال بطريقتهم إجابات تتصادم أحياناً مع ظاهر النصوص الدينية و لم يكن صوفياً سنياً مقاوماً كما كان عليه في اليمن الشيخ أحمد بن علوان وفي العصر الحديث الشيخ عبدالله الحكيمي لكنه كان صوفياً نقياً تغلبت عليه روح الشاعر الشفافة، وتسامح الشعراء الذين أحبوا الإنسان والكون ولم يعيروا كبير اهتمام لخلافات الناس على الجاه والسيطرة فأعطى لنفسه المٌحبة القيادة لتسير به إلى أين ما يشاء الله وصار وبدون تكلف يصب عواطفه في النصوص الشعرية كعاشق حقيقي لا يرى بأساً في التعبير عن مشاعره اعتقاداً منه بأن ذلك لا يتعارض مع الدين والقيم.