السبت ، ٢٧ ابريل ٢٠٢٤ الساعة ٠٥:٠١ صباحاً

إبن اليمن.. بين عزة النفس وهوان الإغتراب

جلال الدوسري
الاربعاء ، ٠٣ ابريل ٢٠١٣ الساعة ١١:٠٩ مساءً

---------
• الغربة: غلطة العمر.. مرارة الفراق، ولوعة الإشتياق..
- قدر الله وما شاء فعل.. وقد قدر على الإنسان اليمني أن يكون في عناء منذ قديم الأزل.. لا يجد إلا الشقاء حيثما حل وكلما أرتحل..
نجد اليمني أكثر شعوب العالم هجرة عن وطنه، وأكثرهم إنتشاراً في كافة أصقاع الأرض.. ما بين داعية ينشر الدين، وتلميذ يطلب العلم، وباحث عن الرزق مشتغل في التجارة..
- وقد كان اليمني ومازال مثالاً للطهر والعفاف.. وهو المعروف عنه الأمانة والجد والصدق والإخلاص في التعامل مع الأخرين.. وظل أكثر من سواه لا يلقى إلا الإحترام والتقدير وحسن المعاملة, كما هو في سلوكه وتعامله في كل زمان ومكان..
- والواضح أن أكثر اليمنين إغتراباً هم من الذين أستدعت الحاجة، وأضطرتهم الأوضاع والظروف المعيشية الصعبة في بلدهم، إلى السعي بحثاً في طلب الرزق.. ((وسافر فإن في السفر ولا فائدة))..
- وبحكم روابط من الجوار والدين واللغة والعادات والتقاليد بين اليمن ودول الخليج العربية؛ كان ومازال اليمني يتجه نحو هذه الدول، ويشكل تواجده فيها النسبة الكبيرة.. وقد كان مبتداها منتصف القرن الماضي، يحثه على ذلك بداية ظهور الإكتشافات النفطية في تلك الصحاري القاحلة, والتي كانت تبشره بالحصول على مصدر رزق يفوق ما يتحصل عليه في بلده, من ما قد يوفر له ولأسرته مقدار أكبر من الرفاهية التي حُرموا منها -ربما – مع الكثيرين من أبناء الشعب اليمني, ليس إلا نتيجة سلطة لم يكن لها أي نظرة ثاقبة نحو المستقبل, حتى أعماها شغفها بالسلطة عن الإبصار إلى أن تعمل على ما فيه خير وصلاح وتطور وإزدهار الوطن.. من خلال الذهاب إلى إستثمار الأرض التي كانت وما زالت تبدوا معطاءة, والإنسان وما يمكن أن يكون عليه من كفاءة..
- هاجر إبن اليمن إلى بلدان الخليج.. وبقدر ما شكلت له الهجرة مغنماً، ظلت تشكل كذلك مغرماً.. فهو الذي يكد ويكدح حتى يتصبب العرق من جبينه دماً، وتتقطع الأنفاس في صدره ألماً... يفني جُلَّ عمره, من زهرة شبابه, وربما من طفولته وهو مغترب.. يعصره ألم الفراق كل يوم ألف عصرة، ويهده أنين البعد عن الوطن والأهل كما لا تهد الجبال... وكل لحظات إغترابه تمضي وهو في شوق وحنين.. وتمضي به السنين تترا في أرض الغربة.. ولا يجد لوطنه وأهله متسع من الزمن يمضيه سوى النزر اليسير، قد لا يصل إلى شهر كل عام في أحسن الأحوال وأفضل الظروف..
- وفي بلاد الحرمين الشريفين؛ حيث هجرة اليمنيين إليها كبيرة..
هاجر إليها اليمانيون منذ بداية التبشير بوجود خير النفط فيها.. فكان لإبن اليمن الدور الكبير, والمساهمة الفاعلة في بناء نهضة تلك القفار.. وتحقيق نماءها وإزدهارها ورخائها بكل الطرق والوسائل, ولتشمل كافة المجالات.. حتى صارت كما هي عليه الأن.. وقد كانت مجرد صحراء قاحلة، يسكن أهلها في الكهوف والعشش وبعض من الخيام، يفتك بمعظمهم الظمأ والجوع الذي لم يكن لهم ما يسدونه به سوى ما كان يتصدق به عليهم إمام اليمن رحمة الله عليه..
وأكاد أجزم؛ أن ما من منشأة عامة ولا خاصة إلا ولإبن اليمن بصمة يد وحطة قدم فيها، وقطرات عرق وربما دم تصببت عليها..
- وإن اليمني وهو يقيم ليعمل في بلاد الحرمين ومن طيب في أصله, وما هو معروف عنه من شهامة وكرم؛ مازال يمارس الإيثار، حتى زايد في إمتثالة لقول الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)، فكان حب اليمني لأخيه في بلاد الحرمين أكثر من حبه لنفسه... وقد سخر إمكانياته، وبذل طاقته، وجد وأجتهد في خدمة غير وطنه..
- والحقيقة أن كل من يغترب في بلد ليعمل أي عمل كان وفي أي مهنة كانت يعتبر -بحكم العقل والمنطق والواقع - أنه يقدم خدمة لذاك البلد الذي يقيم فيه ويعمل به.. وأبناء اليمن الذين يذهبون للإغتراب في بلاد الحرمين إنما يعملون في خدمته.. وهم يعملون في جميع المهن الحرفية والفنية والخدماتية والتخصصية.. فمنهم البائع والنجار والسباك والحداد والسائق والمزارع والخياط والقهوجي والطباخ والمهندس والطبيب و و و و، كما ومنهم أصحاب رؤوس الأموال من تجار وصناع ومقاولين الذين يمثلون عمادة أساسية ورقم كبير وصعب في منظومة الإقتصاد السعودي.. وهؤلاء إنما يحصدون ببركة من الله ثمار بذرهم.. وما يتحصل عليه أولئك سواء كانوا تجار أو عمال ليس تفضلاً من أحد عليهم, إنما هو أقل من ما يستحقونه نظير كدهم وكدحهم.. ولا يذهب إلا اليسير منه لإعالة أسرهم، واللواتي - أجزم وأقسم - أن معظمهن يفظلن أكل التراب على أن يبقى عائلهن ولو للحظة رهن الإغتراب ..
- واليوم وبعد أن أكتمل الإعمار تقريباً –كما يرون - في بلاد الحرمين، وحتى يظن متوليها أنها قد بلغت المنتهى والكمال في التطور والإزدهار؛ بدأت ومنذ سنوات مضت في العمل على ما فيه تضييق الخناق شيئاً فشيئاً على كل مقيم، وعلى اليمنيين بالذات.. من خلال سن وتشريع وتطبيق أنظمة وقوانين فيها الكثير من الظلم والقهر، وتصل بعضها إلى حد الإذلال والإستعباد... وهو ما يعتبر إنتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، وبما يتنافى حتى مع مباديء وأحكام الشريعة الإسلامية التي يتشدق النظام بأنه يتمثلها.. وليس أدل على ذلك من نظام الكفالة الذي هو أسوأ في بنوده والتعامل به من نظام الرق في الجاهلية.. وكل ذلك في مساعي سلطوية قهروية نحو تطفيش المقيم بطرق شتى, تصل حد الإذلال, إن بشكل مباشر من خلال أجهزة الدولة المختلفة سواء ما تقوم به من فرض وجباية أتاوات على شكل ((رسوم إقامة.. رسوم تأشيرة.. تأمين إجباري.. رسوم العمل.. رسوم نقل...... إلخ..)), أو ما تقوم به من حملات إعلامية وأمنية قمعية إستبدادية .. يضاف إلى ذلك التطفيش عن طريق الكفلاء وما يقومون به من بطش وإبتزاز حد المتاجرة والتربح على حساب أقوات العمال الضعفاء.. وكل ذلك دون مراعاة للمباديء والقيم الأخلاقية في التعامل، سواء كانت دينية أو أخلاقية أو قومية أو إنسانية..
- وفي كل ذلك يتكشف الوجه الحقيقي للنظام, ومن تمسح في بلاطهم .. ويبدوا واضحاً بجلاء زيفهم وتضليلهم، ويتضح أنهم ليسوا سوى ناكرين للمعروف، جاحدين للجميل.. لا يجازون من أحسن إليهم إلا بالإساءة..
- أما وقد بلغ بهم الغرور مبلغه، كاشفاً عن ما في قلوبهم من غلٍ وكراهية، بتصرفاتهم التي بلغت منتهاها في الظلم والقهر والتسلط والإستبداد, الذي يمارسونه اليوم ضد العمالة اليمنية؛ فإن الأمر يستدعي وقفة شعبية جادة لإتخاذ المواقف المناسبة, التي تحفظ لليمني كرامته وعزته.. ولتبقى عزة النفس عصية على الإنكسار حتى مع ما يعانيه من هوان الإغتراب.. وفي ظل تقاعس وتهاون وتغاضي السلطات الرسمية المسئولة وأصحاب القرار, وتخاذلها حتى عن إصدار بيان إستنكار, أو تكليف أنفسهم مجرد معرفة حقيقة ما يحدث.. وإن كان كل شيء بثمنه, وحتى السكوت له قيمته؛ فإن الشعب اليمني العزيز... الشريف... الحر... الأبي برمته غير راضٍ, ولن يرضى كما لم يرضى من قبل.. وإتفاقية الحدود التي وقعها النظام السابق الحالي مع آل سعود باطلة، وكل معاهدة... وكل إتفاقية... وكل مفاهمة باطلة باطلة.. وليعلم آل سعود أن الحق لا بد أن يعود.. وأن الخير أصلاً في اليمن.. وسيأتي اليوم الذي فيه تستقر وتزدهر اليمن.. وستكون بداية نهضة اليمن السعيد مع إنتهاء العمر الإفتراضي لإزدهار دولة آل سعود, والذي تشير الدلائل إلى دنو موعده من خلال ما يلوح في الأفق السياسي على الأقل..
- ولا رحم الله أناس لم يعرفوا قدر أنفسهم... فتنكروا للمعروف وجحدوا الجميل..
• لدغة؛
- قبَّح الله وجوهاً ترتضي الذُل .. لتحيا, تُصفع كل يومٍ بالنعال.
صرخة الحق تدوي ولا تجيب .. كأنما إبليس في الأذان بال.